أكثر من 500 شخص في عداد الموتى.. هل يكون غرق قارب المهاجرين قرب سواحل اليونان الكارثة الأخيرة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/17 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/19 الساعة 04:49 بتوقيت غرينتش
قلة من تم إنقاذهم في كارثة غرق قارب الصيد قرب سواحل اليونان/ رويترز

مرة أخرى عاد أخطر طريق للهجرة إلى دائرة الضوء، على أشلاء أكثر من 500 شخص فقدوا حياتهم عندما غرق قارب مزدحم بالمهاجرين الحالمين بجنة أوروبا "القاتلة"، فهل تكون الكارثة الأخيرة؟

القارب المخصص للصيد انقلب وغرق في وقت مبكر من صباح الأربعاء، 14 يونيو/حزيران 2023، على بعد حوالي 50 ميلاً (80 كيلومتراً) من بلدة بيلوس الساحلية بجنوب اليونان، كان يحمل على متنه ما بين 400 و750 شخصاً مكدسين على متن قارب الصيد الذي يتراوح طوله ما بين 20 و30 متراً، بحسب روايات شهود العيان.

وأخرجت السلطات اليونانية 104 ناجين وجثث 78 غريقاً إلى الشاطئ في أعقاب الكارثة مباشرة، لكنها لم تعثر على أي شخص آخر منذ ذلك الحين، مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ المكثفة حتى السبت، لكن الآمال تضاءلت في العثور على ناجين آخرين.

أخطر طرق الهجرة في العالم

صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً يلقي الضوء مرة أخرى على أخطر طرق الهجرة في العالم، وكيف أن الكارثة تعتبر فشلاً جديداً لأوروبا في مواجهة أحد أكبر تحدياتها.

وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، منذ أن أطلقت المنظمة الدولية للهجرة مشروع المهاجرين المفقودين في عام 2014، سُجِّل ما يُقدَّر بـ27 ألف شخص يحاولون الوصول إلى أوروبا، على أنهم لقوا حتفهم أو اختفوا أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط.

ووقعت أكثر من 21 ألف حالة وفاة على ما يسمى بطريق وسط البحر الأبيض المتوسط من ليبيا أو تونس شمالاً إلى اليونان أو إيطاليا، وهو معبر قد يستغرق عدة أيام وغالباً ما يعبره المهاجرون في قوارب غير صالحة للإبحار ومكتظة بشكل خطير.

وكشفت الكارثة الأكبر على هذا الطريق القاتل عن أن ما جرى على الأرجح لن يكون الحادث الأخير، في ظل محاولة كل طرف له علاقة بالقصة إلقاء المسؤولية على أطراف أخرى وتبرئة ساحته، إذ قال ماتيو بيانتيدوزي، وزير الداخلية الإيطالي، الخميس، إن القارب الذي تحطّم في المياه الدولية قبالة اليونان موجود في منطقة البحث والإنقاذ التي تقع تحت مسؤولية أثينا.

وأبلغ بيانتيدوزي قناة (سكاي تي.جي.24) التلفزيونية الإيطالية بأن "الحادثة وقعت ضمن منطقة البحث والإنقاذ اليونانية، في نطاق المسؤولية المحددة لهذا البلد"، مضيفاً: "لكن هذا لا يعني إلقاء اللوم على اليونان، بل إن الأمر يتعلق فقط بتحديد مناطق المسؤولية".

بينما قال متحدث باسم خفر السواحل اليوناني إن المهاجرين على قارب الصيد المنكوب أرادوا الذهاب لإيطاليا ورفضوا المساعدة اليونانية.

مهاجري البحر المتوسط
صورة جوية للسفينة قبل غرقها/ رويترز

وفي مارس/آذار، شددت الحكومة الإيطالية اليمينية، التي تتبنى نهجاً متشدداً مع الهجرة غير المشروعة، عقوبات السجن لمهربي البشر بعد أن تسبب تحطم قارب مهاجرين قرب كالابريا جنوب البلاد في مقتل 94 على الأقل.

وقال بيانتيدوزي "هذه مأساة كبرى تشجعنا أكثر على الطريق الذي سلكناه، نعتقد اعتقاداً راسخاً أن السبيل الأنسب لمعالجة ذلك هو وقف مهربي البشر"، في إشارة لعمليات انطلاق الهجرة غير الشرعية من شمال إفريقيا. وأضاف "لن نتمكن من فعل ذلك إلا بالتعاون معاً مع أوروبا والمجتمع الدولي".

وفي الوقت نفسه أشارت تقارير إلى أن قارب الصيد القديم قد غادر مصر، ثم أخذ ركاباً من مدينة طبرق الساحلية الليبية، في العاشر من يونيو/حزيران. وقال الناجون الذين تحدثوا إلى السلطات اليونانية، إن كلاً منهم دفع 4500 دولار للسفر إلى إيطاليا. ولا تزال ظروف غرق القارب بينما كان خفر السواحل اليوناني يتابعه عن كثب غير واضحة.

إلا أن الخارجية المصرية أصدرت بياناً نفت فيه أن يكون القارب قد غادر من مصر، قائلة إنه غادر من السواحل الليبية.

وتقول السلطات اليونانية، التي راقبت القارب على مدى 15 ساعة قبل غرقه بعدما تلقت تنبيها من روما بشأنه في اليوم السابق، إن ركابه رفضوا مراراً المساعدة، قائلين إنهم يريدون الذهاب إلى إيطاليا.

كيف تتعامل أوروبا مع ملف المهاجرين؟

اعتُقل تسعة أشخاص، معظمهم من مصر، مساء الخميس، على خلفية غرق القارب، وقالت السلطات اليونانية إنهم يواجهون اتهامات بالقتل غير العمد بسبب الإهمال، وتعريض الأرواح للخطر، والتسبب في غرق قارب، والاتجار بالبشر.

ونُقل الناجون بالحافلة إلى مخيم للمهاجرين في مالاكاسا بالقرب من أثينا. وفي ظل حكومة محافظة ظلت في السلطة باليونان حتى الشهر الماضي، اتخذت البلاد موقفاً أكثر تشدداً إزاء الهجرة، إذ أقامت مخيمات محاطة بالأسوار وعززت السيطرة على الحدود. وتدير البلاد حالياً حكومة لتصريف الأعمال لحين إجراء الانتخابات في 25 يونيو/حزيران.

ويفيد تقرير آخر لصحيفة The Guardian بأن رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، حضرت اجتماعاً في روما، في 4 مايو/أيار، مع رجل ليبيا القوي في الشرق خليفة حفتر، عرضت فيه الاستثمار في شرق ليبيا (قُسِّمَت ليبيا إلى شرق وغرب متنافسين منذ العام 2015)، مقابل اتخاذ إجراءات ضد مهرِّبي المهاجرين.

وبدا أن حفتر يحاول الوفاء بصفقته، ففي 4 يونيو/حزيران الجاري، فرض حلفاؤه حظر تجول ليلياً مؤقتاً لوقف المهربين، وشنت قوات الأمن مداهمات في البلدات المتاخمة للحدود مع مصر. زعموا أنهم عثروا على ألف شخص في مزارع ومنازل في انتظار نقلهم عبر البحر الأبيض المتوسط. ودمرت قوات الأمن قوارب ومرفأ يستخدمه المهربون.

ويضيف التقرير أن نائب وزير الداخلية الليبي، فرج اقعيم، أحد سماسرة السلطة في ليبيا، دعا السكان إلى الإبلاغ عن المهربين، ودعا القبائل التي تتحكم في حدود ليبيا لتقديم المساعدة. ونُقِلَ بعضٌ ممن اعتُقِلوا في بداية الشهر (ما يصل إلى أربعة آلاف) بالقوة سيراً على الأقدام إلى الحدود المصرية، على أساس أنهم كانوا هناك بشكل غير قانوني. كما أدى العنف المتضمن خلال ذلك، بما في ذلك مقتل صبي صغير، إلى احتجاج المعتقلين.

وفي يوم الإثنين الماضي، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عن مخاوفها بشأن "الاعتقالات والترحيل التعسفي" لآلاف المهاجرين وطالبي اللجوء في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك نساء حوامل وأطفال قالت إنهم كانوا محتجزين في أماكن مكتظة وغير صحية. وقال بيان البعثة إن الحملة "رافقتها زيادة مقلقة في خطاب الكراهية والخطاب العنصري ضد الأجانب على الإنترنت وفي وسائل الإعلام". لكن الرحلات المأساوية من ليبيا عبر البحر المتوسط تُظهِر أن حفتر لم يتمكن من إيقاف تهريب المهاجرين.

إيطاليا
جورجينا ميلوني / رويترز

ويعبر معظم المهاجرين إلى اليونان الآن من تركيا، وإما يصلون إلى الجزر اليونانية الشرقية عن طريق القوارب أو يعبرون نهر ماريتسا على طول الحدود البرية، وقد انخفض عددهم بشكل حاد منذ أن كثفت أثينا الدوريات البحرية وأقامت سياجاً حدودياً.

ونظراً لأن الرحلة إلى غرب أو شمال أوروبا من اليونان تتضمن أيضاً عبوراً شاقاً في كثير من الأحيان لمنطقة البلقان، يسعى العديد من المهاجرين الآن إلى تجاوز اليونان.

وبدلاً من ذلك، تتجه الغالبية العظمى الآن إلى إيطاليا، التي سجلت حالات وصول يبلغ عددها 55,160 إلى أوروبا حتى الآن هذا العام- أكثر من ضعف العدد في عام 2022- معظمهم من ساحل العاج ومصر وغينيا وباكستان وبنغلاديش.

طريق البحر المتوسط.. الموت في انتظار المهاجرين

في غضون ذلك، أصبح طريق وسط البحر الأبيض المتوسط أكثر فتكاً. وفقاً لتقرير المنظمة الدولية للهجرة في أبريل/نيسان، غرق ما لا يقل عن 441 شخصاً أثناء العبور بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار من هذا العام، وهي الفترة الأكثر دموية منذ عام 2017.

ومن المعروف أن 600 آخرين ممن حاولوا العبور في أبريل/نيسان ومايو/أيار ماتوا أو فقدوا، ما رفع العدد الإجمالي هذا العام إلى 1039 على الأقل قبل حالة الغرق الأخيرة. ويُعتَقَد أن الرقم الحقيقي، نظراً لعدم تسجيل العديد من حالات الغرق مطلقاً، أعلى من ذلك بكثير.

ووجهت المنظمة الدولية للهجرة أصابع الاتهام- رغم عدم تحديد أسماء- إلى بعض حكومات البحر الأبيض المتوسط، حيث تأخرت عمليات البحث والإنقاذ التي تقودها الدولة وعُرقِلت السفن التي تديرها المنظمات غير الحكومية.

وفرضت إيطاليا قيوداً صارمة، بل وصادرت سفناً تتولى مهام إنسانية، في حين تواجه اليونان مزاعم متعددة بأنها تعيد الأشخاص إلى تركيا، ما يمنعهم بشكل غير قانوني من طلب اللجوء، وهو أمر نفته أثينا باستمرار.

بشكل عام، لا يزال عدد الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا منخفضاً بشكل كبير عن ذروته في 2015-2016، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى اتفاق الاتحاد الأوروبي لعام 2016 مع تركيا، والترتيب الذي تعرَّض لانتقادات شديدة عام 2017 مع ليبيا، ذلك الترتيب الذي يوكل مهمات الإنقاذ لخفر السواحل الليبي.

وجاء في تقرير الغادريان أن هناك 680 ألف مهاجر في ليبيا، بعضهم يتطلع للسفر بالقوارب إلى أوروبا وآخرون يعملون بدوام كامل في ليبيا. وقالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إن ما يقرب من 3800 شخص لقوا حتفهم على طرق الهجرة داخل ومن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العام الماضي، وهو أعلى رقم منذ عام 2017. وقد وصل حوالي 105 آلاف مهاجر وطالب لجوء إلى إيطاليا عن طريق البحر في عام 2022. ومنذ بداية هذا العام حتى يونيو/حزيران، وصل ما يزيد عن 54 ألف شخص، وهو ضعف العدد في نفس الفترة من العام السابق. ونسبة متزايدة من هؤلاء تأتي من شرق ليبيا.

اليونان الهجرة
لاجئون ومهاجرون يقفون بجانب الخيام في مخيم مافروفوني في جزيرة ليسبوس اليونانية/رويترز

لكن العدد آخذ في الارتفاع، ومع تزايد المشاعر المناهضة للهجرة والضغط السياسي في جميع أنحاء القارة، تظل القضية إحدى أكبر مشكلات الاتحاد الأوروبي، مع انقسام الدول الأعضاء بشكل عميق.

ولَطالما تحمّلت دول جنوب أوروبا العبء الأكبر، فغالباً ما تحجم دول "المقصد" الشمالية الأكثر ثراءً عن تقاسم العبء، والمتشددون في وسط وشرق أوروبا (المجر وبولندا) رفضوا قبول أي لاجئين من هذا القبيل على الإطلاق.

وبعد سنوات من المشاحنات، أعلن زعماء الاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، انفراجةً في المفاوضات بشأن اتفاقية جديدة للهجرة واللجوء، بما في ذلك دفع 20 ألف يورو عن كل مهاجر للدول الأعضاء التي ترفض استضافة اللاجئين.

واتفقت الكتلة على أن الدول الأعضاء، وليس الاتحاد الأوروبي ككل، هي التي ستحدد الدول التي تعتبر "آمنة" للمهاجرين، ما يمنح الدول الأعضاء قدراً أكبر من المرونة الفردية. 

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن الكتلة تدرس تقديم أكثر من مليار يورو لمساعدة تونس لإنقاذ مالية الدولة والمساعدة في التعامل مع أزمة الهجرة.

أوروبا والفشل في ملف الهجرة

ومنذ صعود أحزاب اليمين المتطرف إلى قمة هرم السلطة في كثير من الدول الأوروبية، أصبح ملف الهجرة يحتل صدارة القضايا في القارة العجوز، وتنامت بشكل لافت المشاعر المعادية للمهاجرين وطالبي اللجوء. وفي هذا السياق، أصبحت أوروبا تواجه مأزقاً ضخماً بين ما ترفعه من شعارات أخلاقية وبين سعي السياسيين إلى كسب أصوات اليمين المتطرف.

إذ إن السمة الرئيسية الغالبة على الجماعات والأحزاب المنضوية في إطار اليمين بشكل عام، سواء أكانت أحزاباً متطرفة تعمل في إطار عملية ديمقراطية أم أخرى معارضة لها، هي الخطاب الذي يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد مجموعة "أصلية" من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع، وعن ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية، ومن ثم تأتي معارضة اليمين المتطرف للهجرة.

بعد مفاوضات استمرت يوماً كاملاً، الخميس 8 يونيو/حزيران، اتفق وزراء الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي على كيفية تقاسم المسؤولية عن الاعتناء بالمهاجرين واللاجئين، على أمل إنهاء سنوات من الانقسام الذي يعود إلى العام 2015 عندما وصل أكثر من مليون شخص، معظمهم فروا من الحرب في سوريا، إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.

البرلمان الأوروبي
من اجتماع للبرلمان الأوروبي في بروكسيل/ رويترز

وخلال تلك السنوات، تمثلت المشكلة في مطالبة البلدان الواقعة على الحافة الجنوبية للاتحاد الأوروبي، ومنها إيطاليا واليونان، بمزيد من المساعدة حتى تستطيع التعامل مع من يصلون إلى شواطئها، بينما رفضت دول بشرق الاتحاد الأوروبي، مثل بولندا والمجر، استضافة أي شخص من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذات الأغلبية المسلمة.

وتفاقمت الأزمة مع شحن الأحزاب اليمينية والشعبوية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، البالغ عدد أعضائه 27 دولة، الجدل بخطابها المناهض للهجرة.

وكانت رئيسة مجلس الاتحاد الأوروبي، السويدية ماريا مالمر ستينرغارد، قد علقت اجتماع الخميس ثلاث مرات، وتم تعديل نصوص الاتفاق عدة مرات بعد البيانات الرافضة من الوفود المختلفة فيما بينها على عدة نقاط.

وفي النهاية وافقت ألمانيا وإيطاليا على مشروع الإصلاحات، بينما رفضته بولندا والمجر، أي أن القرار لم يحظَ بالإجماع، إلا أنه حصل على أغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء، التي تمثل 65% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي. وترفض بولندا والمجر الامتثال لقواعد الهجرة المشتركة في الاتحاد الأوروبي، والتي تم إقرارها عام 2015.

ومع ذلك، يجادل العديد من النقاد بأن الاتفاق لم يُحرز إلا القليل من التقدم في إنشاء طرق آمنة وقانونية لطالبي اللجوء إلى أوروبا، مع التركيز كثيراً مؤخراً على تقييد طلبات اللجوء وتجريم أنشطة البحث والإنقاذ، ما يعني أن كارثة غرق مركب الصيد قد لا تكون الأخيرة.

تحميل المزيد