اليمين يحكم أوروبا.. ما هي البلاد التي وقعت في قبضة التطرف؟ وما الدول المرشحة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/26 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/18 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
أنصار اليمين المتطرف في أوروبا / Getty

ستصبح جورجيا ميلوني أول سيدة تحكم إيطاليا بعد أن فاز تحالف اليمين المتطرف الذي تقوده في الانتخابات، في أحدث مؤشر على أن اليمين بات يحكم أوروبا، فماذا يعني ذلك؟ ومن الدول المرشحة تالياً للسقوط؟

أظهرت النتائج المؤقتة للانتخابات البرلمانية أنه من المتوقع حصول التكتل اليميني على أغلبية قوية في مجلسي البرلمان؛ إذ بعد فرز أكثر من نصف الأصوات حصل حزب إخوة إيطاليا، اليميني المتطرف بزعامة ميلوني، على 26% تقريباً، رغم أن الحزب نفسه كان قد حصل على 4% فقط في الانتخابات العامة السابقة في 2018.

وهو ما يعني أن ميلوني تستعد على ما يبدو لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا، على رأس أكثر الحكومات يمينية منذ الحرب العالمية الثانية، أي منذ الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني.

اليمين المتطرف يجتاح أوروبا

كان تيار اليمين المتطرف قد حقق صعوداً مفاجئاً في السويد في الانتخابات البرلمانية في أغسطس/آب الماضي، ليصبح حزب الديمقراطيين القومي اليميني المتطرف ثاني أكبر حزب سياسي في البلاد بعد الحزب الديمقراطي الاجتماعي.

وولد حزب الديمقراطيين القومي المعارض للهجرة من رحم الحركة النازية الجديدة في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد أن ظل لفترة طويلة حزباً هامشياً منبوذاً، دخل البرلمان بعد فوزه بنسبة 5.7% من الأصوات عام 2010، ثم ارتفعت النسبة إلى 17.5% عام 2018، وتخطت نسبته هذه المرة 20%.

وإجمالاً تفوّق التكتل اليميني، المؤلف من المعتدلين والليبراليين والديمقراطيين المسيحيين والديمقراطيين السويديين، في النتائج النهائية للانتخابات، وأقرت رئيسة الوزراء المنتهية ولايتها مغدالينا أندرسون بالهزيمة، بعد أن حكم حزبها البلاد منذ 2014، وكان يهيمن على المشهد السياسي في البلاد منذ أكثر من قرن.

لكن صعود اليمين في القارة العجوز ليس مقتصراً على السويد ولا حتى إيطاليا، إذ شهدت الأعوام القليلة الماضية صعوداً للتيار اليميني المتطرف في أنحاء أوروبا، علماً بأن الأفكار القومية كانت دائمة الحضور في السياسة الأوروبية، لكن المستويات المرتفعة من التأييد التي باتت تحظى بها أحزاب اليمين المتطرف وما تروج له من أفكار شعبوية متشددة أمر حديث العهد نسبياً.

اليمين في أوروبا / عربي بوست

ففي المجر، ينتمي رئيس الوزراء فيكتور أوربان لليمين المتطرف الشعبوي، وقد استقالت زسوزسا هيغدوس، المساعدة المقربة منه، مؤخراً اعتراضاً على تصريحاته التي وُصفت بأنها عنصرية حول فكرة "خلط الأعراق" وانتقاده للاختلاط بين الأوروبيين وغير الأوروبيين، واصفة خطابه بأنه "نازي صرف"، وفق وسائل إعلام مجرية. إذ قال أوربان ضمن تلك التصريحات: "نحن على استعداد للاختلاط مع بعضنا، لكننا لا نريد أن نصبح شعوباً مختلطة الأعراق".

وفي ألمانيا صعد حزب البديل من أجل ألمانيا المنتمي للتيار نفسه ليصبح رقماً صعباً في الانتخابات الألمانية، إذ حل ثالثاً في الانتخابات قبل السابقة، قبل أن يتراجع في الانتخابات الأخيرة إلى المركز الخامس.

أما فرنسا، فقد كادت زعيمة اليمين المتطرف، مارين لوبان، أن تصل لقصر الإليزيه في الانتخابات الرئاسية في أبريل/نيسان الماضي قبل أن تخسر أمام الرئيس إيمانويل ماكرون، ثم حقق تكتلها اليميني نتيجة تاريخية في الانتخابات البرلمانية في يونيو/حزيران الماضي، بعد أن فاز بأكثر من 100 مقعد للمرة الأولى في التاريخ الفرنسي.

ماذا يعني هذا للمهاجرين والمسلمين؟

كانت صحيفة الغارديان البريطانية قد نشرت تقريراً عنوانه "صعود اليمين المتطرف.. هل تشهد أوروبا مهرجان انتخاب الزعماء الشعبويين؟"، رصد ما يعنيه صعود أحزاب اليمين المتطرف إلى قمة السلطة في القارة العجوز.

إذ إن السمة الرئيسية الغالبة على الجماعات والأحزاب المنضوية في إطار اليمين بشكل عام، سواء أكانت أحزاباً متطرفة تعمل في إطار عملية ديمقراطية أم أخرى معارضة لها، هي الخطاب الذي يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد مجموعة "أصلية" من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع، وعن ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية، ومن ثم تأتي معارضة اليمين المتطرف للهجرة.

وتشترك جماعات اليمين المتطرف في بعض السمات الرئيسية، كالنزعة القومية، أو ما يمكن وصفه بالشعور بأن بلداً ما وشعب هذا البلد أرقى من غيره. ولدى تلك الجماعات شعور قوي بالهوية الوطنية والثقافية إلى درجة اعتبار أن اندماج ثقافات أخرى يشكل تهديداً على تلك الهوية، ومن ثم فإنها ترفض فكرة التنوع.

وعادة ما يستميل زعماء تلك الجماعات الأفراد من خلال إعطائهم شعوراً بالانتماء والفخر. وكثيراً ما يكون ذلك أداة دعائية قوية، ولا سيما في المناطق الفقيرة التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة، والتي يشعر سكانها بالتهميش من قبل المؤسسة السياسية.

وفي إشارة إلى هذا التحول الذي يلوّن المشهد السياسي في أوروبا، استخدم رئيس المفوضية الأوروبية السابق جون كلود يونكر آخر خطاباته حول حالة الاتحاد (عام 2018) لانتقاد ما وصفها بـ"القومية غير الصحية" في القارة، مضيفاً أن "حب الوطن فضيلة. ولكن النزعة القومية الخارجة عن السيطرة مليئة بالسم والخداع".

أما السمة الأخرى فهي تتعلق بالتحيزات الدينية، إذ يعتبر أعضاء اليمين المتطرف أنفسهم مدافعين عن الدين المسيحي، ويستخدمون ذريعة الحفاظ على القيم المسيحية لإثارة صراعات مع أديان أخرى، وبصفة خاصة الإسلام

زعيمة اليمين المتطرف الفرنسية مارين لوبان، مع رئيس الوزراء المجري اليميني المعاد انتخابه فيكتور أوربان / Getty

ورغم التأييد الذي يحظى به اليمين المتطرف من قبل رجال دين ومتدينين مسيحيين، إلا أن هناك من يرى أن مبادئه تتعارض مع قيم التسامح المسيحية، وعلى رأسهم البابا فرانسيس بابا الفاتيكان الذي تحدث مراراً عن أهمية أن يشترك الجميع في تقديم العون للاجئين الذين "يفرون من الحرب والفقر، ويصلون إلى شواطئ القارة [الأوروبية] وغيرها من الأماكن ويقابلون، لا بالحفاوة، وإنما بالعداء، بل والاستغلال. إنهم إخواننا وأخواتنا".

وتزامن صعود تيار اليمين المتطرف في أوروبا، مع تصاعد العداء للمسلمين، أو ما بات يعرف بـ"الإسلاموفوبيا"، وهي ظاهرة فكرية تستند إلى تنميط للمسلمين المهاجرين، وتروج لفكرة أنهم غير مندمجين في مجتمعاتهم، وأنهم يشكلون بؤراً للإرهاب.

على سبيل المثال، ثار جدل حول موقف اليمين الأوروبي المتطرف من الإسلام والمسلمين في أبريل/نيسان الماضي مع نشر السياسي اليميني الهولندي المتطرف، "خيرت فيلدرز" زعيم حزب الحريات اليميني، مقطع فيديو على حسابه على "تويتر" عنون له بعبارة "لا للإسلام، لا لرمضان.. حرية، لا للإسلام".

وما يزيد من مخاوف الجاليات المسلمة في أوروبا، هو سعي بعض الحكومات وأحزابها السياسية، للمزايدة على ما تطرحه أحزاب اليمين المتطرف، عبر تبني خطاب يتماهى مع خطاب تلك الأحزاب، بهدف كسب مزيد من الأصوات الانتخابية، وهو ما يدفع الحكومات إلى اتخاذ خطوات ضد الجاليات المسلمة لتعزيز موقعها في الشارع الانتخابي.

ويعطي مراقبون مثالاً على ذلك تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أوائل أكتوبر/تشرين الأول من عام 2020، التي أشار فيها إلى أن مسلمي فرنسا، يمكن أن يشكلوا "مجتمعاً مضاداً"، وأن الإسلام يواجه "أزمة" في جميع أنحاء العالم، وإعلانه عن خطة لمعالجة ما اعتبره "مجتمعاً موازياً" في فرنسا.

هل عادت الفاشية إلى إيطاليا؟

في هذا السياق، تزداد المخاوف من صعود سياسية يمينية متطرفة، كجورجيا ميلوني، إلى رأس السلطة في إيطاليا، ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، ما يعني أن أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا ستصبح لاعباً رئيسياً في شؤون أوروبا في لحظة حرجة من تاريخ القارة.

ويتزامن فوز التكتل اليميني في إيطاليا بالانتخابات البرلمانية مع مرور قرن على استيلاء الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني على السلطة، وحزب "إخوة إيطاليا"، بقيادة ميلوني، ترجع أصوله إلى الحركة الاجتماعية الإيطالية التي أسسها فاشيون سابقون في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولسياساته المعادية بشدة للهجرة. ولا يزال رمز الحزب يحتوي على شعار الحركة (الشعلة ثلاثية الألوان)، وكان بعض أحفاد موسيليني من بين مرشحي الحزب في الانتخابات البرلمانية السابقة.

إيطاليا
جورجيا ميلوني زعيمة حزب "إخوة إيطاليا" اليميني – Getty Images

صحيح أن ميلوني سعت إلى النأي بنفسها عن أصول حزبها التاريخية، ورفضت مزاعم أن يؤدي تزعم حزبها للحكومة إلى إحياء الفاشية، قائلة إن قيم حزبها مشابهة لقيم حزب المحافظين البريطاني والحزب الجمهوري الأمريكي وحزب الليكود الإسرائيلي، إلا أن مواقفها المعادية للهجرة وللمسلمين، إضافة إلى روابطها مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا لا تبشر بالخير.

كانت ميلوني قد أعربت عن رغبتها في إغلاق الموانئ الإيطالية أمام المهاجرين القادمين من ليبيا، كما سبق أن عبرت عن إعجابها برئيس وزراء المجر فيكتور أوربان.

وفي حديث لها في يونيو/حزيران الماضي، قالت ميلوني: "ليس هناك حل وسط ممكن. اليوم، اليسار العلماني والإسلام الراديكالي يهددان جذورنا… إما أن تقولوا نعم أو لا. نعم للعائلة الطبيعية، لا لجماعات المثليين الجنسيين… نعم لعالمية الصليب، لا للعنف الإسلامي. نعم لتأمين الحدود، لا للهجرة الجماعية".

الخلاصة هنا هي أن السياسية الإيطالية، تسعى إلى أن تصبح بحكم الأمر الواقع، زعيمة أوروبية لليمين الراديكالي الحديث، الذي يسعى إلى الابتعاد عن التركيز الغربي في فترة ما بعد الحرب على الحقوق العالمية والحماية للأقليات، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

لكن صعود تيار اليمين المتطرف الشعبوي في البلدان الأوروبية لا يتوقف عند حدود إيطاليا والمجر وفرنسا وألمانيا وهولندا، إذ هناك دول أخرى مرشحة للسقوط في قبضة ذلك التيار السياسي، أبرزها رومانيا والنمسا وإسبانيا، وهو ما يمثل تغييراً نمطياً في الأفكار والآراء السياسية، له انعكاسات خطيرة على الأوضاع في القارة الأوروبية والعالم أيضاً.

وبغض النظر عن الأسباب، فإن هذا الصعود أدى إلى تعميق الانقسامات في المجتمعات الأوروبية بين المعسكر "الليبرالي" والمعسكر المحافظ الذي يعارض أي شكل من أشكال التعددية، ويسعى إلى الحفاظ على ما يعتبره قيماً تقليدية ترسم ملامح هويته. وسوف تشكل نتيجة تلك الانقسامات، برأي مراقبين، مستقبل الهجرة إلى أوروبا، فضلاً عن مستقبل الاقتصاد الأوروبي.

ولخص تحليل لشبكة CNN الأمريكية عنوانه "الظروف مثالية لبعث شعبوي في أوروبا"، الموقف بعد فوز تكتل اليمين بزعامة ميلوني في الانتخابات، إذ اعتبر أن وجود حكومة يمينية مستقرة في إيطاليا ستكون له على الأرجح تداعيات عميقة على القارة بأكملها، وهو ما يمثل أخباراً سيئة للمهاجرين والجاليات المسلمة والأقليات عموماً.

تحميل المزيد