اشتدت حدة المنافسة في انتخابات تركيا الرئاسية والبرلمانية بين معسكر الرئيس أردوغان ومعسكر المعارضة بزعامة منافسه كليجدار أوغلو، في الأمتار الأخيرة من السباق الأهم خلال قرن، فماذا تقول التجمعات الانتخابية لكلا المعسكرين قبل أيام من لحظة الحقيقة؟
وبعيداً عن حظوظ الأحزاب والمرشحين للرئاسة، في الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي انطلق التصويت فيها للأتراك المسجلين أماكن إقامتهم خارج حدود البلاد، يوم 27 أبريل/نيسان، هناك إجماع داخل وخارج تركيا على أن الانتخابات هذه المرة تمثل مفترق طرق للبلاد، وقد تكون الأكثر أهمية منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923.
فنتائج الانتخابات التركية، التي تقام داخلياً الأحد 14 مايو/أيار 2023، سوف يكون لها تأثير مباشر، ليس فقط على من سيحكم تركيا بعدها، بل على كيف ستُحكم البلاد أيضاً، إضافة إلى تأثيرها المباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية في واشنطن وموسكو وعواصم أخرى في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا أيضاً. "ما يحدث في تركيا لن يبقى في تركيا فقط"، كما قال ضياء ميرال، الباحث في معهد خدمات رويال المتحد لدراسات الدفاع والأمن لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، مضيفاً أن "تركيا قد تكون قوة متوسطة، لكن القوى الكبرى ستتأثر بنتائج الانتخابات في أنقرة".
حشود أردوغان والمعارضة في إسطنبول
ومع اقتراب يوم التصويت، يكثف المعسكران من تجمعاتهما الانتخابية لعرض البرامج واستعراض الإنجازات والتشكيك في قدرة الطرف الآخر على الوفاء بوعوده وتنفيذ برامجه، ويمثل عدد الحضور في تلك التجمعات مؤشراً هاماً على ما ستتمخض عنه صناديق الاقتراع بطبيعة الحال، كما قال فرقان كايا، أستاذ العلاقات الدولية لقناة الحدث السعودية.
وشهد السبت والأحد، 6 و7 مايو/أيار، عقد كل معسكر تجمعه الانتخابي الأكبر والذي يعد بمثابة "البروفة الأخيرة" قبل يوم التصويت. واختار معسكر الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم، العدالة والتنمية، والأحزاب المتحالفة معه، إقامة الحشد الانتخابي الكبير في إسطنبول.
والأمر نفسه اختاره معسكر المعارضة أو "الطاولة السداسية"، بقيادة حزب الشعب الجمهوري ومرشحه للرئاسة كمال كليجدار أوغلو، فأقاموا التجمع الانتخابي الكبير لهم في إسطنبول أيضاً.
واختيار إسطنبول وضع طبيعي كونها المحافظة الأكبر من حيث عدد السكان والناخبين المسجلين؛ إذ يوجد بها 11 مليوناً و350 ألفاً و971 ناخباً من إجمالي 64 مليوناً و113 ألفاً و941 ناخباً يحق لهم التصويت في الاستحقاق الرئاسي والبرلماني، وفق اللجنة العليا للانتخابات، بحسب وكالة الأناضول.
ومن هذا المنطلق، تعتبر الفعاليات الانتخابية في ولاية إسطنبول وعدد المشاركين في تلك الفعاليات من أكثر الموضوعات نقاشاً في البلاد. ونظم "تحالف الأمة" -التحالف المعارض الذي يضم أحزاب "الطاولة السداسية"- تجمعه الانتخابي الكبير في ساحة مالتيبه، السبت 6 مايو/أيار.
لم يصدر عن "تحالف الأمة" بيان رسمي بشأن أعداد المشاركين في هذا التجمع الانتخابي، لكن تقارير صحفية تحدثت عن تقديرات تتراوح بين 450 و650 ألف شخص شاركوا فيه واستمعوا إلى كلمات المتحدثين، ومنهم كليجدار أوغلو، مرشح المعارضة لمنصب الرئاسة.
على الجانب الآخر، عقد "تحالف الشعب" برئاسة أردوغان تجمعه الانتخابي الكبير في مطار أتاتورك، الأحد 7 مايو/أيار، وشارك فيه 1.7 مليون شخص، ما يجعل منه الفعالية الانتخابية الأضخم في تاريخ الانتخابات التركية، بحسب الإحصاءات الرسمية الصادرة عن منظمي الفعالية.
جاءت المشاركة الحاشدة في التجمع الذي تخلله حفل افتتاح المرحلة الأولى من "حديقة الشعب" في موقع مطار أتاتورك، بحضور الرئيس أردوغان. وفي خطاب ألقاه أردوغان أمام الجماهير الغفيرة قال: "نعم، الآن أحضروا لي الرقم الرسمي (للمشاركين في التجمع الانتخابي)، الرقم الرسمي مليون و700 ألف"، طبقاً لوكالة الأناضول.
ويتنافس في انتخابات الرئاسة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان مرشحاً عن تحالف الشعب، وكمال كليجدار أوغلو مرشحاً عن تحالف الأمة، إضافة إلى محرّم إينجه رئيس حزب البلد، وسنان أوغان مرشحاً عن تحالف "الأجداد".
ومشيراً إلى أهمية إسطنبول في الانتخابات التركية وعن ثقته بدعم غالبية سكانها له في صناديق الاقتراع قال: "أنتم أبناء إسطنبول، إن قلتم نعم، ينتهي الأمر".
ما مؤشرات الفعاليات في انتخابات تركيا؟
تمثل الفعاليات الانتخابية المؤشر الأبرز على مدى قدرة كل معسكر على إقناع الناخبين بالاصطفاف خلفه، بحسب آراء الخبراء والمراقبين، على الرغم من أنه ليس بالضرورة أن كل من يشارك فيها يكون قد حسم رأيه في مسألة لمن سيصوّت، فهناك من يحضر حتى يكون فكرة شاملة ويتخذ قراره النهائي.
وبالتالي فإن هذه التجمعات تكون بمثابة الفرصة الأخيرة لإقناع المترددين وزيادة اليقين لدى القاعدة الانتخابية الصلبة.
ومن هذا المنطلق، لفت أردوغان، خلال كلمته في الحشد الأضخم في مطار أتاتورك، إلى أن حكومات حزب العدالة والتنمية ضاعفت الدخل القومي في البلاد ثلاث مرات خلال 21 عاماً، كما وعد أردوغان بتطبيق إجراءات حول معاشات المتقاعدين بعد الانتخابات لمن يتعدى راتبه التقاعدي 7500 ليرة تركية (385 دولاراً).
وشدد أنه عندما استلم حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في تركيا عام 2002، وعد الشعب بالارتقاء بالبلاد على 4 ركائز أساسية هي التعليم والصحة والعدل والأمن، موضحاً أن حكوماته لم تكتف بتلك الركائز وأضافت إليها الارتقاء بمجالات النقل والزراعة والدبلوماسية، وواصلت تدعيم البنى التحتية وتطويرها.
"هل تعلمون ماذا سنفعل بالموارد التي سنحصل عليها من مجالات الطاقة والدفاع بالفترة المقبلة وتزيد قيمتها على 100 مليار دولار؟ سنخصص هذه الموارد لزيادة رفاهية كافة أبناء شعبنا، بما في ذلك الموظفون والمتقاعدون والنساء والشباب"، بحسب أردوغان.
وفي حديثه عن المعاشات، قال أردوغان: "قمنا بزيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار 3.5 مرات، حتى ولو حسبنا ذلك على أساس الدولار، فقد وصل إلى أكثر من 8 آلاف و500 ليرة (435 دولاراً)، وسنراجع هذا الرقم مرة أخرى، حسب التطورات". كما وعد الرئيس موظفي القطاع العام بتحسين رواتبهم خلال يوليو/تموز المقبل بإضافة حصة رفاهية إلى جانب فرق التضخم على معاشاتهم، مشيراً إلى أن وزارة العمل والضمان الاجتماعي ستعلن عن مخرجات اجتماعها مع النقابات يوم الثلاثاء بهذا الخصوص.
على الجانب الآخر، تركز المعارضة على ارتفاع الأسعار خاصة أسعار البصل؛ الذي لم يجده المواطنون لفترة طويلة في الأسواق، إلى جانب زيادة مستوى الفقر بين فئات الشعب التركي.
من ناحية أخرى، تطرق الرئيس التركي إلى ما أوردته بعض الصحف والمجلات الغربية عنه ودعت الناخبين الأتراك لعدم التصويت له، وقال: "كما تعلمون، الصحف والمجلات الأوروبية تتابعنا الآن في هذا الموقع، ويتساءلون عما يجري في مطار أتاتورك؟ حيث إنكم أنتم من ستردون عليهم بالجواب المناسب"، في إشارة منه إلى التجمع الغفير والتأييد الكبير لأردوغان عكس ما تزعم تلك الصحف، بحسب الأناضول، مضيفاً: "وليخسأ من تسوّل له نفسه حياكة مؤامرات ظلامية ضد هذا البلد المبارك".
على الجانب الآخر، جاءت الفعالية الانتخابية الجماهيرية الرئيسية للمعارضة في إسطنبول أقل كثيراً من حيث عدد الحضور، كما شهدت حضوراً باهتاً لكليجدار أوغلو نفسه، الذي كانت كلمته أقصر من كلمات متحدثين آخرين؛ مثل أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول.
وفي مقال له بصحيفة "حرييت" التركية، توقف الكاتب عبد القادر سيلفي عند مغزى التجمعات الانتخابية ودلالتها، مشيراً إلى أنه خلال 118 دقيقة من الكلمات على المنصة الرئيسية لتجمع المعارضة في مالتيبه بإسطنبول، كان نصيب كمال كليجدار أوغلو 13 دقيقة فقط، بينما تحدث أكرم إمام أوغلو لمدة 28 دقيقة، ولسان حاله يقول "أنا الزعيم في إسطنبول".
ورأى عبد القادر سيلفي في مقاله أن التجمعات الانتخابية قد لا تحدد نتيجة الانتخابات، لكنها بالتأكيد "تعطي انطباعاً عما قد تقوله صناديق الاقتراع يوم 14 مايو/أيار".
ماذا عن استطلاعات الرأي؟
عند مقارنة التجمعات الانتخابية، ليس فقط في إسطنبول ولكن في المدن التركية الكبرى الأخرى كإزمير وأنقرة وغيرهما، بنتائج بعض استطلاعات الرأي نجد أن هناك تبايناً واضحاً؛ إذ يشير كثير من استطلاعات الرأي إلى نسب متقاربة للغاية بين أردوغان وكليجدار أوغلو، فماذا يعني ذلك؟
تونجا بينغين، الكاتب التركي، نشر مقالاً تحليلياً في صحيفة "ملييت" يرصد دلالات التجمعات والفعاليات الانتخابية، اعتبر فيه أنه على الرغم من انقسام الآراء بين منظمي استطلاعات الرأي وبين خبراء العلوم السياسية واتجاهات التصويت بشأن انعكاسات التجمعات الانتخابية في صناديق الاقتراع، إلا أن المؤكد هو أن تأثير تلك الفعاليات على القرار النهائي، خصوصاً لدى الناخب المتردد، هو تأثير هائل لا يمكن تجاهله.
فالصور ومقاطع الفيديو التي يتم تداولها من تلك التجمعات الانتخابية يكون لها تأثير كبير على الناخبين، على عكس ما يراه الباحثون في شركات قياس الرأي العام أو استطلاعات الرأي من التأثير الضئيل لتلك الحشود، بحسب بينغين.
وفي هذا السياق، وجه أردوغان الشكر للمشاركين في التجمع الانتخابي بإسطنبول، عبر تدوينة على حسابه الشخصي في تويتر وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، وأرفق الرئيس التركي التدوينة بصورة للمواطنين الذين شاركوا في التجمع الانتخابي.
النقطة الأخرى بشأن التجمعات الانتخابية في هذا التوقيت، أي الأمتار الأخيرة من السباق، هي بمثابة رسائل موجهة من كل معسكر إلى المعسكر الآخر، منها تحفيز الناخبين وإقناعهم بأن الطرف الذي يستطيع إقناع ناخبيه بحضور الفعاليات والتجمع في الساحات هو الطرف القادر أيضا على إقناعهم بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، فالتجمعات بمثابة "بروفة ليوم الانتخابات"، إضافة إلى تأثيرها في حسم رأي المترددين، بحسب بينغين.
وبينما تسعى الأحزاب في المعسكرين، والمرشحون الرئاسيون، إلى استقطاب الناخبين داخل تركيا، اختتمت، الأحد، في عدة دول، منها باكستان وإيران وروسيا وبريطانيا، عملية التصويت؛ حيث أدلى الناخبون الأتراك المقيمون في باكستان بأصواتهم، بين 6 – 7 مايو/أيار، في السفارة التركية بالعاصمة إسلام أباد والقنصليتين العامتين في لاهور وكراتشي.
وفي 27 أبريل/نيسان الماضي بدأت عملية التصويت في الانتخابات، للأتراك المسجلين أماكن إقاماتهم خارج حدود البلاد، ويبلغ عدد المسجلين في كشوف الناخبين خارج تركيا 3 ملايين و416 ألفاً و98 شخصاً، بحسب بيانات لجنة الانتخابات العليا في تركيا.