تركيا بمفترق طرق.. لماذا انتخابات 2023 هي الأكثر أهمية منذ تأسيس الجمهورية قبل 100 عام؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/07 الساعة 10:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/17 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان / الأناضول

بعد إعلان المعارضة مرشحها لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقبلة، بدأت الصورة تتضح بشأن خريطة انتخابات تركيا، فما الذي يجعلها الأكثر أهمية في تاريخ البلاد منذ تأسيس الجمهورية قبل 100 عام؟

كان تحالف المعارضة التركية، المكون من تحالف يضم 6 أحزاب، قد استقر الإثنين، 6 مارس/آذار، على اختيار كمال كليجدار أوغلو ليكون المنافس الرئيسي للرئيس أردوغان في الانتخابات المقررة في 14 مايو/أيار المقبل.

ويسعى أوغلو (74 عاماً)، وهو رئيس ثاني أكبر حزب في البلاد، إلى الإطاحة بالرئيس أردوغان، الذي حكم البلاد لمدة عقدين من الزمان، وأحدث تحولاً في البلد العضو في حلف الناتو، وجعل اقتصاد تركيا واحداً من الاقتصاديات الرئيسية في الأسواق الناشئة.

لماذا تمثل انتخابات تركيا مفترق طرق؟

بعيداً عن حظوظ الأحزاب والمرشحين للرئاسة، هناك إجماع داخل وخارج تركيا على أن الانتخابات هذه المرة تمثل مفترق طرق للبلاد، وقد تكون الأكثر أهمية منذ تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1923.

كانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قد نشرت تقريراً مطلع العام الجاري، عنوانه "الانتخابات الأهم في العالم خلال عام 2023 ستكون في تركيا"، ألقى الضوء على الأسباب والملابسات التي تجعل ذلك السباق الانتخابي بهذه الأهمية، ليس فقط لتركيا، ولكن للعالم أيضاً.

فنتائج الانتخابات التركية، أياً كانت، سوف يكون لها تأثير مباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية في واشنطن وموسكو، إضافة إلى عواصم في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا أيضاً: "ما يحدث في تركيا لن يبقى في تركيا فقط"، كما قال ضياء ميرال، الباحث في معهد خدمات رويال المتحد لدراسات الدفاع والأمن للصحيفة الأمريكية، مضيفاً أن "تركيا قد تكون قوة متوسطة، لكن القوى الكبرى ستتأثر بنتائج الانتخابات في أنقرة".

ولا شك أن الدور والتأثير التركي في الشؤون الدولية يمثل شهادة على إنجازات أردوغان خلال عقدين من وجوده على رأس السلطة في البلاد، ورغم ذلك فإن سعي المعارضة التركية للإطاحة بالرئيس يجد صدى ومتعاطفين خارج تركيا أيضاً، بحسب تحليل الصحيفة الأمريكية.

فما سيقرره الناخبون الأتراك، خلال مايو/أيار، لن يتعلق فقط بمن سيحكم البلاد، لكن بكيفية الحكم أيضاً، والمسار الاقتصادي الذي ستسلكه تركيا، ودورها في تخفيف حدة الصراعات العالمية والإقليمية، مثل الحرب في أوكرانيا، والاضطرابات في الشرق الأوسط.

تركيا
من آثار الدمار الذي سببه الزلزال في تركيا – رويترز

فقد أدت طريقة تعامل الرئيس التركي مع الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، إلى الإشادة به وعززت التأييد له.

أما تكتل المعارضة فقد تعهد بالتراجع عن كثير من سياسات أردوغان في الاقتصاد والشؤون السياسية والسياسة الخارجية، وهو ما يضيف بعداً رئيسياً آخر يجعل الكثيرين يعتبرونها الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخ الجمهورية الممتد 100 عام.

وقد جاء الإعلان عن اختيار أوغلو مرشحاً رئيسياً مصحوباً بتعديلات من 12 بنداً، تعهدت أحزاب المعارضة بتنفيذها في حالة الفوز في الانتخابات، أبرزها يتعلق بطريقة الحكم نفسها، إذ يقولون إنهم سيغيرون النظام الرئاسي الحالي إلى النظام البرلماني.

ما الذي تسعى المعارضة التركية لتحقيقه من تغييرات؟

يتكون التحالف المعارض في تركيا من 6 أحزاب، لذلك يسمى بالطاولة السداسية، وقد تم تشكيله منذ عام 2021، ويقوده حزب الشعب الجمهوري، أكبر الأحزاب المعارضة في البرلمان الحالي، وحزب "الجيد"، إضافة إلى 4 أحزاب صغيرة هي حزب السعادة والحزب الديمقراطي وحزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم.

وحزب الشعب الجمهوري هو أكبر حزب معارض وثاني أقوى حزب في البرلمان الحالي، إذ يمثله 134 نائباً (من إجمالي 600 نائب في البرلمان التركي)، ويقوده كمال كليجدار أوغلو. وكان الحزب قد تمكن في الانتخابات المحلية عام 2019 من تحقيق تقدم ملحوظ من خلال الفوز ببلدتي إسطنبول وأنقرة وسحبهما من يد "العدالة والتنمية"، بعد قرابة ربع قرن من سيطرة المحافظين عليهما.

وتأسس حزب الشعب الجمهوري لأول مرة عام 1923، تزامناً مع تأسيس الجمهورية على يد مصطفى كمال أتاتورك، لكنه تعرض للإغلاق عقب انقلاب سبتمبر/أيلول 1980، ثمّ عاد الحزب للحياة السياسية مجدداً في 9 سبتمبر/أيلول 1992.

وعقب اجتماع الإثنين، 6 مارس/آذار، أعلنت "الطاولة السداسية" في تركيا خارطة طريق مكونة من 12 مادة لإدارة البلاد بعد الانتخابات، وجاءت تلك البنود على النحو التالي: 1- ستُدار تركيا في المرحلة الانتقالية عبر التشاور والتوافق، في ضوء مبادئ وأهداف النظام البرلماني المعزز، والنصوص المرجعية التي اتفقنا عليها، وفي إطار الدستور والقانون وفصل السلطات وأسس الموازنة والمراقبة.

2- سيتم الانتهاء من التعديلات الدستورية المتعلقة بالانتقال إلى النظام البرلماني المعزز، لتدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن تحت مظلة البرلمان الذي سيتشكل عقب الانتخابات.

كليجدار أوغلو
زعيم المعارضة التركية كليجدار أوغلو – رويترز

 3- سيكون رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى نواباً لرئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية.

4- سيكون توزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب السياسية المشكّلة لتحالف الأمة وفقاً لعدد نواب هذه الأحزاب المنتخبة في الانتخابات البرلمانية. بينما ستكون حقيبة وزارية على الأقل تمثل كل حزب من هذه الأحزاب في الحكومة، في حين سيتم إلغاء مكاتب ومجالس السياسات العائدة لرئاسة الجمهورية، والتي تم تأسيسها بالتوازي مع الوزارات.

5- تعيين وإلغاء الوزراء سيكون من خلال التشاور مع رؤساء الأحزاب التي يتبع لها الوزراء. 

6- يستخدم رئيس الجمهورية سلطته التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية وفقاً لمبادئ المشاركة والتشاور والإجماع. 

7- يتم توزيع صلاحيات ومهام مجلس الوزراء ونواب الرئيس من خلال مرسوم رئاسي في إطار الدستور والقوانين.

8- سيتخذ رئيس الجمهورية قرارات إعادة الانتخابات، وإعلان حالة الطواري، وسياسات الأمن القومي، والقرارات الرئاسية، والإجراءات التنظيمية العامة، والتعيينات في المناصب العليا؛ بالتوافق مع قادة الأحزاب في تحالف الأمة.

9- سيتم إنشاء آليات لتنسيق التعاون في العملية التشريعية خلال المرحلة الانتقالية. 

10- ستنتهي عضوية رئيس الجمهورية الحزبية- إن كانت موجودة- بمجرد استكمال عملية الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز.

 11- بعد الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز سيواصل رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مهامهم، دون الحاجة إلى إعادة الانتخابات. 

12- سيتم تعيين رئيسي بلدية أنقرة وإسطنبول نائبين لرئيس الجمهورية، في الوقت الذي يراه الرئيس مناسباً، وضمن واجبات محددة.

ما فرص العدالة والتنمية في الاحتفاظ بالأغلبية؟

حزب العدالة والتنمية هو الحزب الحاكم الذي يقود تركيا منذ عام 2002، بعد تأسيسه في 14 أغسطس/آب 2001، من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يترأسه حتى الآن. والحزب حالياً هو الأقوى داخل البرلمان، حيث يمتلك 285 مقعداً، والحزب متحالف منذ 2018 مع حزب "الحركة القومية"، وهو رابع أقوى أحزاب البرلمان بـ48 مقعداً.

تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن السباق الانتخابي الرئاسي سيكون محتدماً للغاية هذه المرة، وإن كانت الانشقاقات الأخيرة في صفوف التحالف المعارض قد تصب في صالح الرئيس أردوغان. فقد شهدت الأيام القليلة الماضية انسحاب واحدة من القادة الرئيسيين في تحالف المعارضة.

ميرال أكشينار، زعيمة حزب "الجيد"، المنشقة عن حزب الحركة القومية منذ 2017، كانت قد أعلنت، الجمعة 3 مارس/آذار، الانسحاب من الطاولة السداسية، واعتبرت أن كليجدار أوغلو يفتقر إلى تأييد الرأي العام، ولا يمكنه إلحاق الهزيمة بأردوغان في الانتخابات الرئاسية.

وأرادت السياسية المعارضة أن يتم ترشيح واحد من رئيسي بلديتي إسطنبول وأنقرة، المنتميين إلى حزب الشعب الجمهوري. لكنهما التقيا بأكشينار الإثنين، ونجحا في إقناعها بالتراجع عن موقفها. وقال رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش للصحفيين بعد الاجتماع "أمتنا لا يمكنها تحمل الانقسام". بينما قال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، إن الحفاظ على التحالف "مهم خصوصاً في الأيام الصعبة التي تمر بها تركيا بعد الزلزال".

أما كليجدار أوغلو فقد جادل سابقاً بأنه يجب على يافاش وإمام أوغلو البقاء في منصبيهما، رئيسين للبلديتين، لتجنب إجراء انتخابات جديدة يمكن أن تعيد أياً من المدينتين إلى إدارة حزب التنمية والعدالة.

وتركز المعارضة، بقيادة كليجدار أوغلو، وهو موظف مدني سابق، على استغلال الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم، بالإضافة إلى الزلازل التي ضربت تركيا، في فبراير/شباط الماضي، وأثارت انتقادات لطريقة استجابة الدولة للكارثة، للتشكيك في قيادة أردوغان والفوز بالانتخابات.

أردوغان تركيا انتخابات
الرئيس التركي أعلن عدم تأجيل الانتخابات/ الأناضول

لكن البعض يشكك في قدرة كليجدار أوغلو، الاقتصادي السابق الذي تقدم الصفوف باعتباره محارباً للفساد، على إلحاق الهزيمة بأردوغان الذي حكم تركيا لأطول فترة بين باقي الزعماء، والذي ساعدت شخصيته الكاريزمية في حملته الانتخابية في تحقيق أكثر من عشرة انتصارات انتخابية.

وكان تأييد الأتراك لأردوغان قد شهد بعض التراجع، بعد أن اعتمد سياسة نقدية مخالفة للنهج الاقتصادي التقليدي في أواخر عام 2021، إذ قضى بخفض معدلات الفائدة بشكل كبير لمحاولة كبح التضخم. وأدت سياسته إلى أزمة نقديّة أتت على مدخرات المواطنين، وأوصلت معدل التضخم السنوي إلى 85%.

وكانت الزلازل التي ضربت البلاد قد أثارت التكهنات بشأن احتمال تأجيل الانتخابات، إلا أن الرئيس التركي نفى تلك الشائعات حول تأجيلها إلى موعد أكثر ملاءمة له من الناحية السياسية. وقال الأسبوع الماضي "نحن لا نختبئ وراء الأعذار". وأكد في اجتماع لمجلس الوزراء الإثنين "لن نرتاح حتى تُستأنف الحياة الطبيعية في منطقة الزلزال".

وفي هذا السياق، كانت استطلاعات رأي أجريت الجمعة، 3 مارس/آذار، قد أشارت إلى أن حزب العدالة والتنمية محتفظ بقاعدة تأييده في أوساط الناخبين إلى حد كبير بعد زلزال تركيا المدمر، على الرغم من انتقادات واسعة النطاق لتعامل الحكومة في البداية مع الكارثة.

وأظهر استطلاعان صدرا في الأيام القليلة الماضية أن المعارضة لم تحصل على تأييد جديد، بما يعود جزئياً إلى إخفاقها في إعلان مرشحها رغم بقاء شهرين فقط على بدء التصويت، ويعود أيضاً إلى افتقارها إلى وجود خطة ملموسة لإعادة بناء المناطق التي دمرها الزلزال، بحسب رويترز.

وقال أوزر سنجار، رئيس شركة ميتروبول لإجراء الاستطلاعات، لرويترز "لم يتسبب الزلزال في إضعاف الحكومة بالقدر الذي كانت المعارضة لتتوقعه". وتضع بيانات الاستطلاع ائتلاف أردوغان مع حزب الحركة القومية في المقدمة إذا أجريت الانتخابات في أقرب وقت، رغم فقد الائتلاف عدة نقاط مئوية من نسبة التأييد له، بالمقارنة بشهر يناير/كانون الثاني الماضي.

وكان زلزالان عنيفان ضربا جنوب شرق تركيا، في السادس من فبراير/شباط، قد تسببا في مقتل أكثر من 45 ألفاً وتشريد أكثر من مليون في أسوأ كارثة تضرب البلاد في تاريخها الحديث.

وأشار أردوغان، يوم الأربعاء، إلى أن الانتخابات ستجري يوم 14 مايو/أيار، ملتزماً بخطته السابقة للتصويت، رغم وجود بعض التساؤلات عن إمكانية إجراء التصويت في المنطقة المنكوبة من الزلزال. وأقر الرئيس علناً بوجود مشكلات في الأيام الأولى بعد وقوع الكارثة، لكنه دافع بعد ذلك عن طريقة تعامل حكومته مع الأزمة.

وقال محمد علي كولات، رئيس شركة إم.إيه.كيه لإجراء الاستطلاعات، إن أردوغان سارع بعد ذلك بالتعهد بإعادة بناء المنازل، وهو تعهد من المرجح أن يساعده في الاحتفاظ بتأييد الناخبين. وأضاف كولات "حينما يمر الناس بكارثة مثل تلك نرى ردود الأفعال النفسية لعدة أيام، وتكون موجهة إلى الحكومة. وبمجرد مرور 15 أو 20 يوماً، يبقون أقرب من أي فرد يتعهد بإعادة بناء منازلهم أو أماكن عملهم المنهارة، ربما يشكل ذلك أفضلية للحكومة".

وقال نزيه أونور كورو، الباحث في مجموعة (تيم) البحثية لرويترز "عقب التعثر الأولي شهدنا تحول الحكومة لاستخدام لغة خطاب أكثر توحيداً للناس… نجحت الحكومة في ترسيخ مفهوم عن أنها هي من تساعد في التئام الجروح".

ويبدو أن ذلك أسهم في دعم موقف أردوغان في الاستطلاعات. وأظهر مسح أجرته (تيم) بمشاركة 1930 شخصاً يومي 19 و20 فبراير/شباط، أن ائتلافه مع حزب الحركة القومية احتفظ بمستوى تأييد عند 44% بعد الزلزال.

تحميل المزيد