‏كالمستجير من النار بالرمضاء… كيف توقع قوانين بريطانيا أطفالاً لاجئين في براثن العصابات؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/01/29 الساعة 14:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/30 الساعة 04:50 بتوقيت غرينتش
أين يختفي اللاجئون الأطفال في بريطانيا؟/ رويترز

منذ طرحت الحكومة البريطانية استراتيجيتها المثيرة للجدل بشأن ترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء إلى رواندا حتى يتم البت النهائي في أوضاعهم، تستمر المعاناة التي تستعصي على الوصف، فأين يختفي الأطفال والمراهقين؟ وكيف؟

ورغم أن رئيس الوزراء، ريشي سوناك، ينحدر من عائلة من المهاجرين ومتزوج بابنة ملياردير هندي، إلا أنه يبدو متمسكا بنفس الاستراتيجية ويسعى فقط إلى تفادى عاصفة الانتقادات بشأن هذه القضية، التي تزداد حدتها يوماً بعد يوم.

فسوناك، البالغ من العمر 42 عاماً، من مواليد عام 1980 في مدينة ساوثهامبتون، وترجع أصول عائلته إلى الهند؛ حيث هاجر أجداده من ولاية البنجاب الهندية إلى شمال إفريقيا في بداية الأمر، ثم هاجر والداه إلى بريطانيا في ستينيات القرن الماضي. وكان والده يعمل طبيباً بينما كانت والدته تمتلك وتدير صيدلية.

معاناة المهاجرين في بريطانيا

ويزداد الجدل بشأن المعاملة غير الإنسانية التي تطبقها بريطانيا على المهاجرين مع تكشُّف الظروف البشعة التي يُحتجزون فيها ضمن مراكز اللجوء قبل ترحيلهم إلى رواندا، لكن يبدو أن ما تم الكشف عنه حتى الآن مما يتعرض له هؤلاء، لا يمثل سوى قمة جبل الجليد، حيث كان تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية قد ألقى الضوء على بعض تفاصيل تلك المأساة، وجاء عنوانه: "مهاجرون شبان يصفون الجوع والمرض والصدمة في مراكز اللجوء البريطانية".

لكن ها هي صحيفة Financial Times البريطانية تنشر تقريرا آخر يسلط الضوء على محنة طالبي اللجوء من الأطفال وطالبي اللجوء غير المصحوبين بذويهم، فأين يختفي هؤلاء من فندق برايتون؟

إذ كانت أجراس الإنذار قد بدأت تدق بين السياسيين المحليين منذ لحظة وصول أول مجموعة من طالبي اللجوء المراهقين إلى فندق برايتون على الساحل الجنوبي لإنجلترا في يوليو/تموز 2021، والذي اختفى منه العشرات منذ ذلك الحين، بحسب تقرير الصحيفة.

قال مجلس برايتون وهوف، الذي كان مسؤولاً في الظروف العادية عن رعايتهم، إنه لم يتلق أي تحذير مسبق بوصولهم من وزارة الداخلية. بعد رحلات مروعة عبر أوروبا والبحر، كان بعض الأطفال في ضائقة شديدة، وزادت قيود جائحة كوفيد من تعقيد الأمور. وقال بيتر كايل من حزب العمال، النائب المحلي عن هوف: "من الصعب أن أشرح بالكلمات ما رأيته". 

وكان كايل من بين أولئك الذين سعوا منذ اليوم الأول للحصول على إجابات من الحكومة بعد زيارة للفندق الذي تملكه شركة تضم مديريها أبناء قطب العقارات سيئ السمعة والمدان السابق نيكولاس فان هوغستراتن.

بريطانيا
اللاجئون في بريطانيا يخشون من ترحيلهم إلى رواندا – Getty Images

كانت الضجة حول تعامل وزارة الداخلية مع القُصَّر غير المصحوبين بذويهم بين المهاجرين الذين يصلون عن طريق البحر من فرنسا محدودة حتى الآن. لكن تغيَّرت الأمور هذا الأسبوع بعد تقارير، نُشرت لأول مرة في صحيفة The Observer البريطانية، عن اختفاء المئات من طالبي اللجوء الأطفال من الفندق في برايتون وآخرين مثله، ربما بأمرٍ من عصابات إجرامية.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تجد فيها الحكومة نفسها في موقف ضعيف بشأن طريقة تعاملها مع قضايا الهجرة، حيث تتهمها أكثر من 100 جمعية خيرية بخرق التزاماتها بحماية الأطفال، وأُجبرَت على الاعتراف في البرلمان بأن الكثيرين قد فُقدوا ويعانون من الآلام، في مواجهتها لصورة الفوضى الأوسع في نظام اللجوء.

ما قصة اختفاء طالبي اللجوء من المرهقين والأطفال؟

في البداية، كُلِّفَت ستة فنادق على طول الساحل الجنوبي لإنجلترا كإجراء مؤقت من وزارة الداخلية في عام 2021 لاستيعاب الأطفال الذين يطلبون اللجوء. كان هذا جزءاً من مخطط نقل وطني قُدِّمَ عندما أصبحت مراكز الاستقبال في كينت غارقة في عدد المهاجرين الذين وصلوا في قوارب صغيرة.

لكن الجمعيات الخيرية، في رسالة إلى رئيس الوزراء ريشي سوناك، قالت إنه لم يعد من الممكن "تبرير استخدام الفنادق على أنه "مؤقت".

وفي هذا السياق، لا تعتبر التقارير بشأن الاختفاء جديدة، إذ أُبلِغَ عنها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في تقرير صادر عن هيئة مراقبة الحدود المستقلة، وطلبات سابقة لحرية المعلومات قدمتها منظمة حقوق الأطفال Ecpat. لكن الحكايات المشؤومة من برايتون أثارت حفيظة منتقدي الحكومة.

أكدت شرطة ساسكس أنه من بين 137 من طالبي اللجوء غير المصحوبين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً والذين أُبلِغَ عن اختفائهم من الفندق في برايتون، لم يُعثَر على 76 منهم حتى الآن.

في البرلمان، أقر وزير الهجرة روبرت جينريك أنه من بين 4600 من هؤلاء القاصرين طالبي اللجوء الذين أُدخِلوا إلى الفنادق منذ يوليو/تموز 2021، اختفى 440 في مرحلة ما. ولا يزال مصير 200 من هؤلاء في عداد المفقودين، 13 منهم دون سن 16.

وتؤكد المؤسسات الخيرية أن رعاية هؤلاء المراهقين تقع خارج نطاق التزامات الحكومة بموجب قانون الأطفال لعام 1989، وبالتالي فإن ذلك يجعلهم عرضة للعصابات الإجرامية المشتبه في تورطهم في قضايا الاختفاء.

بريطانيا
وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان – رويترز

قالت هانا ألبروك، رئيسة لجنة الأطفال والشباب والمهارات في مجلس برايتون، لصحيفة فايننشال تايمز، إن أكثر من ألف طفل لاجئ قد مروا عبر المدينة بموجب خطة نقل وزارة الداخلية. وقالت إن وزارة الداخلية اعترفت بانتظام بأن المجلس، الذي عادةً ما يتحمل المسؤولية القانونية عن رعاية القصر غير المصحوبين بذويهم، لم يفعل في هذه الحالة.

وقال إنفر سولومون، الرئيس التنفيذي لجمعية مجلس اللاجئين الخيرية: "الأطفال والشباب المستضعفون الذين أتوا إلى المملكة المتحدة ليكونوا بأمان يُتركون في مأزق قانوني مع فشل الحكومة في أداء واجبها القانوني لضمان منحهم صحبةً وأباً قانونياً لرعايتهم".

وقال كايل إن إجراءات الحماية في فندق برايتون لم تكن كافية، وقد تُرِكَ المراهقون هناك في الظلام بشأن مصيرهم.

قصص مرعبة عن معاناة الأطفال

تحدث كايل عن طفل إيراني قابله فقد والديه في وطنه. عند وصوله إلى برايتون، انفصل عن صديقه، الذي ثبتت إصابته بفيروس كوفيد، والذي سافر معه من إيران. قال كايل: "كان في حالة من القلق الشديد، كان وجهه شاحباً وساقاه ملتويتان. لم يكن يعرف أين ذهب صديقه".

ويتناسب هذا الوصف مع الصورة الأوسع لعدم اليقين التي رسمها عمال المنظمات غير الحكومية الذين يراقبون الأطفال.

إيلين تانسي، مديرة الحماية في مجلس اللاجئين، قالت للصحيفة البريطانية إن الأطفال في فندق برايتون، كما هو الحال في الفنادق الأخرى التي زارتها، يبدو أنه ليس لديهم أخصائي اجتماعي معين ولا يحصلون على الخدمات المعتادة. وقالت إنهم تأثروا نفسياً بالطريقة العشوائية التي نُقِل بها بعضهم بسرعة إلى مركز الرعاية بينما ظل آخرون عالقين في الفندق لأكثر من شهر.

إن حالة عدم اليقين هذه جعلتهم أكثر عرضة للاستغلال، حيث قالت تانسي: "يمكنك أن تقدر إذا ظهر شخص ما وقال لطفل دون أي معرفة بكيفية عمل أنظمة حماية الأطفال واللجوء في المملكة المتحدة: قد تُرحَّل من هنا أو يمكنني توصيلك إلى لندن وأن تعمل هناك في مغسلة سيارات".

في إحدى الحالات العام الماضي، عندما أبلغ أحد المارة عن خروج صبيين من فندق برايتون، اعترضت شرطة ساسكس السيارة على الطريق السريع، وأُلقِيَ القبض على رجلين وهما حاليا قيد التحقيق بتهمة الإتجار بالبشر.

كانت هناك تكهنات واسعة النطاق بأن الأطفال مثلهم الذين فقدوا، وأكثر من 80% منهم ألبان، وفقاً لوزارة الداخلية، جُنِّدوا في عالم الجريمة.

ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا / رويترز

لكن مادي هاريس، التي تدير شبكة منظمة Humans for Rights غير الحكومية، والتي عملت مع مئات القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يطلبون اللجوء، قالت إنه من المضلل تصوير ذلك على أنه "اختطاف عشوائي".

وقالت لفايننشال تايمز: "إنهم أطفال كانوا يُكرَهون ويُستغَلون ويُتاجَر بهم"، مضيفة أن بعضهم كان على اتصال بالفعل بشبكات تهريب للوصول إلى المملكة المتحدة. إن اختفاء الأطفال من الفنادق يرجع حقاً إلى نقص الدعم المقدم لفهم الاحتياجات والمخاطر الفردية التي تتعلق بكل واحد منهم".

بينما قالت وزارة الداخلية إنه، كجزء من الجهود المبذولة للتخلص التدريجي من استخدام الفنادق، فقد عرضت 15 ألف جنيه إسترليني للسلطات المحلية التي تأخذ الأطفال طالبي اللجوء إلى الرعاية. وأضافت: "وُضِعَت إجراءات حماية صارمة لضمان سلامة جميع الأطفال والقصر ودعمهم في الوقت الذي نسعى فيه للحصول على أماكن عاجلة مع سلطة محلية".

لكن على الرغم من أن القواعد الرسمية لمنشآت احتجاز المهاجرين لفترات قصيرة تنص على أنه من المفترض أن يبقى طالبو اللجوء هناك يوماً واحداً فقط، إلا أن العديد منهم -وضمنهم الأطفال الصغار- يحتجزون في مراكز، منها مانستون، لفترات تزيد على أسابيع، وفقاً لتقارير التفتيش ومجموعات الإغاثة والمقابلات مع المهاجرين.

تحميل المزيد