لماذا ينبغي أن يدرس الصحفي “لغة عربية خاصة”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/08/17 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/17 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
لماذا ينبغي أن يدرس الصحفي “لغة عربية خاصة”؟/ Shutterstock

إذا كنت صحفيّاً عربيّاً فأنت غالباً تعاني معاناة كبيرة مع ضبط لغتك العربية. فالصحفي يحتاج إلى تخليص لغته من الخطأ والحشو والتلوث السمعي والبصري الذي سوَّغ الأغلاط وجعلها أكثر سلاسة في الآذان من صوابها. 

وغالباً أنت لا تكتب بنفسك، بل تتلقى مواد جاهزة من الوكالات وتُجري عليها معالجة، أو تتركها كما هي بلا تعديل، وكلما كتبت شيئاً من عندياتك، كمقال رأي، أو مادة صحفية إبداعية تقوم على إنشائها من الصفر غُصت في أخطاء الإملاء والنحو والأسلوب والترقيم، دريت أم لم تدرِ، وإذا فهمنا الأسباب وتفهمناها، فلا يمكننا أن نمرر استمرار المأساة بلا حل. 

واللغة للصحفي هي القماشة التي يفصّل منها مادته الصحفية، خبراً كانت أو تقريراً أو تغريدة أو غير ذلك، والتدليل على أهمية اللغة لعمل الصحفي هو من إهدار الوقت والجهد، لكنه يظل ضرورة في ظل تدني المستوى اللغوي لنسبة معتبرة من الصحفيين؛ يعرف ذلك كل من مر بغرفة أخبار أو تَنقَّل بين المنصات والقنوات والجرائد، أو تابع موقعاً كبيراً أو صغيراً ولديه معرفة ما باللغة. 

تتعدد الأسباب، فأولها يأتي من التعليم الذي خرَّج أجيالاً لا تحب العربية ولا تعرفها، إلا باعتبارها لغة صعبة، ومادة ثقيلة ندرسها كل يوم حصتين، ولا نستطيع الحصول فيها على الدرجة النهائية كالرياضيات والكيمياء وعلم النفس واللغة الفرنسية، فهو يبغض العربية من داخله، لكنه يريد أن يكون صحفيّاً (سبحان الله!). 

وثانيها دعاية سلبية تفيد بأننا في زمان الإنجليزية والألمانية، وغيرها من اللغات التي نتواصل بها مع العالم، وأما العربية فلن تفيد بشيء، والخطأ فيها أمره هين. وكثيراً ما التقينا في غرف الأخبار ذلك الصحفي العربي الذي يتقن الإنجليزية كتابة وتحدُّثاً ولا يكتب سطراً صحيحاً بالعربية، ولا يهتمّ. 

وثالثها اتكال الصحفي على المدقق اللغوي للتعامل مع خطايا اللغة، والمصحِّف أو الديسك للتعامل مع خطايا المادة الصحفية اختصاراً وتقسيماً وعنونةً وقصّاً وتحققاً. والحقيقة أن المادة بعد عمل المدقق والمصحِّف تخرج خلقاً جديداً باعتبار أنهما على المستوى المفترض، ولم يصبهما ما أصاب الحالة العامة من تَرَدٍّ وغثائية، فماذا فعل الصحفي من البداية إذن؟ وهل أدى دوره لمجرد أن وضع بين يدي المدقق والمصحِّف شيئاً مشوهاً يسميه خبراً صحفيّاً؟! 

حل ذلك يبدأ من إدراك الصحفي أهمية لغته، فهي الناقل الوحيد لسلعته التي يبيعها لجمهوره، وهي الأداة اليومية التي تكفل له جودتُها وسلامتُها شِطرَ التميز الصحفي، ليبقى الشطر الثاني متعلقاً بالمحتوى الفارق والسبق والفرادة في المضمون. فإذا استوت هذه الفكرة لديه، شرع في خطة عملية لإنقاذ لغته وتجويدها.

ولأن الغاية هي التي ترسم لنا الطريق وتحدد الوسائل، فإن دراسة الصحفي للغة لها خطتها ووسائلها المتقاطعة في أشياء والمختلفة في أشياء أخرى مع دراسة اللغة للتواصل أو للعمل بالإمامة والخطابة أو غير ذلك. وهذا يلفت نظرنا إلى اتجاهين لتعليم اللغات، سواءً لمتعلميها من أهلها أو من الأجانب، فاللغات تُدرس لأغراض عامة كالتواصل، ولأغراض خاصة كالصحافة والدبلوماسية والإغاثة والدعوة وغيرها. 

وبعد اطّلاع على تجارب كثيرة حاولَت تعليم اللغة للصحفي بشكل خاص يفيد غرضه، وبعد بقاء في غرف الأخبار يوميّاً بطبيعة العمل لسنوات، وبعد متابعةٍ مستمرة لما يُقدَّم في مواقع التواصل الاجتماعي من مواد خبرية بوسائطها المختلفة، تسنى تكوين تصوُّر حول المحتوى الذي يطوِّر لغة الصحفي ويجعلها سالمة غانمة، بتغطية جوانب ممارسته للغة، فيشتمل المحتوى المقترح على:

– نحو وصرف وظيفيَّين لا يدخلان في كل التفاصيل التأصيلية لكل قضية، لكنهما يكوِّنان للصحفي فهماً عامّاً للغة. 

– الإملاء وعلامات الترقيم لتناسق الكتابة وسلامتها وجماليتها، وخلوِّها من التلوث البصري.

– بعض المعارف اللغوية الوظيفية من بلاغة ودلالة وأصوات. 

– بعض الأخطاء الشائعة؛ ليكتشفها إذا قرأها، ولا يقع فيها إذا كتبها. 

– بعض الحيل الأسلوبية التي تخلِّص كتابته من الحشو واللحن وخلافهما. 

– بعض أدوات البحث اللغوي للتعامل مع القواميس والمصادر، والاعتماد على نفسه في استخراج المعلومة اللغوية اللازمة، فلن يحصي أحد اللغة مهما اجتهد لذلك، لكنه مُطاَلَب بالقدرة على الحصول على المعلومة متى أراد.

– تنمية ذاتية مستدامة، يقترح المحتوى مسارات لها في صورة قراءات، وآلية لتكون هذه القراءات فعالة.

– نماذج خبرية لتصويبها عمليّاً في كل درس، وكتابة من الصفر يطبّق بها الصحفي ما تَعلَّمه، ويصوِّب له المدرِّب.

وهذا المحتوى يمكن تدريسه مكثفاً مضغوطاً في عشرين درساً على مدى شهرين، مع مذاكرة واطّلاع وتركيز على التساؤل في كل ما يرد من خاطر حول هذه المحاور، ما يمكن أن يبدو مرهِقاً وثقيلاً، لكنه أدنى ما يمكن أن يقدمه صحفي ليعتني بسلاحه الأهمّ على الإطلاق. 

كما يمكننا أن نعتبر ما سبق منهجاً للمعلق الصوتي أيضاً، لا للصحفي فقط؛ سيلزمنا أن نغيّر قليلاً في المقادير حسب تصنيفنا للمعلق الصوتي، فبعض المعلقين صحفي في ذاته، يكتب مادته بنفسه، وهذا نقلّل لديه محتوى الإملاء وعلامات الترقيم لصالح الصرف والأصوات والمخارج، ولن يُضعِف ضعفُ الإملاء والترقيم لغتَه الوظيفية المتعلقة بمهنته، وإن كانا مهمَّين عموماً لكل ممارس للغة. 

والصنف الآخر الذي يُعتبر مجرد قارئ، فنخفّف له في كل محور مع توسُّع في محور الصرف والأصوات والمخارج أيضاً، وإن كان من نصيحة، فهي أن يتعلم كأنه معلّق "صوتي صحفي كاتب" ليتحول إلى هذا النموذج الأجدى والأقيم بتراكم التعلم.

بنهاية هذا البرنامج نقول للصحفي وللمعلق الصوتي إنك الآن لم تختزن بحر اللغة الواسع في داخلك، فهذا مستحيل، بل صرتَ تستطيع أن تقرأ وتتوسع بنفسك، ولديك خلفية تؤهّلك لذلك، وأصبحت تستطيع أن تسيِّر سفينتك في البحر فلا تغرق، وتسلّمَ للمدقِّق من خلفك نصّاً إنسانيّاً، لا عقوبةً عاجلةً مغلَّظة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إسلام هجرس
شاعر وكاتب ومدقق لغوي
شاعر وكاتب، ومدقق لغوي بقناة TRT عربي، وطالب دكتوراه في اللغة العربية بجامعة إسطنبول.
تحميل المزيد