بين تأييد روسيا والوقوف في صف أمريكا.. هل كان العرب مضطرين لأخذ موقف من الحرب الروسية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/28 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/28 الساعة 13:57 بتوقيت غرينتش
بايدن وبوتين خلال لقائهما في موسكو عام 2011، رويترز

روسيا أم الغرب؟ بماذا نفسر مسارعتنا (منذ ظهور بوادر الغزو الروسي لأوكرانيا ثم تنفيذه وإلى اليوم..) لدعم هذا أو ذاك؟ وانقسامنا إلى معسكرين بين مناصرة روسيا من جهة، ومناصرة أوكرانيا والغرب من جهة أخرى، وبرزت لدينا معضلة كبرى في محاولة تحديد مع من نقف.

المتحمسون للغزو الروسي: يظهر أنهم الأعلى صوتاً (والأكثر عدداً) لأسباب متعددة، أقلها أنهم يرون في ذلك فرصة للانتقام من سياسات أمريكا تجاههم، وكذلك رغبة في القمح والمصالح الاقتصادية من روسيا، ويسوقون الحجة تلو الأخرى لإثبات وجهة نظرهم، كما يبالغون في وصف قوة الروس وقدرتهم على هزيمة الغرب، باعتبار أنهم في جانب المنتصر.

وهناك المتحمسون لأوكرانيا والغرب: هم في عمومهم المقتنعون بقوة أمريكا وحلفائها التي لا تقهر، المروجون لفكرة العالم الحر ومبادئه السامية، المنخدعون بالصورة البراقة للغرب وادعاءاته الكاذبة بنصرة المظلوم والانتصار للإنسان وحقوقه دون تمييز، الحالمون بغرب عادل ينقل إليهم التكنولوجيا، ويسمح لهم بالاستفادة من ثرواتهم ويدعمهم لضمان أمنهم وغذائهم.

وهنا أردت أن أذكر هؤلاء وأولئك ببعض المبادئ والملاحظات الأساسية:

1-"لا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا" هي الأصل في التعامل وبناء المواقف، فليس من الحكمة ولا من الأخلاق الاحتفاء بتدمير بلد واحتلال شعب، ألم نرفض ذلك عندما أصيب جزء منا باحتلال وتدمير فلسطين، الشيشان، العراق، سوريا، وليبيا، والقائمة مفتوحة؟

2- الغرب منافق بطبعه، وكل حركاته وسكناته تضبطها مصالحه، فبوتين أو غيره يتحرك وفق استراتيجيته الخاصة؛ لتحقيق ما يعتقد أنه من مصلحة أمته، وتدميره لسوريا وتهجير شعبها ما زال جرحنا ينزف منه، وأعتقد أن منطقهم القائم على النفاق والكيل بمكيالين واضح ومحسوم، المشكل فينا عندما نتمنى "أماني العاجز" أن يتصرف على نحو آخر.

3- "وأعدوا لهم ما استطعتم"؛ فمن يرغب أن يسترد حقوقه أو يحلم على الأقل بأن يعيش في عالم تحكمه قوى متوازنة (متعدد الأقطاب مثلاً..)، فعليه أن يسعى ليكون هو الأقوى، خاصة أنه يملك كل مقومات القوة والاجتماع، فأوروبا لم تكن لتقف في وجه روسيا أو غيرها لو لم تكن مجتمعة، ولا ينتظر من عدوه أن ينصفه أو أن يسمح له بذلك.

4- أما انتظار دولة أن تطعمها روسيا أو غيرها من جوع، فيعبر فيما يعبر عن خور وهوان ما بعده هوان، فأكبر نجاحات أنظمة الاستبداد إقناعها رعاياها بنظرية "ليس بالإمكان أفضل مما حققته".. فشل على كل الأصعدة، وتبعية تامة للغرب في الغالب وللشرق في أهم الحاجات.

5- نقول للمنخدعين إن الغرب عدو حضاري، ولديه مشكلة في تعريف الإنسان في حد ذاته (وليس في تعريف حقوق الإنسان، حتى المنهزمون حضارياً منّا والمدّعون للتنوير لا ينطبق عليهم التعريف الغربي للإنسان)، وأزمة لاجئي أوكرانيا فضحت المستور وأثبتت أن الإنسان عندهم هو الغربي بشكله ولونه، إلخ، أما غيره فهم أدوات ووسائل تُستعمل بحسب المصلحة والحاجة.

ما الذي كان يجب على الدول العربية فعله؟

بدلاً من استغرابنا ووقوفنا عند التنديد بالفروقات في تعامل الغرب مع مآسي أبنائه (لاجئي أوكرانيا) ومع مآسينا (لاجئي فلسطين سوريا والعراق…وغيرهم) علينا أن نراجع أنفسنا، ونعمل على الرفع من مستوانا على الأقل في تعاملنا نحن مع مآسينا، ألم يحن الوقت لمراجعة تعاملنا مع من يقاوم الاستبداد، ومن يحارب الاحتلال، بالسعي لدعمه وتوفير الحاضنة اللازمة له، بنفس قوة وإصرار ووحدة الغرب في دعم إخوانهم الأوكرانيين؟

ثم بدلاً من البكاء على حالنا، أليس الأولى أن نحاول تحديد نقاط القوة لدى الغرب التي تجعله يعمل ككتلة واحدة ضد الغازي، ومن أهمها قوة المؤسسة في أنظمتهم السياسية، وهي الضامنة للتحرك وفق استراتيجية مدروسة ومحسوبة النتائج، وليس كحالنا الذي يخضع لمزاجية الزعيم وغطرسة حكامنا؟

ولقد وجدت كذلك أن من تزييف الوعي الناتج عن سيطرة الاستبداد إهدار الوقت والجهد في المراهنة على نتائج الأحداث دون التحضُّر لها، أو المشاركة في صياغة بعضها، وهذا لانعدام استراتيجية واضحة من جهة، ولغياب بوصلة دقيقة لتحديد وفهم مصالحنا من هذا الصراع أو غيره من جهة ثانية.. حتى إن الأوراق القوية التي نملكها لا نُحسن استغلالها.

 أخيراً، وأمام هذه الحرب التي لسنا طرفاً مباشراً فيها (لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية) علينا تجنب خوض حرب بالوكالة مجدداً أو أخذ طرف ليس ضرورياً اتخاذه، كما علينا عدم الانخداع بالدعاية الإعلامية لهذا أو ذاك، فلا أحد يعرف الغرب (أو روسيا) أكثر منا، وإن الأولى لنا تبني فكرة أن يفعلوا ما يريدون بعيداً عنا، ولنعمل نحن على تحقيق بعض مصالحنا خاصة في سياسات الطاقة الدولية، واستغلال الفرصة للحد من التدخلات الخارجية الحامية للاستبداد في سوريا وليبيا وغيرها، والحد من تغول الاحتلال الإسرائيلي بالحد من الدعم الغربي (أو الروسي) اللامشروط له.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

لكحل رابح
مهندس جزائري في مجال الإلكتروتقني، ومدون مهتم بالشأن السياسي
مهندس جزائري في مجال الإلكتروتقني، ومدون مهتم بالشأن السياسي
تحميل المزيد