رونالدينهو في إسرائيل! كيف يغسل الاحتلال وجهه بقمصان نجوم كرة القدم؟

عدد القراءات
1,415
عربي بوست
تم النشر: 2022/05/11 الساعة 14:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/11 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
رونالدينهو في زيارة سابقة إلى الأراضي المحتلة (إسرائيل) - تل أبيب/ رويترز

لماذا نكره إسرائيل بالفطرة؟

مشكلتي مع إسرائيل لم تكن أبداً كراهية فحسب، بل هي أبعد من ذلك بكثير، وهذا غريب حقاً، لأنني لم ألتقِ بأي إسرائيلي طوال حياتي، وهذا يسعدني بطبيعة الحال، لكن المشكلة لدي في أنني نشأت في بيت لم يُخفِ عني حقيقة هؤلاء، سواء عن طريق التلفاز أو القصص.

إسرائيل لا تقتل فلسطين فقط، بل تقتل العرب أجمعين، وقضيتنا ليست قضية دينية فقط، لأن الرصاص الذي يطلقونه من خزائنهم لا ينكسر عند دين ويخترق ذوي دين آخر، لذلك هم قتلونا بصورة شاملة، دون تفرقة، قتلوا في مصر، وفي لبنان، وقتلوا كل مواطن عربي تألم وأدرك أنه قليل الحيلة.

شعبان عبد الرحيم -رحمه الله- كان مواطناً بسيطاً للغاية، لم يكن يقرأ أو يكتب، لكنه أعلن كراهيته لهم، وإن كان ثمنها الاعتقال أو القتل، وهذا نموذج بسيط لما يجب أن نكون عليه كعرب، من أكبر مثقفينا إلى أطيب فرد في شعبنا.

إسرائيل دولة جبانة، تخشى القلم، وتخشى الحنجرة، وتهاب الحجارة بشدة، رغم أنها تمتلك كل شيء تقريباً، لو تركوا محمد الدُّرة وشأنه لأصبح رب أسرة اليوم، لو لم تفتك قنابلهم بغسان كنفاني لتشبعت نفسي أكثر بإبداع كاتب فلسطيني كان يحاربهم بقلمه! قِس على ذلك ما شئت، فهم جبناء بصورة مرعبة، لا يجيدون سوى الرصاص.

لقد نشّأني والداي على كراهية إسرائيل، لو لم يفعلا لتأكدت من أنهما فشلا في مهمتهما، لذا أشفق على هؤلاء، الذين هم ضحايا في جهة أخرى، في نفس العمر، والفارق الوحيد أنهم لم يولدوا بصرخة خائفة من الرصاص، ويرحلوا بصرخة أخرى طالبة الجنة.

ألمانيا بين حرق اليهود ودعم "إسرائيل"

لكي تُقنع شخصاً بالتصالح مع عدو له عليك أن تغريه بفكرة جديدة على ذهنه، وهذا بالتحديد ما فعلته ألمانيا مع إسرائيل.

بعد محرقة الهولوكست اعتبرت ألمانيا كل من هو يهودي عدواً، واعتبر اليهود كل ما هو ألماني مُغتصباً، وتدخلت كرة القدم لإصلاح العلاقات بينهما.

كان على ألمانيا أن تُعيد إنشاء دولة لمجموعة دينية اغتصبت حقوقها، وهي إسرائيل، وتُؤهلها لتكون مجتمعاً ديمقراطياً صالحاً لكل شيء، ليس كرة القدم فحسب.

هذا ما أقرته جيني هيسترمان، أستاذة في الدراسات اليهودية في هايدلبرغ.

لم يُقابل الأمر بهدوء، في الأوساط اليهودية، خاصة أن من كانوا موجودين هم في الأساس نُجاة من المحرقة، ومن الصعب أن تتصالح مع من أخبرك في يوم من الأيام: "ستدخل من الباب وتخرج من المدخنة!".

في عام 1954 فازت ألمانيا بكأس العالم، ومن هنا لم تعد قوة سياسية فحسب، بل قوة رياضية عظمى من الصعب رفض التعاون معها مهما كان الثمن أو المقابل الذي سيُدفع جراء هذا التعاون.

لكن ألمانيا في الوقت نفسه كانت حذرة بعض الشيء، واحتاجت لقرابة العقدين بعد إنشاء دولة إسرائيل، لتقترب من أراضيها، وتتواجد فيها بحجة إقامة معسكر للمنتخب واللعب في وديات ضد فرق محلية في الدوري الإسرائيلي لكرة القدم.

حينها وضعت ألمانيا اللاعبين اليهود تحت المجهر مثلما وضعتهم في السابق في الفرن، وكان عليها أن ترى ردة فعل الجيل الذي نجا مما حدث، وكيف سيتقبلها بصدر رحب أو بعناد قد يودي به إلى ما لا يُحمد عقباه.

لكن الإسرائيليين تعاملوا بحسن فاجأ الألمان، ولم تظهر عليهم أية أمارات للعناد أو الغل، بل تعاونت إسرائيل مع ألمانيا كأن شيئاً لم يكن، ومن ناحية أخرى، هذا أثار حفيظة العديد من اليهود.

والآن أصبحت للعديد من الفرق الألمانية روابط تشجيع في إسرائيل، وأصبح اللاعبون الألمان موجودين في الدوري الإسرائيلي بصورة عادية والعكس بالعكس، وحتى بين المنتخبين بدأت العلاقات تأخذ مساراً تعاونياً للغاية.

لكنهم لا يرون سوى العرب

لعل أبرز كيان عنصري في عالم كرة القدم إسرائيلي، إن لم تكن تعلم، وهو نادي بيتار القدس، الذي يتمتع بفكر يهودي متطرف صريح، وينتمى إليه كبار الساسة في إسرائيل، بل أيضاً لا يقوى أحد على معاقبته، كونه النادي الوحيد الذي ما زال يتمتع بالفكر المتطرف كاملاً دون الأخذ في الاعتبار بتطور العالم من حوله.

في بيتار يكرهون العربي، بقيادة رابطة التشجيع الرسمية لهم "لا فاميليا" أو ما تُعرف بالعائلة، التي تكره بشدة العرب، وتعتبر وجود ناديهم في قلب الأراضي الفلسطينية إنجازاً يُضيق صدر العرب، وهم أيضاً من يسبون النبي محمد، ويرفضون رفضاً باتّاً أن يمثل ناديهم أي لاعب عربي أو مسلم، وهو ما جعلهم يطلقون على ناديهم "نقي للأبد"، أي أنه لم يتلوث بأقدام المسلمين والعرب، لكن لا مشكلة في الألمان الذين أحرقوهم.

وفي عام 2013 حينما أعلن النادي عن تعاقده مع اثنين من اللاعبين الشيشان، تحولت جماهير النادي إلى حفنة من الهمج، وتجمعوا حول مركز التدريبات وطالبوا بالموت أو رحيل اللاعبين، واللاعبان في وقتها كانا أشبه بالمُخدرين مما يحدث، ومن أثر الصدمة من الجماهير التي ترفضهما كونهما مسلمين لا أكثر ولا أقل.

إذاً لماذا تستقطب إسرائيل اللاعبين العالميين؟

ككيان له أهدافه ويرى نفسه دولة مثل بقية الدول، فإن إسرائيل تحاول بشتى الطرق تجميل صورتها في الأوساط العالمية، وليس هناك أفضل من كرة القدم، وبدأت "إسرائيل" تحقق ذاتها فعلاً في عام 2013، حينما استطاعت أن تحصل على حق استضافة بطولة أمم أوروبا للشباب تحت 21 سنة.

من هنا أدركت إسرائيل أنها من الممكن أن تنال ما تريده، أن تكون دولة عادية، لا ترتكب أية جرائم، والدليل على ذلك قدرتها على استضافة بطولة دولية تقام تحت لواء الاتحاد الأوروبي.

ولم تكتفِ إسرائيل بما نالته، بل أرادت أن تصل بالمتابعين في كل مكان إلى أنها دولة سلام، وبالفعل وصل فريق برشلونة إلى القدس في عام 2013، في "زيارة سلام بين فلسطين وإسرائيل".

وكانت صورة ميسي واقفاً عند حائط البراق بالكِبة اليهودية ميثاقاً حقيقياً على ما أرادوه، واستشاطت الأوساط العربية والإسلامية من وجود النجم الأفضل في العالم في مشهد كهذا، وفي زيارة لدولة تحارب المسلمين والعرب، وتتواجد في منطقة حرجة بالنسبة لهم.

وزادت الانتقادات لميسي بعد الصورة، ما دعاه إلى الرد ببيان رسمي يستنكر فيه دعمه لأية دولة تقتل الأطفال في أي مكان في العالم، وأنه كسفير للنوايا الحسنة وأب لأطفال يعرف معنى الألم الذي قد يلحق بطفل صغير، ما بالك بأن تدعم دولة شغلتها الشاغلة أن تقتل الأطفال ليل نهار!

ولم تهتم إسرائيل كثيراً، بل زادت غلتها، وظهر كريستيانو رونالدو في إعلانات تجارية على التلفزيون الإسرائيلي، واستدعت إسرائيل منتخب البرازيل لودية في القدس، بحضور أساطيره الخالدين.

وبدأت تنتشر إسرائيل أكثر وأكثر، حينما دعت المنتخب الأرجنتيني إلى ودية ضد جاره الأوروغوياني في إسرائيل في عام 2018، لكن المنتخب الأرجنتيني في نهاية الأمر ألغى الودية جراء الضغط الرهيب الذي حدث له من الأوساط العربية في فلسطين، وفهموا جيداً أن التواجد في إسرائيل ليس أمراً عادياً، هناك من يرفض ذلك، وهناك من يرفض إسرائيل.

وظهر رونالدينهو منذ أسبوع تقريباً في إسرائيل رافعاً العلم، وهي وسيلة تمارسها إسرائيل بين الحين والآخر كلما شعرت أنها بحاجة إلى تلميع صورتها، وحينما تفعل فإنها تأتي بمن يُثيرون الجدل حينما يأتون، ومن إذا وصلوا أكدوا للعالم أن دولة إسرائيل دولة عادية، لا تقتل ولا تفعل أي شيء.

العالم طوال الوقت يكيل بمكيالين

بمجرد أن دخلت روسيا إلى أوكرانيا طافت القضية مشارق الأرض ومغاربها، وتحولت ساحات وملاعب كرة القدم إلى دائرة كبيرة يُشار من خلالها إلى ما يحدث.

وسمح الفيفا والاتحاد الأوروبي للاعبين الأوكران بأن يعبّروا عن رفضهم لما يحدث في بلادهم، لكن في الوقت نفسه هُم من عاقبوا أبوتريكة، وكانوتيه، وغيرهما من النجوم الذين أعلنوا دعمهم لفلسطين وما يحدث في أراضيها.

ببساطة لأن العالم يتحدث بلسان من يحكمونه، لا من يعيشون فيه، ونحن أمة، مهما تشتت، تتجمع عند نقطة ثابتة في نهاية المطاف.

قضيتنا هي فلسطين، ونقطتنا هي الأقصى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد