الفيرماخت.. هل يعود “الوحش” الألماني الذي لا يهدأ عادةً حتّى يسيطر على أوروبا بأكملها؟

عدد القراءات
881
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/03 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/03 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
دبابة نازية من الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية/ Istock

قبل سنوات وعلى طاولة الغداء في كافتيريا المستشفى، أخذني الحديث مع زميلين ألمانيين حول فرص العمل طبيباً داخل الجيش الألماني (وهي متاحة للألمان فقط)، وسألتهما لماذا لم يكملا تخصصهما هناك، حيث الرواتب والامتيازات الأفضل، وفرص التعليم المفتوحة؟ أجاب الأول: مستحيل أن أدخل الجيش يوماً، أنا أكره الجيش! وأضافت الثانية: مشكلة الجيش الألماني هي سُمعته، سمعته سيئة!

لطالما شكّل الجيش والانضمام له فرصة للترقي الاجتماعي في بلاد عديدة، لكن الحال مختلف تماماً في ألمانيا، حيث يعتبر الجيش ممثلاً غير مرغوب به شعبياً لمفاهيم مثل "العنف"، والمفهوم هذا مستوحى طبعاً من الماضي السيئ للغاية للجيش الألماني على مدى الحربين العالميتين، خاصة الفترة النازية، وتلك الجرائم التي ارتكبها الـ"فيرماخت" بحق شعوب أوروبية مجاورة، أو أقليات، على رأسهم اليهود، -الفيرماخت مسمى الجيش الألماني في فترة هتلر، أما الآن فاسمه بونديسفير-.

عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية دفع الحلفاء المنتصرين إلى إبقاء ألمانيا بلا جيش حقيقي خوفاً من تكرار التجربتين العالميتين المريرتين، الأمر الذي استفادت منه ألمانيا لاحقاً لتوجيه ميزانيتها بشكل شبه كامل نحو التحول الاقتصادي والصناعي الهائل الذي أخذ البلاد إلى مصافّ أقوى الاقتصادات العالمية على الإطلاق.

وليست ألمانيا وحدها، فدول أوروبا الغربية أيضاً استفادت من عقود من الهدوء والسلام لتخفض إنفاقها العسكري إلى أقل حد مقبول، وتوجه ذلك الإنفاق إلى الصناعة والخدمات وتحقيق رفاه المواطن الأوروبي، طبعاً في ظل حليف أمريكي لصيق هو الأقوى عسكرياً على الكوكب. وما زالت بعض أهم القواعد العسكرية الأمريكية تتخذ من ألمانيا مقراً لها، ولم يغلق بعضها إلا قبل سنوات قليلة فقط.

الجيش الألماني اليمين المتطرف النازية
قوات النخبة، الجيش الألماني، أرشيفية/ GAF

وما فعله ترامب قبل سنوات لم يكن سهلاً على أوروبا عامة وألمانيا خاصة: إدارة ظهره للتحالفات التاريخية، وابتزاز الدول الأوروبية مالياً لإبقاء هذه الحماية. عندها فقط بدأ الحديث الجاد عن تشكيل قوة ردع أوروبية عسكرية ضد الدب الروسي الشرس شرقاً في حال تخلت أمريكا عن التزاماتها تجاه غرب القارة.

ما تقوم به ألمانيا اليوم يشكل تحولاً تاريخياً خطيراً جداً في مسيرة البلاد: رفع الإنفاق العسكري بصورة ضخمة جداً وبضربة واحدة، الحديث عن إعادة فرض التجنيد على الشباب الألمان، إمداد الجيش الأوكراني بالآليات الثقيلة ومضادات الطائرات. كل هذا أعلن عنه المستشار الجديد شولتز في كلمة أقل ما يقال عنها إنها "تعبوية للغاية"، وقوبلت بتصفيق حار من أعضاء البرلمان "بوندستاج"، اللهم إلا أعضاء حزب البديل اليميني المتطرف الذي يميل لبوتين قلباً وقالباً!

بالتأكيد فإن خطوة كهذه قد حصلت مسبقاً على الضوء الأخضر الأمريكي، وربما هي مشيئة العم سام بألا يضطره الأمر إلى المشاركة بقواته في التحام محتمل مع روسيا، أي وكأن القوات الأوروبية حائط صد أولي ضد بوتين وجيشه.

لكن بمجرد هذا الإعلان المفاجئ امتلأت ساحات التواصل الأوروبية بنكات حول دور ألمانيا الحقيقي (ليس في الحرب هذه)، ولكن ربما فيما يليها من أحداث عالمية لاحقة، فور أن تتمكن من إعادة بعث وحشها النائم المخيف "الفيرماخت"، والذي أثبتت التجارب أنه عندما يشتد عوده، يتملكه هاجس غريب لاحتلال القارة بأكملها!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد نبيل عميرة
طبيب أردني مقيم في ألمانيا
تحميل المزيد