عن شيرين أبو عاقلة وعن كلمات لا تموت

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/04 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/04 الساعة 13:39 بتوقيت غرينتش
الصحفية الفلسطينية الراحلة شيرين أبو عاقلة

بدها طول نفس.. خلي المعنويات عالية.

تربيت على حب الحقيقة ونبذ الظلم والزيف، وعاهدت نفسي على أن أصير صحفياً. نضجت وتوجهت نحو دراسة الصحافة، وها أنا اليوم أسعى إلى الحقيقة، تمثيل لصوت شعبي، والمشي على درب العدالة، والدفاع عن الحق قبل كل شيء… الانعتاق من كل قيد، حاجز، أو سلطة، كما أراد لنا الخالق. لذلك في ذكرى ميلادها أتذكرها صوت شيرين أبو عاقلة الصحفية الفلسطينية التي كان صوتها مدوياً في حياتها، والآن، بعد رحيلها، ما زال يصدح صوتها أعلى وأقوى، مخلفاً إرثاً لا يمحى.

في هذا العالم المليء بالظلم والقهر، تصبح الكلمة ذخيرة ضد الظلم والاستبداد. وتقف الصحافة، كحجر زاوية للحرية، في الصفوف الأمامية للكشف عن الحقائق والكشف عن الظلم. لذلك، شيرين أبو عاقلة، بشجاعتها وتفانيها، تحولت إلى أيقونة للنضال والإخلاص في السعي وراء الحقيقة والعدالة.

مسيرتها المهنية وإصرارها على نقل الواقع الفلسطيني، بكل تجلياته القاسية جعلت منها بطلة في عيون الكثيرين وعدوة في نظر الاحتلال وداعميه. واغتيالها لم يكن سوى تأكيد على قبح الاحتلال وخوفه من الحقيقة، حيث يتألم من كلمات بعض الصحفيين التي تقول الحق فيقرر إسكاتهم بالرصاص. ولكن، بدلاً من إسكات الحقيقة، أصبحت قصة شيرين شعلة تنير درب النضال من أجل الحرية والعدالة لجيل تربى على تقاريرها وكلماتها.

شيرين أبو عاقلة، الصحفية التي تحولت إلى أيقونة فلسطينية، ولدت في ظل الاحتلال يوم الثالث من أبريل/نيسان من عام 1971، ونشأت وهي تشهد الظلم والمعاناة التي يعيشها شعبها يومياً. هذه التجارب شكلت رؤيتها وأشعلت في قلبها لهيب النضال. تعليمها الأكاديمي وخبراتها العملية صقلت موهبتها، لكن شجاعتها وروحها كانا هما سلاحها الأقوى.

خلال عملها كصحفية، تنقلت شيرين بين جبهات الحرب، واضعة نفسها في قلب الأحداث لتنقل صورة لم تشوهها يد الرقابة. كانت تعلم أن كل قصة ترويها هي ضربة في جدار الاحتلال. مع كل تقرير وكل مقابلة، أصبحت شيرين صوتاً لا يمكن تجاهله، معبرة عن آمال وآلام شعبها بكلمات تلامس القلب والعقل. فلم تكن مجرد مراقبة أو ناقلة؛ بل كانت مشاركة، فعلى مدار ربع قرن، شكلت شيرين أبو عاقلة صوتاً صادقاً يروي تفاصيل وتطورات القضية الفلسطينية من قلب الأراضي المحتلة، متحدية العوائق والاتهامات المستمرة من السلطات الإسرائيلية، مما جعلها هدف مرصود لقوات الاحتلال والمستوطنين المسلحين.

برزت جهودها بشكل خاص خلال تغطيتها لانتفاضة الأقصى في عام 2000، والاجتياحات الإسرائيلية في مخيمي جنين وطولكرم عام 2002، فضلاً عن سلسلة الغارات والعمليات العسكرية التي شنت على قطاع غزة. وكانت أبو عاقلة أول صحفية عربية تدخل سجن عسقلان في 2005، حيث التقت بأسرى فلسطينيين خضعوا لأحكام قاسية من من محاكم الاحتلال.

من بين محطاتها المؤثرة، تذكر أبو عاقلة زيارتها للسجن، التي أتاحت لها الفرصة لإلقاء الضوء على معاناة الأسرى الفلسطينيين، بعضهم قضى أكثر من عشرين عاماً خلف القضبان، وهي تجارب كشفت عن عمق إنساني لطالما كان بعيداً عن الجمهور العربي.

شيرين أبو عاقلة، أيقونة الكفاح الفلسطيني، استطاعت بلا سلاح ولا انتماء لفصائل المقاومة أن تخط بكلماتها وتقاريرها ملحمة من النضال. من قلب الأحداث المحفوفة بالخطر، نقلت للعالم صورة الواقع الفلسطيني بكل تعقيداته وتحدياته، ليس كمراقبة بعيدة، بل كشاهدة تعيش اللحظة بكل أبعادها الإنسانية والوطنية.

لم تصبح شيرين جزءاً من الذاكرة الجماعية للفلسطينيين والعرب فحسب، بل تحولت إلى رمز للوعي، مستمدة قوتها من تلك اللحظات الكفاحية التي زخرت بالتعبئة، الإلهام، والتثقيف السياسي. ربما في وقت وشهد ركوداً سياسياً عربياً، برزت القضية الفلسطينية كمحور تثقيف سياسي رئيسي، مؤكدةً على دورها التاريخي كنقطة توحد وإلهام عبر الوطن العربي.

خلال الحياة، تبرز شخصيات تمتلك القدرة الفريدة على إعادة تشكيل نظرتنا لذواتنا وللعالم من حولنا، تاركة فينا بصمات عميقة لا تزول. وفاتهم تخلف وراءها ألماً عميقاً ليس لثمن أرواحهم فحسب، بل لأنهم استطاعوا لمس جوهر وجودنا بطريقة فريدة. مثل كثيرين في الأراضي الفلسطينية وربما العالم العربي، نشأت في بيت يعج دوماً بأصداء نشرات الأخبار، لا سيما في أوقات الحروب والنكبات حيث يصبح الصوت المنبعث من التلفاز خلفية دائمة لحياتنا.

أعلم اليوم أكثر من أي يوم مضى أن ثمن الحرية باهظ الثمن، وطريقه طويل وشاق، نسير معظمه في دواخلنا. شيرين أبو عاقلة كانت أحد الأصوات التي نشأت معها، شخصية هادئة، مطمئنة، واثقة، وثابتة، ألهمتني وأرشدتني. أحبت شيرين فلسطين، وستبقى ذكراها حية في قلوب الأجيال، دليلاً على النضال والأمل، حتى التحرير وما يليه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زيد إسليم
كاتب وباحث فلسطيني
تحميل المزيد