إيلون ماسك وأدمغتنا.. هل سنعيش في عالم يصبح فيه البشر نصف إنسان ونصف آلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/02/05 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/02/05 الساعة 11:28 بتوقيت غرينتش
صورة للروبوت بشري وايلون ماسك - shutterstock

تخيل عالماً تصبح فيه أفكارك أوامرك، حيث يمكن لعقلك التحكم في هاتفك، أو إنشاء رسالة، أو حتى إنشاء تحفة فنية. هذه هي الرؤية الجريئة لشركة Neuralink التي ابتكرها إيلون ماسك، والتي ترجو أن تصنع قفزة هائلة إلى مستقبل مجهول. في 29 يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت شركة نيورالينك عن نجاحها في زرع شريحة دماغية في أول مريض بشري، حيث تقول الشركة إن الشريحة ستمكّن الأشخاص المصابين بالشلل الرباعي من التحكم في الأجهزة بتفكيرهم.

وبالعودة إلى الوراء قليلاً، تعمل شركة Neuralink الناشئة، التي أسسها إيلون ماسك في عام 2016، بجدٍّ على تطوير واجهات الدماغ والحاسوب (Brain Computer Interface) – وهي أجهزة تعمل على سد الفجوة بين الدماغ والآلات الخارجية. وتستخدم شريحة بحجم العملة المعدنية، مزروعة في القشرة الحركية – وهي منطقة الدماغ المسؤولة عن التحكم في الحركة – خيوطاً مرنة صغيرة أرق من شعرة الإنسان لتسجيل النشاط العصبي ونقله لاسلكياً.

وقد وصف المعهد الوطني للصحة الخلايا العصبية بأنها خلايا تستخدم الإشارات الكهربائية والكيميائية لإرسال المعلومات عبر الدماغ وإلى الجسم، وكانت إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية قد منحت الشركة العام الماضي تصريحاً لإجراء أول تجربة لها لاختبار زرع الشريحة في دماغ إنسان.

ومع ذلك، فإن التفاصيل حول هذا الزرع البشري الرائد لا تزال نادرة، وتغامر في منطقة مجهولة. ومع ذلك، أفاد إيلون ماسك أن الجراحة سارت بسلاسة، وأن المريض يتعافى بشكل جيد، وتظهر النتائج الأولية اكتشافاً واعداً للإشارات العصبية.

التطبيقات المحتملة لهذه التكنولوجيا مذهلة. بالنسبة للأفراد المصابين بالشلل أو الحالات العصبية الأخرى، يمكن أن توفر شركة Neuralink طريقاً لاستعادة الاستقلال. فتخيل أن المصابين بالشلل الرباعي يتحكمون في الأطراف الاصطناعية بأفكارهم، أو أولئك الذين يعانون من صعوبات في النطق ويتواصلون من خلال واجهات التواصل بين الدماغ والدماغ. إن إمكانيات تحسين نوعية الحياة للمرضى واستعادة الوظيفة الحركية هي إمكانيات تحويلية حقيقية.

لكن  طموحات نيورالينك تمتد إلى ما هو أبعد من التطبيقات الطبية، إذ يتصور إيلون ماسك رجل الأعمال الغني مستقبلاً يتفاعل فيه البشر بسلاسة مع التكنولوجيا، ويستخدمون عقولهم للتحكم في كل شيء، بدءاً من الهواتف الذكية إلى السيارات وحتى تجارب الواقع الافتراضي. قد يعني هذا تصفح الإنترنت من خلال التفكير في الكلمات الرئيسية، أو تعلم لغات جديدة بمجرد تخيلها، أو التعاون في مشاريع مع الآخرين في الوقت الفعلي، من عقل إلى عقل.

الشريحة التي طورتها نيورالينك - إيلون ماسك – صورة أرشيفية
الشريحة التي طورتها نيورالينك – صورة أرشيفية

وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الإمكانات الهائلة تجلب جبلاً من المخاوف الأخلاقية، فالخصوصية أمر بالغ الأهمية. كيف نضمن سلامة أفكارنا؟ هل يمكن لتقنية نيورالينك أن تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاجتماعية القائمة؟ فمن يمنع احتمال تحوّل تكنولوجيا كتلك، إلى تقنية تمكن الأفراد الأكثر ثراءً من تطوير وتحسين قدراتهم بشكل يفوق بني جنسهم، لنصبح أمام ديستوبيا تنتج طبقة جديدة من "النخبة المعزّزة بالآلة"، القادرة على التفوق على نظرائها في كل جانب من جوانب الحياة تقريباً. وعندها ربما، يصبح واقعنا حينها أشد بؤساً. بالإضافة لذلك، يطرح سؤال مهم وهو من سيتحكم في هذه الواجهة القوية – الأفراد، أو الشركات، أو حتى الحكومات؟ وهذه قضايا معقدة تتطلب دراسات مدروسة لتأثيراتها .

علاوة على ذلك، فإن سلامة وفعالية عمليات زرع الدماغ على المدى الطويل لا تزال غير معروفة. في حين اتخذت شركة Neuralink خطوات لضمان التوافق الحيوي وتقليل المخاطر المحتملة، فإن الطبيعة الحساسة للدماغ تتطلب تقدماً حذراً وأبحاثاً مستمرة.

إن تقنية شرائح الدماغ من نيورالينك ربما تضع العالم البشري عند مفترق، حيث تمتزج الإمكانيات الهائلة بمخاطر لا يمكن التنبؤ بها. تلوح في الأفق إمكانية تحويل العقل البشري إلى ساحة جديدة للتطور، حيث يتجاوز الإنسان الحدود التقليدية للتواصل والتحكم والإبداع، مما يفتح أبواباً نحو رؤية مستقبلية مبهرة، لكن ينطوي هذا الابتكار أيضاً على مخاطر قد تحول الحلم إلى كابوس إذا لم يتم التحكم فيه.

فالتطورات السريعة في هذا المجال تثير تساؤلات جوهرية حول الأخلاقيات والمجتمع. الخصوصية، الأمان، والتحكم في البيانات هي ليست مجرد مسائل تقنية، بل هي تحديات أساسية تتطلب حلولاً مبتكرة ورؤية بعيدة المدى. كيف نضمن أن يكون العالم الذي نشيده عالماً يسوده العدل والأمان للجميع؟

من الممكن أن تصنع هذه الشريحة عالماً أفضل، حيث تتلاشى الحدود بين الإمكانات البشرية والابتكار التكنولوجي، مما يخلق مستقبلاً يزدهر فيه كل فرد. ولكن، بنفس القدر من الإمكانية، قد تجعل هذه التكنولوجيا العالم جحيماً على البشر، حيث تصبح الخصوصية والاستقلالية مجرد ذكريات من الماضي، والعالم أكثر طبقية وقمعاً واستبداداً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد