معركة تحرير القدس! كيف تتشابه الأحداث الجارية في فلسطين مع ثورة التحرير الجزائرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/10 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/10 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
المقاومة الفلسطينية/ رويترز

كانت ليلة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954 لحظة مفصلية في تاريخ مقاومة الشعب الجزائري للاحتلال الفرنسي، بعد أكثر من قرن من استعماره واستلاب هويته واستباحة مقدساته، بعد انتفاضات وثورات شعبية باسلة ضد سياسة الاستيطان للمستعمر الغاشم. فيها أطلقت أولى الرصاصات وبدأت حرب تحريرية شاملة للتراب الوطني، كانت حرباً شرسة استمرت قرابة 8 سنوات 1954-1962 شهدت ملاحم بطولية كبيرة، رغم قلة العدة والسلاح، وشيطنة قادة الثورة ومنظمة جبهة التحرير، ووصف المجاهدين بقُطّاع الطرق والخارجين عن القانون، بعبارة أخرى هم "إرهابيون". 

ثمن النضال 

استطاع الشعب الجزائري أن يقود هذا المشروع التحرري والنهضوي ليس في الجزائر فقط بل لكل الشعوب المستعمرة، ورضخت فرنسا صاحبة العقلية الاستعمارية الاستعلائية على الاعتراف بالدولة الجزائرية وحقوق الشعب الجزائري المشروعة على كل تراب أرضه. 

هذا ما يجرنا للحديث على ما يجري الآن في فلسطين المحتلة والعملية البطولية التاريخية التي بالطبع ستغير معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والعقيدة العسكرية لدولة الاحتلال من جهة، وسياسة الأنظمة العربية تجاه القضية الفلسطينية التي طالما ظنوا أنها انتهت. ما زال الشعب الفلسطيني يعاني من ويلات وغطرسة مستعمر مدمر استعلائي يعتقد أنه حسم المعركة ودفن القضية بسبب سياسة السلام مقابل الأرض والتطبيع لبعض الدول العربية؛ ما زاد في تهميش القضية الفلسطينية التي لم تعد القضية الجوهرية للعرب الرسميين.

عملية طوفان الأقصى أربكت وفضحت أسطورة قوة جيش دولة الاحتلال وأجهزته الاستخباراتية، فهذه العملية التي تشنها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وداخل دولة الاحتلال منذ فجر يوم السبت السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شملت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً وتسللاً للمقاومين إلى عدة مستوطنات في غلاف غزة. فبمجرد مشاهدة القنوات الإخبارية العالمية، تشعر كأنه مشهد هوليودي: فيلم جيمس بوند من إنزال مظلي لرجال المقاومة على مستوطنات مدن غلاف قطاع غزة، بل هو فعلاً مشهد حقيقي، وبوند هم شباب فلسطينيون لقنوا العالم معنى البطولة والنضال، كما وصفها القائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد الضيف أن "اليوم هو يوم المعركة الكبرى لإنهاء الاحتلال الأخير على سطح الأرض".

ودعا الفلسطينيين في الضفة الغربية وأراضي 48 للانضمام إلى هذه الحرب بكل ما يملكون من أسلحة نارية وأسلحة بيضاء، وبالاحتجاجات والاعتصامات، هذا ما يدفع في التصعيد ونقل الصراع إلى داخل دولة الاحتلال، وأن يشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تحولاً نوعياً تكتيكياً استطاعت حماس أن تقلب معادلة الصراع في ظل ظرف عسكري غير مسبوق بين جيش دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية منذ عقدين. 

إلا أنّ هذا الحدث العسكري التاريخي أتى في ظرف تشهد فيه دولة الاحتلال أكثر حكومة يمينية متطرفة عنصرية منذ نكبة 1948، وتعيش أزمة سياسية حادة؛ ما زاد في هشاشة نسيج المجتمع الإسرائيلي المنقسم وغير المتجانس عموماً.

 دولة الاحتلال ومراحل فترة حكومتي مانداز فرنس وغي مولي بين 1954-1958           

آنذاك حاولت تقوية السلطة التنفيذية للحكومة الفرنسية التي عاشت وضعاً غير مستقر كالذي كان قبل الحرب العالمية الثانية، إلّا أنها شهدت عدم الاستقرار وعدم القدرة على اتخاذ قرارات جريئة في مواضيع جدلية حساسة مثل إنهاء الاستعمار بعد هزيمة ديان بي يان فو فى الهند الصينية وإدارتها للأزمة الجزائرية في فترة 1954-1958. ما يجعل حكومة دولة الاحتلال العنصرية هي الآن في نفس فترة حكومات مانداز فرانس وغي مولي في فترتي 1954-1958، بالتالي عبور المقاومين الفلسطينيين إلى مستوطنات غلاف غزة عبر السياج الحدودي هو بمثابة دينان بيان فو، واندلاع حرب التحرير الجزائرية هو فشل ذريع لجهاز المخابرات لدولة الاحتلال، هذا ما أثبت ضعف خرافة الأسطورة الإسرائيلية تجاه الرأي العام العربي والدولي، وهذه العملية أظهرت أن المقاومة لها خطة واستراتيجية عسكرية عميقة. 

على سبيل المثال وليس الحصر نفس ما يقال عن أسرار حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، حينها توقع جهاز المخابرات عدم اندلاع حرب بين دولة الاحتلال ومصر في الأعوام المقبلة، وعلى الرغم من ذلك وجدت إسرائيل نفسها محاطة بجيوش مصر وسوريا والأردن، تتجهز على حدودها.

للمقاربة بين المقاومة الفلسطينية وحرب التحرير الجزائرية، شهدت الثورة الجزائرية ترتيباً زمنياً سياسياً وتنظيمياً لا يختلف عن التطورات التي تشهدها فلسطين المحتلة هذه الساعات وتداعياتها للحرب الفلسطينية والإسرائيلية، كان ظرفاً دولياً متوتراً رغم فترة التراخي في السياسة الدولية التي أفرزت لاعبين دوليين جدداً على غرار الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي، خاصة بعد سقوط الإمبراطوريتين الأوروبيتين: فرنسا وبريطانيا؛ الأولى بعد هزيمتها في الهند الصينية خاصة في معركة ديان بيان فو في فيتنام، وبريطانيا بعد خسارتها للهند مروراً بحرب السويس عام 1956 التي كانت بداية نهاية هيمنة الإمبراطوريتين على السياسة الدولية. 

 ثورة التحرير الجزائرية
ثورة التحرير الجزائرية

ظروف اندلاع الثورة التحريرية كانت سبباً في تراجع مكانة فرنسا كقوة عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية وخسارتها في معركة ديان بيان فو في فيتنام عام 1954. أيضاً تسجيل القضية الجزائرية كقضية تصفية استعمار، والاعتراف بحق الشعوب في تقرير المصير، تشكيل حكومة وطنية أدارت الثورة تحت راية جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني الجناح السياسي للثورة، قناعة الجزائريين بضرورة الكفاح المسلح بعد فشل العمل السياسي مثل الشعب الفلسطيني اليوم، تشتت الحركة الوطنية وأزمة حركة انتصار الحريات قبل اندلاع ثورة التحرير عام 1954 على ما يجري اليوم في فلسطين من خلافات استراتيجية في إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بين المقاومة والسلطة في الضفة، استمرار السياسة الاستعمارية وتجاهل مطالب الحركة الوطنية، ارتكاب المجازر في حق الشعب الجزائري كمجازر 8 مايو 1945 في الشرق الجزائري مثلما حدث في فلسطين في دير ياسين عام 1948 وصبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، والمجازر المتتالية بعد كل "حرب" بين حماس وجيش دولة الاحتلال في غزة. 

اندلاع الثورة

شملت هجمات المجاهدين الجزائريين عدة مناطق من الوطن، وقد استهدفت عدة مدن وقرى عبر المناطق الخمس باعتراف السلطات الاستعمارية ضد المصالح الفرنسية عبر كل مناطق الجزائر ليلة الأول من نوفمبر/كانون الأول 1954؛ كان جيش الاستعمار الفرنسي يستعمل نفس طرق ووسائل الردع ضد أية عملية فدائية لمجاهدي جيش التحرير الوطني: العقاب جماعيال في قرية الفدائي، وعلى أفراد العائلة، وتدمير مسكن صاحب العملية، أضف إلى ذلك سياسة الأرض المحروقة التي اتبعتها فرنسا المستعمرة منذ استعمارها للجزائر، واتباعها لسياسة التجويع والإبادة والحصار، وسياسة استيطانية عنصرية حاقدة. 

وفي ظل هذا عملت الإدارة الاستعمارية على تجسيد وتكريس الاستعمار الاستيطاني بالقوة والعنف وحتى "بالقانون". كانت الأرض المسألة الأساسية التي مسّها الاستعمار الاستيطاني، فكان الحصول على الأراضي وسيلة لكسب "الشرعية" في الوجود، قامت السياسة الاستيطانية على أساس إحلال المستوطنين محل الجزائريين، نفس ما يجري في فلسطين؛ عملت الإدارة الاستعمارية من أجل إنجاح سياستها الاستيطانية على تهيئة الوضع الذي ستتم فيه عملية التوطين، فكانت الأرض قضية كل فرد وجماعة وأمة، فهي مسألة حياة أو موت.

بناءً على ما سبق، عملية الطوفان تشبه هجمات ليلة الأول من نوفمبر/كانون الأول عام 1954، وهجمات الشمال القسنطيني صيف عام 1955، كما أثبتت هجمات الشمال القسنطيني أن بالعزيمة والتضحية وحدهما تسترجع الحقوق المشروعة للشعوب. الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شهد تحولاً جذرياً ومنعطفاً عميقاً، غيّر تماماً معادلة هذا الصراع، بمعنى آخر رسم محددات جديدة، أي قلب متغيرات 7 عقود من المقاومة، وبالتالي هو صفحة جديدة ومنعطف استراتيجي، فما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول ليس تماماً ما سيكون بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول؛ قد غيّرت عملية طوفان الأقصى موازين القوى في الداخل، زادت الأمور تأزماً داخل حكومة دولة الاحتلال العنصرية الفاشية، بل حتى داخل النخب الفكرية والسياسية والعسكرية وداخل المجتمع الهش مذهبياً وأيديولوجياً، كما قد يغيّر العقيدة العسكرية لدولة الاحتلال وكيفية تعاطيها مع المقاومة في الداخل ومشروع التطبيع مع دول عربية وإسلامية في المنطقة وخارجها.

عملية طوفان الأقصى أسقطت قناع أسطورة الجيش الذي لا يهزم! قالت المقاومة الفلسطينية كفى من سياسة الاستسلام "والسلام" والتآمر والتخاذل؛ نجح الفلسطينيون لإيمانهم بقوة قضيتهم وصلابة إرادتهم،  أضحى الأمر واضحاً، قد رمت المقاومة بالثورة إلى الشارع، فعلى الشعب أن يحتضنها، كما فعلتها المقاومة في الجزائر ليلة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1954.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالنور تومي
كاتب وباحث جزائري
صحفي متخصص في شؤون دراسات شمال إفريقيا في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام). حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة تولوز في فرنسا. له مقالات تنشر في صحيفة ديلي صباح اليومية التي تصدر باللغة الإنجليزية في تركيا. عمل محاضراً في قسم دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في كلية بورتلاند كوميونيتي. وفي الوقت نفسه كان عضواً في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة ولاية بورتلاند.
تحميل المزيد