كيف عرَّى زلزال المغرب هشاشة المساكن القروية وأثبت فشل السياسات الحكومية بالجبال؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/15 الساعة 13:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/15 الساعة 13:48 بتوقيت غرينتش
المناطق المتضررة من الزلزال في المغرب/رويترز المغرب

لا شك أن الزلزال كارثة طبيعية وآية ربانية يمكن أن تهد أي شيء بناه الإنسان، وواقعة زلزال الحوز تجعلنا نترحم أولاً على أرواح الشهداء الذين قضوا في هذا المصاب الجلل، ثم نؤكد على مواساتنا لكل الأسر والقرويين الذين فقدوا كل شيء، خاصة بأقاليم الحوز وتارودانت وورزازات وشيشاوة، وهي كلها أقاليم قريبة من بؤرة الزلزال. وبعد ذلك نطالب بتكثيف عمليات البحث والإنقاذ والتكفل بمصاريف العلاج والإيواء وتوفير الحاجيات للأسر المتضررة التي لا تزال بالعراء تفترش الأرض وتلتحف السماء.

أما بعد، فلا مجال للهروب للأمام والتحجج بأية ترهات تخفي الشمس بالغربال، فواقع السكن القروي بالجبال بئيس للغاية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال القبول به مهما تذرعت الحكومة المحكومة بأية حجة. فالكل يعلم أن هذه المحكومة مثل سابقاتها ليس لها أي برنامج لتنمية المناطق الريفية وخاصة الجبلية، وهذه جريمة دولة إذا علمنا أن الجبال هي خزان المياه بالمغرب. 

ثانياً إن كارثة الزلزال فضحت حقيقة المغرب العميق الهش والغارق في الفقر حد الغثيان، فبالله عليكم كيف نستوعب الخطاب الرسمي الذي يتغنى متبجحاً بالكثير من المنجزات (كالطرق السيارة والأبراج والقطار الفائق السرعة وغيرها من الإنجازات)، ونقبل في نفس الوقت بأن تظل القرى كأنها تعيش في القرن الخامس عشر، فما الذي تغير في هذه المناطق؟ لا شيء، وكأننا في العصر الحجري الأوسط.

إن فشل المخططات التنموية الرسمية بالمجالات الجبلية واضح وضوح الشمس في كبد السماء، وإن معالجة الوضع لا تكون إلا بالتفكير ملياً في استراتيجية وطنية لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة في مختلف ربوع الوطن الجريح، تنمية تتجاوز القرارات التعسفية التي تعرقل بشكل غبي وغير مبرر أي محاولة لبناء مساكن حديثة بالأرياف، وترهق السكان بمصاريف أقل ما يقال عنها إنها إن طُلِبت من هذه الفئة فهي سرقة واضحة وابتزاز رسمي من قبل الدولة لفقراء الوطن.

إن هشاشة السكن بالأرياف الجبلية التي هدها الزلزال هي من جهة نتيجة للفقر وعوز السكان، ومن جهة أخرى للقرارات الرسمية السخيفة والعرقوبية التي تجعل بناء مسكن بالأرياف من سابع المستحيلات، حيث يحتاج القروي الجبلي المسكين لصبر سيدنا أيوب ومال قارون وعمر سيدنا نوح حتى تتحقق أمنيته التي تندرج ضمن حقوقه الطبيعية في بناء مسكن، ولا يعقل أن يصل المغرب بأبنائه إلى هذا المستنقع المنحط من الخزي والعار الذي يحرس عليه جيش جرار من الأعوان وممثلي السلطة. سلطة لا هم لها إلا القمع وتثبيط همم القرويين عوض تشجيعهم بالدعم اللازم لتجديد سكنهم البدائي والقروسطوي.

إنه العار والدمار، أن تعيش في دولة تحرص على عرقلة حق مواطنيها في أعماق الجبال والأودية في بناء مساكن لائقة ولا توفر لهم أي دعم، لذلك لا نطلب لهم دعماً، اتركوهم وشأنهم فقط، لا تطالبوهم بمعايير البناء الحضرية والوثائق باهظة التكاليف، فالكثافة السكانية بالجبال ضئيلة، والجبال تكاد تصبح فارغة بسبب الهجرة والفقر والبؤس الذي تتحمل مسؤوليته الدولة. إن جبال المغرب هي قِلاعُه، ولا يُفرغ قِلاعه إلا الجبناء والخونة، جبناء ينتمون لحكومات متتالية لا تحسن إلا الاعتناء بواجهات المدن الكبرى والعاصمة لتبهر الزائر الأجنبي بينما يعيش الشعب في الأرياف في فقر مدقع في ظروف غير آدمية تنتمي لقرون وعصور سحيقة.

إن تجديد السكن القروي يجب أن يكون على رأس أولويات المحكومة المغربية، عبر برامج واضحة تتمثل أولاً في دعم أسعار الإسمنت والحديد والآجر بهذه الجبال والمناطق النائية عموماً، ثانياً عبر توفير تصاميم مجانية جاهزة للمساكن وفق نماذج كثيرة يختار منها القروي ما يتناسب وحاجاته، وما يتوافق مع أراضيه، أكانت جبالاً أم سهولاً أم هضاباً، ووفق ما يستجيب لحاجاته الاقتصادية كتربية المواشي أو أي نشاط اقتصادي آخر… إلخ. 

إن سياسة تجديد السكن القروي يجب أن تكون خالية من الغايات الانتخابوية الرخيصة، تهدف لرفع المستوى الحياتي للمواطن المغربي بالأرياف، وتجاوز المشهد القروسطوي للقرى بجبال الأطلس. إن ذلك يجب أن يترافق مع تعبيد كيلومترات عديدة من الطرق الريفية وشق أخرى والحرص على صيانة الموجود منها. 

إن تحقيق التنمية القروية يجب أن يتم في سياق تفكير عميق استراتيجي لتفادي أي فراغ ترابي ببلادنا، والحرص على إيصال الخدمات العمومية كالتعليم والتطبيب والشغل إلى أعماق الجبال عبر أنشطة اقتصادية حقيقية قائمة على ورش لتصنيع أي شيء، وتجاوز حكايات بئيسة مثل "فاطمة تنجح في تربية الأرانب"، فالقروي قادر على الإبداع وإنتاج منتوجات تسويقية ذات قيمة حقيقية في قطاعات النسيج والفُرُش والمشغولات المعدنية وتعليب وتثمين المنتجات الغذائية وغيرها كثير.

لقد فضح الزلزال هشاشة الأرياف الجبلية، وأبرز فشل كل الأكاذيب عن التنمية الاقتصادية والمبادرة وغيرها من الشعارات الزائفة التي صدع بها الإعلام العمومي رؤوسنا منذ زمن بعيد، حتى أصبحنا نشعر بالقرف من مجرد سماعها مجدداً. لكل ذلك وأكثر أتمنى أن تكون هناك آذان تصغي لما نقترحه في هذا المقال المتواضع. اللهم ارحم شهداء الزلزال، وزلزل سُرّاق الوطن.. والسلام.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رضوان كسابي
باحث وكاتب مغربي
تحميل المزيد