لماذا تشتري البنوك المركزية الذهب بوتيرة سريعة؟ وهل يهدد ذلك الدولار كعملة عالمية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/18 الساعة 10:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/18 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش

في السنوات الأخيرة، جذب الذهب انتباه البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم، التي كانت تشتري الذهب بوتيرة قياسية، وفقاً لـ "مجلس الذهب العالمي" (WGC)، راكمت البنوك المركزية على مستوى العالم احتياطيات الذهب هذا العام بوتيرة لم تشهدها منذ عام 1967، عندما كان الدولار الأمريكي لا يزال مدعوماً بالمعدن الثمين. 

في الربع الأخير من عام 2022، ارتفع الطلب على الذهب بنسبة 28٪ على أساس سنوي، ليصل إلى 1,181 طن، وجاء جزء كبير من هذا الطلب من البنوك المركزية في العديد من دول العالم في الأشهر الأخيرة، مسجلاً رقماً قياسياً؛ مما رفع صافي مشتريات البنوك المركزية حتى الآن إلى 673 طناً.

لكن لماذا تشتري البنوك المركزية الكثير من الذهب؟ ما هي دوافعها وأهدافها؟ وما هي الآثار المترتبة على النظام النقدي العالمي والدولار الأمريكي؟

شراء الذهب مرتبط بالتنويع والاحتياط

أحد الأسباب الرئيسية وراء شراء البنوك المركزية في العالم للذهب هو تنويع احتياطياتها والتحوط ضد مخاطر العملة الخضراء "الدولار"، حيث تمتلك معظم البنوك المركزية جزءاً كبيراً من احتياطياتها بالدولار الأمريكي، وهي العملة الاحتياطية المهيمنة، ومع ذلك فإن الاحتفاظ بالكثير من الدولارات يعرضها لتقلبات الاقتصاد والسياسة النقدية الأمريكية، فضلاً عن الانخفاض المحتمل لقيمة الدولار بسبب التضخم أو عدم اليقين السياسي.


من ناحية أخرى، يُنظر إلى الذهب على أنه أصل أكثر استقراراً واستقلالية يمكنه الحفاظ على قوته الشرائية بمرور الوقت. كما أن الذهب أقل ارتباطاً بالأصول والعملات الأخرى، مما يعني أنه يمكن أن يقلل من التقلبات والمخاطر في محفظة البنك المركزي، وعلاوة على ذلك يمكن أن يعمل الذهب للتحوط ضد أسعار الفائدة السلبية، والتي أصبحت أكثر انتشاراً في بعض الاقتصادات المتقدمة في السنوات الأخيرة.

من بين كبار مشتري الذهب في الأشهر الأخيرة "تركيا وأوزبكستان والهند والصين وروسيا" وهذه البلدان لديها أوضاع اقتصادية وجيوسياسية مختلفة، لكنها تشترك في بعض العوامل المشتركة التي قد تفسر شهيتها لشراء الذهب، فعلى سبيل المثال واجهت تركيا ارتفاعاً في معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة وعدم الاستقرار السياسي لعدة سنوات، مما أدى إلى تآكل ثقتها بالدولار والعملات الورقية الأخرى.

كما تمر أوزبكستان بمرحلة انتقالية من اقتصاد مخطط مركزياً إلى اقتصاد قائم على السوق، الأمر الذي يتطلب منها تنويع مصادر دخلها وثروتها، والهند لديها تقارب ثقافي قوي للذهب وعجز كبير في الحساب الجاري يجعلها عرضة للصدمات الخارجية، وتسعى الصين وروسيا إلى تحقيق أهداف استراتيجية تتمثل في تقليل اعتمادها على الدولار وتحدي هيمنته في التجارة والتمويل العالميين.

هل اقتربت نهاية هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي/رويترز

شراء الذهب مرتبط بالثقة والمصداقية

سبب آخر لشراء البنوك المركزية للذهب هو تعزيز ثقتها ومصداقيتها في نظر جمهورها المحلي والدولي، ويُنظر إلى الذهب على نطاق واسع على أنه رمز للثروة والسلطة والسيادة من خلال زيادة حيازتها من الذهب، يمكن للبنوك المركزية أن تشير إلى قوتها واستقرارها لمواطنيها وأسواقها.

كما يمكن للذهب أيضاً أن يساعد البنوك المركزية في الحفاظ على نفوذها في الشؤون الإقليمية والعالمية، فعلى سبيل المثال كانت الصين وروسيا تدافعان عن نظام عالمي متعدد الأقطاب يتحدى الهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة، ومن خلال تجميع احتياطيات الذهب، يمكن لهذين البلدين دعم عملاتهما وأنظمة الدفع البديلة التي تتجاوز شبكة سويفت التي يهيمن عليها الدولار، ويمكنهما أيضاً من زيادة قوتهما التصويتية في المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، حيث يعتبر الذهب جزءاً من صيغة الحصص.

علاوة على ذلك يمكن أن يساعد الذهب البنوك المركزية على الاستعداد للأزمات أو الصراعات المحتملة التي قد تعطل الأداء الطبيعي للنظام المالي العالمي، في مثل هذه السيناريوهات يمكن للذهب توفير السيولة والأمن والمرونة للبنوك المركزية التي قد تواجه صعوبات في الوصول إلى الأصول الاحتياطية الأخرى أو استخدامها، ويمكن أن يكون الذهب أيضاً بمثابة أصل الملاذ الأخير الذي يمكن استخدامه لتسوية الديون أو الالتزامات بين البلدان.

تهديد للدولار؟

يثير الطلب المتزايد على الذهب من قبل البنوك المركزية بعض التساؤلات حول الدور المستقبلي للدولار كعملة احتياطية في العالم. هل هذا يعني أن البنوك المركزية تفقد الثقة في الدولار؟ هل هي تحاول تقويض مكانتها وقيمتها؟ وكيف سيؤثر ذلك على الاقتصاد الأمريكي وقيادته العالمية؟
الجواب ليس بهذه البساطة أو المباشرة. في حين أنه من الصحيح أن بعض البنوك المركزية قد يكون لديها دوافع سياسية أو استراتيجية لتقليل اعتمادها على الدولار أو تحديه، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنها تتخلى عنه تماماً أو تستبدله بالذهب.

ولا يزال الدولار يتمتع بالعديد من المزايا التي تجعله جذاباً ولا غنى عنه للتجارة والتمويل والاستثمار العالمي، وتشمل هذه السيولة والعمق والاستقرار والمقبولية والإطار القانوني.
علاوة على ذلك، فإن الذهب ليس بديلاً مثالياً للدولار أو أي عملة ورقية أخرى، فالذهب لديه بعض القيود التي تحد من استخدامه ووظيفته كمالٍ، على سبيل المثال الذهب نادر ومكلف للتخزين والنقل، ويصعب التحقق منه وتقسيمه، ويخضع لتقلب الأسعار والتلاعب بها، ويفتقر إلى إطار تنظيمي واضح.
لذلك من غير المحتمل أن تشتري البنوك المركزية الذهب بنية أو توقع استبدال الدولار بالذهب كعملة احتياطية عالمية، وبدلاً من ذلك، فإنها تشتري الذهب كمكمل لأصولها الاحتياطية الحالية، خاصة في أوقات عدم اليقين أو عدم الاستقرار، ويمكن أن يوفر لها الذهب بعض المزايا التي لا يمكن أن تقدمها الأصول الأخرى، مثل التنويع والتحوط والثقة والمصداقية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد