“سايكس- بيكو” فتحت لها الباب، وشركات النفط دعمتها.. كيف غزت كرة القدم الخليج العربي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/06 الساعة 08:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/06 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
منتخب العراق فاز بـ "خليجي 25" (رويترز)

انتهت مباراة نهائي كأس الخليج في دورته الخامسة والعشرين لسنة 2023 بفوز العراق على عُمان بثلاثة أهداف مقابل هدفين. ليتوج العراق بطلاً، ويحتفل العراقيون من أربيل إلى البصرة بمشاعر أخوية فريدة قد لا تتكرر في غيرها من المناسبات. 

في هذا المقال أجادل هنا أن هذا الفوز، في جوهره سياسي بحت. ولكن لماذا سياسي؟ هذا ما سوف أحاول أن أجيب عنه.

كيف شقت السياسة طريقها نحو الرياضة؟ ثم متى عرفت منطقة الشرق الأوسط كرة القدم؟ وكيف كان وقع هذه البطولة على نفس الفرد العراقي، وماذا يمكن أن تتمخض هذه البطولة المقامة عنه في محافظة البصرة على واقع العلاقات العراقية- الخليجية المفككة؟

"سايكس- بيكو" تنشر كرة القدم

رياضة كرة القدم لم تكن منتشرة في العراق، ومعه جميع جيرانه في منطقة الخليج العربي بشكل واسع إلا مع قدوم البريطانيين إلى منطقة الشرق الأوسط، من خلال اتفاقية "سايكس- بيكو". 

والتي بموجبها تم تقسيم مناطق النفوذ العثمانية، التي كانت فيما سبق إمارات تابعة لها. ففي نهاية القرن التاسع عشر، لم تكن كرة القدم "لعبة شعبية" يمارسها الجميع، (فمثلًا، ليس ثمةّ آنذاك حديث عن النساء بوصفهن متفرّجات أو لاعبات)، أو لعبة الطبقة العاملة كما أصبحت لاحقًا. وفي بداية الأمر، كانت النخبة الحضرية هي التي جلبت كرة القدم إلى عواصم الجنوب العالمي، ومن ثم إلى الشرق الأوسط أيضًا، سواء كنّا نتحدّث عن إسطنبول أو القاهرة أو طهران.

ولم تكن الغايات الاستعمارية تقتصر على ممارسة السيطرة الاقتصادية والسياسية على الأراضي المستعمَرة وأسواقها، بل كانت تهدف أيضًا إلى تصدير "التقدّم" والثقافة الأوروبية، التي تدّعي أنها متفوّقة، إلى المنطقة . 

ثم أن صفة التقدم والحداثة التي كانت بريطانية تخص نفسها بها على اعتبارها مبشرة بها في أواسط المجتمع الذي تحاول أن تستقر به، وعملية التبشير هذه يجب ترافقها محفزات تنطوي على مجموعة من القيم والمبادئ التي تبشر بها.

فلعبة كرة القدم بوصفها مظهر من مظاهر الحداثة الأوربية حملت معها إلى الشرق الأوسط والعراق على وجه الخصوص جميع هذه القيم منصهرة في جوهر لعبة كرة القدم نفسها. ثم أن استراتيجية التبشير التي استعملها البريطانيين، في محاولته تصدير القيم الغربية، لم تكن تقتصر ضمن أدوات القوة والإكراه فحسب، بل استعمل أيضًا "القوة الناعمة"، ليضفي بعُدًا ثقافياًّ في مشروعها لحكم البلدان المستعمَرة.

فكانت كرة القدم أوضح معالم هذه القيم والتي اعتبرت بمثابة منهج في سياسات القوى الناعمة. واستعملها البريطانيون في التقرب من مجتمعات المستعمرة في محاولة لفهم الطريقة التي تفكر فيها تلك المجتمعات تجاه البريطانيين.

أما بالنسبة للمقاربة الاستعمارية للثقافة والرياضة؛ ذلك أنّ المستعمِرين استعملوها لإثبات "تهذيبهم"، وينبغي القول أيضًا إنّ ثمة روحًا تربوية (بطريركية) تكمن خلف مهمّتهم.

وفي الوقت نفسه، استعُمِلت هذه المجالات بفعالية لتشتيت الكيانات المستعمَرة، وتهدئتها، والتحكّم فيها. ففي أحيان كثيرة، كما هي الحال في أفريقيا مثلاً، استعملت الإداراتُ الاستعمارية الرياضةَ، بتعبير أحد المسؤولين في هذا الإدارات، من أجل "منح السكان الأصليين مكاناً جذّاباً لقضاء أوقات فراغهم بطريقة بنّاءة ، وأنُشِئت كذلك إدارات رياضية محليّة من أجل التحكّم في تطوير الهياكل المستقلةّ والحدّ منها".

وقد كان الهدف الرئيس من ذلك هو تعليم السكان المحليين "القيم الأوروبية" المفترضة للانضباط (التي تتماشى، إلى حدّ بعيد، مع الروح العامة للمؤسسات التعليمية الفيكتورية)، واحترام السلطة الحاكمة؛ وهي السلطة الاستعمارية، بطبيعة الحال.

وهكذا، تمكّن السكان المحليون تدريجياً من ممارسة كرة القدم، في تلك الأجزاء الواقعة تحت السيطرة البريطانية من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكما هي الحال في أجزاء أخرى من الإمبراطورية البريطانية، كانت كرة القدم – إلى جانب القيم الاستعمارية المميّزة التي نقُلت إلى المنطقة – أداًةً مهمّة في السيطرة الاستعمارية من خلال النّظمُ التعليمية في المقام الأول.

لكن العكس هو الذي حدث في مستعمرات المستوطنين الفرنسيين والإيطاليين في المغرب العربي؛ إذ مثلّت كرة القدم وسيلة للتمييز بين المستعمِرين الأوروبيين والسكان المحليّين، وتعبيراً عن التفوّق الأوروبي في الوقت نفسه. 

أما بالنسبة لكرة القدم نفسها فلا يوجد تأكيد أو شهادة قوية تفيد أن كرة القدم كانت موجودة قبل أن يقدم البريطانيون إلى الشرق الأوسط إلا شهادة جندي بريطاني لم تعرف هويته. غير أنه شارك في لصق الصور الخاصة بكتاب يسرد مراحل دخول وتوغل الجنود البريطانيين في فلسطين، وغيرها من التفاصيل الخاصة بالحملة العسكرية إلى فلسطين. يقول إن لعبة كرة القدم كانت رائجة في البلاد قبل أن يصل إليها البريطانيون، إلا أنها حصلت على دفعة كبيرة في ظلّ سلطة أمة تعتبر موطناً لكرة القدم، وشهادة هذا الجندي مهمة جداً. وتحتاج أن يحقق بها على شكل مقال منفرد لا يسعني تناوله في سياق مقالنا هذا.

شركات النفط وسلاح الجو الملكي

عرف العراق والعراقيون كرة القدم على يد البريطانيين عندما عَمِل البريطانيون على إيصال كرة القدم إلى العراق، من خلال الإمبراطورية التجارية البريطانية. فقد خاض بحّارة السفن التجارية مباريات ضد فرق محلية في مدينة البصرة ، ومن خلال سلاح الجو الملكي الذي أدّى دوراً فاعلاً في انتشار هذه اللعبة في العراق.. أسهمت شركات النفط البريطانية في انتشار كرة القدم وترسيخها في العراق، كما أن عبارة فرق محلية في مدينة البصرة كانت تنظم مباريات مع فرق من البريطانيين البحارة وغيرهم من النازلين في موانئ مدينة البصرة أيضاً لهي دليل على أن كرة القدم سبقت مجيء البريطانيين إلى العراق.

في قاعدة الهنيدي جنوب بغداد (ستعرفَ، لاحقاً، باسم "معسكر الرشيد"). ولما كانت كرة القدم هواية مهمّة بالنسبة إلى الجنود في القاعدة، فإنه لن يكون مفاجئاً أنّ نادي القوة الجوية هو نادي كرة القدم الأول الذي أنشأه أعضاء في القوة الجوية العراقية عام 1931، بعد بضعة أسابيع من إنشائها هي نفسها. وفي موازاة القوى الجوية هناك الزوراء واللذان يعتبران معاً من الأندية رقم واحد على خارطة الأندية العراقية.

من هنا تبدأ قصة كرة القدم في العراق التي شهدت عملية ارتفاع وانخفاض كثيرة. هكذا بدأ كل شيء: أبناء ضابط سابق في الجيش البريطاني، وكاهن أرثوذكسي شرقي، وجندي آشوري هم الرجال الثلاثة الذين شكلوا اللبنة الأولية للمنتخب العراقي.

تم تشكيل الفريق العراقي للكرة مثل دولة العراق الحديثة، والتي تشكلت من الولايات العثمانية القديمة في بغداد والبصرة والموصل. كان هناك بيرسي لينسدال من بغداد، ونصف وسط بصراوي، سعيد عيشو، وآرام كرم المولود في الموصل. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

منتظر العطية
صحفي عراقي، وباحث في الشأن السياسي المحلي والإقليمي
وُلدت في بغداد، وعملت محرراً في عدة وسائل إعلامية، ومهتم بالأنثروبولوجيا الاجتماعية، وأكتب في الشأن السياسي.
تحميل المزيد