“الراسخون في العلم”.. هكذا يساعدنا البحث العلمي في إثبات صحة الأحاديث النبوية والآيات القرآنية

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/09 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/09 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
المخطوطات القرآنية / صورة تعبيرية

كان وسيبقى البحث العلمي المسؤول الأول والوحيد عن إثبات صحة وخطأ الأشياء، سواءً كانت هذه الأشياء معنوية أو مادية.
ولعلنا نسمع كثيراً عن مصطلح "الإعجاز العلمي"، وهو مصطلح قديم النشأة، وحديث النتائج، أي أنه نشأ وأُسِّسَ قديماً من قِبل علماء الإسلام والعلماء بصفة عامة، ليدرسوا جوانب الإعجاز في القرآن الكريم المُطهَّر والحديث النبوي الشريف، وحديث النتائج أي أنه يأخذ مخرجات البحث العلمي وأحدث نتائجه العلمية ليؤكد أن القرآن قد أتى بها مِن قَبل، وكذلك حديث رسول الله (ص).

وكلمة الإعجاز تختلف لفظياً واصطلاحياً عن لفظة المعجزة، فالإعجاز هو الإتيان بما هو في صالح الشيء الذي نبحث عن الإعجاز فيه، مثل القرآن الكريم المُطهَّر، والحديث النبوي الشريف، وهكذا، أما المعجزة فهي الشيء الخارق للطبيعة، والذي لا يحدث تلقائياً من قِبَل الطبيعة أو الشخص نفسه، مثلاً القمر يظهر ليلاً بدراً كاملاً أو في أي طور آخر من أطواره المختلفة، سليماً، كاملاً، لامعاً، من غير انشقاق.
ولكن عندما تحدى كفار قريش بمكة المكرمة الرسولَ (ص) كي يشق لهم القمر إذا كان صادقاً في رسالته، فانشق القمر بعد أن طلب الرسول محمد (ص) من ربه ذلك، والدليل على ذلك قوله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)، ويقول في ذلك ابن مسعود (رضي الله عنه): "لقد رأيت جبل حراء بين فلقتي القمر"، فهذه هي إحدى علامات الساعة، التي حدثت في عهد رسول الله محمد (ص)، لِذا فإنها معجزة مؤيدة وناصرة له، وكانت من قِبَل الطبيعة بواسطة الله (عز وجل)، وليس من قِبَل محمد (ص) نفسه، بل كان يدعو أن تحدث فقط، ولكن لم يتمكن من ذلك، يعني أن المعجزة هي شيء يحدث بأمر من مالك الطبيعة، لا منها بنفسها. 

ولعلَّ الرسوخ في العلم يلعب دوراً كبيراً في خشوع علماء ومحبي العلم، فكلما زادت قراءات الإنسان العاقل الراشد ذي العقل المتَّقد، زادت معه قدرته على الخشوع في آلاء الله الجسيمة التي لا تُعَدُ ولا تُحصَى، وهناك الكثير من القوانين الرياضية التي أُثبتت في القرآن الكريم، وغيرها، وهناك الكثير والكثير، حيث كلما زادت قراءاتك في القرآن الكريم بتدبرٍ وموعظةٍ، زادت روحانياتك الإيمانية، ولعّل أهم جملة في الإسلام، والتي بها يدخلُ المرءُ الإسلام، ومن دون الإيمان بها يكفرُ، هي قول "لا إله إلا الله"، وهي جملة لو تعلمون لعظيمة، فهي جملة تتكون من ثلاثة حروف فقط (الألف، واللام، والهاء)، بينت وظيفة الله وهي الربوبية (الله)، وبينت وحدانيته (لا إله سوى الله فقط)، وبها قصر بلا وإلا يفيد التوكيد، ومن هُنا ينشأُ التحدي، هل يستطيع أحد أن يأتي بجملة واحدة بها اسمه، ووظيفته، وتفرده، وحالته، وصفته معاً، وتتكون من ثلاثة حروف فقط؟! فسبحان الله، ومِن يبدأ الخشوع، وصدق الله (عز وجل) فيما قال: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا * وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)، أي أن ذوي الألباب المتقدة هم فقط من يصدقون ويعتبرون ويخشعون. 

المعجزة والإعجاز لغةً واصطلاحاً 

المعجزة لغةً هي اسم فاعل من الإعجاز، والإعجاز مصدر للفعل أعجَز. أما الإعجاز لغةً فهو الفوت والسَبق، يقال أعجزني فلان، أي فاتني. وذكر الزبيدي عن الليث قال: "أعجزني فلان: إذا عجزت عن طلبه وإدراكه"، وقال الراغب الأصفهاني: "أعجزت فلان وعجّزته وعاجزته، أي جعلته عاجزاً". ولفظة المعجزة اصطلاحاً فهي أمر خارق للعادة مقرون بتحدٍ سالم عن المعارضة يظهره الله على يد رسله. ويقول الدكتور حيدر بن عبد العزيز الكيلاني: "المعجزة أمر خارق للسنّة التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الكون ولا تخضع للأسباب والمُسبِّبَات، ولا يمكن لأحد أن يصل إليها عن طريق الجهد الشخصي والكسب الذاتي"، وأما عن لفظة الإعجاز اصطلاحاً فهو ضعف القدرة الإنسانية في محاولة المعجزة ومزاولتها.

ومِن هُنا نقول إن مصطلح "إعجاز القرآن الكريم" هو إثبات لصدق سيدنا محمد (ص) في رسالته، وبيان مدى عجز العرب الذين برعوا في الشعر آنذاك على الإتيان بمثل هذا القرآن المُعظَّم، سواءً كان في لغته وبيانه وبلاغته وعلمه وتنبؤاته وغيره، والدليل على ذلك قوله تعالى: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ). 

دور البحث العلمي في إثبات صحة الأحاديث النبوية

للبحث العلمي الفضل في إثبات عددٍ لا بأس به من كلام رسولنا محمد (ص)، مثل حديثه الذي يقول فيه: "طُهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ"، وقد أجريت الدراسات العلمية على خلق وتصنيع مادة كيماوية قادرة على غسل الإناء هذا إن حدث فيه ما حدث من ولغ الكلب فيه، ومن ثم وبالتبعية فحصه بالمُجهِر حتى يرى الباحثون مدى نسبة نظافته، وكانت نسبة نظافته سيئة ورديئة، ولم تصل إلى النسبة المَرجُوة، وحاول الباحثون إعادة تصنيع مادة أخرى قادرة على تنظيف أي شيء بنسبة كبيرة من نفس الشيء عما كان عليه هذا الشيء قبل تنظيفه، وكانت هذه المادة الثانية الأكثر تطوراً لها القدرة على قتل الجراثيم والميكروبات بنسبة كبيرة جداً، وقاموا بغسل الإناء الذي وَلَغَ فيه الكلب، فلم يرجع إلى ما كان عليه قبل أن يلِغَ الكلبُ فيه، ولكن عندما طبَّقَ الباحثون حديث الرسول محمد (ص)، وقاموا بغسله بالتراب سبع مراتٍ، ثم عالجوه بالمادة الكيماوية الأولى الأضعف في قدرتها على التنظيف من المواد الأخرى الأكثر قدرة على التنظيف، فكانت المفاجأة أن الإناء عادَ نظيفاً كما كان، بل وأفضل من نسبة نظافته حتى قبل أن يلِغَ الكلبُ فيه. ومِن المُثبَت علمياً أنَّ التراب قد أثارَ الجدلَ بعد هذه التجارب التي أُجريت عليه، وبعد ذلك قد ثَبُتَ أنَّ التراب هو أفضل مادة معقمة موجودة في الطبيعة على الإطلاق، وهو أفضل مادة أيضاً في تعقيم وإزالة الشوائب من الماء، وهذا دليل على أنَّ الترابَ هو المُنظِفُ الطبيعي، الذي أمرنا رسول الله محمد (ص) أن نُنظِفَ به الإناء والأشياء في حالةِ أن ولغَ فيها كلبٌ أو وُسِخَ بشيء نَجِسٌ وغيره، ومن هنا نخرج بفائدة وهي أن العلم والبحث العلمي ساعد بنسبة مئة بالمئة في وضع ورسم التجارب التي ساعدت في عمل دراسات وفحوصات معملية على هذا الإناء، وبدون البحث العلمي لم نكنْ لنكتشف صِدقَ كلامِ رسول الله محمد (ص)، وأن العلم والبحث العلمي هما السبيل الوحيد لحل كل المشكلات ودحض كل الشبهات في الأحاديث والآيات، وهما الطريق المنير لعتمة وظلام الجهل، ليخلصانا منه. 

دور البحث العلمي في إثبات صحة الآيات القرآنية    

من المهم أيضاً لنُشِير إليه أن القرآن الكريم مليء بأسرار الكون بأسره، وللبحث العلمي دوراً فعَّالاً ومُهِمَاً في إثبات ما ورد بالقرآن الكريم، وهناك مئات الأبحاث التي أُجريت على آيات القرآن الكريم المُطهَر لنثبت بذلك مدى صحته، ولعَلَّ أفضلها إلى قلبنا نحن- كاتب المقالة- هو الإعجاز العلمي في قوله تعالى: (وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ)، وهي أن من يردْ الله (عز وجل) أن يجعل صدره ضيقاً عليه مثل الشخص الذي يصَّعدُ في السماء، لأنه من المعروف أن نسبة الأكسجين على سطح الأرض تبلغ حوالي 21%، ومن الدراسات والأبحاث العلمية، التي أُجريت على الأكسجين في الغلاف الجوي من خلال إجراء تجارب وفحوصات عن طريق تصميمها في أُطر البحث العلمي المختلفة، كانت دراسة نقصان نسبة الأوكسجين في الجو كلما ارتفعنا لأعلى، أي أن القدرة على التنفس تقل، ويجد المُتصعِّدُ في السماء، أي للأعلى، صعوبة بالغة في التنفس، ومِن ثَمَّ يضيق صدره تنفُسِياً، وقد شبَّه الله (عز وجل) حال هؤلاء الذين يضلهم سبحانه وتعالى بمن يضيق صدره، لأنه يَصَعَّدُ في السماء، أي باتجاه السماء، أي إلى أعلى وهكذا، وهذا تشبيه قرآني جميل يعكس مدى قدرة الله (عز وجل) على التشبيه البلاغي، الأكثر توكيداً، والأسلم قولاً، ومِن هُنا نقول إن القرآن الكريم مليء بالقيم العلمية القويمة، وهكذا الأحاديث النبوية، والتي يتمُّ إثباتها يوماً بعد يوم عن طريق التجارب والفحوصات والكشوفات المختلفة، وكما أنَّ البحث العلمي يثبتُ لنا صحة قول الرسول محمد (ص) وقول الله (عز وجل)، فإنه يثبت لنا يوماً بعد يوم مدى أهميته في نهضة الشعوب وقيام الحضارات المختلفة، ولن يزداد خشوعنا وإيماننا بالقرآن إلا بعد أن نعطي البحث العلمي حقه ونهتم به حتى يثبت للمشككين في ديننا وقرآننا أن القرآن حق، والحديث النبوي حق، وأن الله حق. 

خاتمة 

سيبقى المصحف، هذا الكتاب المبين، الكتاب الذي يحوي ستةَ آلافٍ ومِئتيّن وستٍ وثلاثيِن آية، الكتاب المُقسَّم إلى ثلاثين جُزءاً، الكتاب الذي ينبضُ بكل حرفٍ كُتِبَ فيه، ويتنفس بكل آياته، هذا الكتاب الموضوع أعلى رصيصٍ من كتب أحدهم في مكتبته، سيبقى مصدر كل اكتشاف، ودليل كل مرجع، ونور كل حقيقة، سيبقى هو نبضُ الحياةِ، وسيبقى سره وسر صياغته سراً غيرَ معروفٍ، ولن يُعرف قَطْ، سيبقى هو سرُّ الكونِ بأسرِه، وما حدثَ في ماضيه، وما يحدثُ في حاضره، وما سيحدثُ في مستقبله، بكل تفصيلة صغيرةٍ كانت أو كبيرة، إلي أن يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها، فلو أردنا التجهز والاستعداد لأي شيءٍ سيحدثُ في المستقبلِ، فعلينا التجهز بآياته، وما يخرجه لنا الباحثون من اكتشافات علمية موجودة في هذا القرآن الكريم بناءً على الاعتماد على البحث العلمي في إثبات ذلك. 

تكمن خلاصة مقالتنا هذه في أن البحث العلمي يدخل في كل شيء، كل شيء حرفياً، في القرآن الكريم ليثبت مدى ربوبية كاتبه، ومدى صدق المُنَزَلُ عليه، سيدنا محمد (ص)، وحتى الملبس الذي تلبسه، دخل البحث العلمي فيه بشكل غير مباشر عن طريق تجهيز الماكينات هندسياً عن طريق قوانين البحث العلمي والهندسة وغيره لتصنيع هذا الملبس، وحتى الدواء وتطويره مبنيُّ على أساس الاكتشافات العلمية الجديدة التي يتبناها لنا البحث العلمي، فلو أردنا أن نهاجم أصحاب الآراء الكافرة ودحض شبهاتهم، فعلينا أن نهتم بالبحث العلمي، حتى نُجري التجارب لنثبت مدى صدق الدين، والقرآن الكريم، والسنة النبوية. العلم، ثم العلم، ثم العلم، ثم الحياة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

متولي حمزة
مدوّن مصري