5 أحداث سياسية هزَّت المجتمع التونسي ومزقت وحدته في عام 2021

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/27 الساعة 09:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/30 الساعة 09:42 بتوقيت غرينتش

كانت 2021 سنة استثنائية على كل المقاييس بالنسبة لتونس، حيث انطلقت بأزمة شاملة سواء على المستوى الصحّي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو السياسي، وسأحاول في هذا المقال رصد أهم 5 محطات عرفتها البلاد، خلال هذه السنة والتي ستبقى بلا شكّ محفورة في تاريخها.

1- أزمة اليمين الدستورية

أجرى رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي في بداية شهر يناير/كانون الثاني، تحويراً وزارياً واسعاً شمل الحقائب الوزارية المحسوبة على رئيس الجمهورية قيس سعيد، وذلك بمباركة الحزام البرلماني المساند الذي سعى إلى تحجيم نفوذ رئيسٍ أراد توسيع صلاحياته من خارج الدستور، وابتلاع السلطة التنفيذية بقوة الأمر الواقع.

تحوير وزاري استهدف كلّ الوزراء الذين فرضهم الديوان الرئاسي خلال مشاورات تشكيل الحكومة ، فكانت إقالة وزير الثقافة وليد الزيدي ثم إعفاء وزير الداخلية توفيق شرف الدين (يوصف بأنه عين رئيس الجمهورية في الحكومة)، ثم كانت ضربة الراعي بلغة الشطرنج، عبر التحوير الوزاري  بإعفاء 9 وزراء  جميعهم يدينون بالولاء لقصر قرطاج.

تحوير وزاري رفضه قيس سعيد مؤكداً في مجلس الأمن القومي (الذي سبق الجلسة البرلمانية للمصادقة على التعديل) في كلمة شديدة اللهجة، أنّه لن يقبل بهذا التحوير المخالف لنص الدستور وفق تقديره، باعتبار أن 4 وزراء تتعلّق بهم شبهات تضارب مصالح وفساد، علاوة على عدم دستورية مرور التحوير الوزاري على البرلمان، إذ وظّف الرئيس تكوينه الأكاديمي في مجال القانون الدستوري لاجتراح "فتاوى" دستورية "غريبة" يفرضها قسراً على الجميع مع غياب المحكمة الدستورية (تعطّل تركيزها لغياب التوافق البرلماني) مما جعله في وضعية المؤول الرسمي الوحيد للدستور.

تعنت سعيد برفضه قبول أي صيغة لحلحلة الأزمة السياسية أو الدخول في تسويات مع رئيس الحكومة، حيث رفض بشكل قطعي استقبال الوزراء لأداء القسم الحكومي، كما ينص على ذلك النص الدستوري، بل رفض حتى استبدالهم بأسماء أخرى، مما أكد بشكل جلي جنوحه نحو التصعيد؛ وهو ما اتضح خلال سفره إلى القاهرة في زيارة رسمية بعد دعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي اقتنص بشكل مكيافيلي قطيعة نظيره التونسي مع الإسلاميين لتحريضه على التصادم مع خصومه وربما حتّى تقديم الاستشارة اللازمة باعتبار خبرة الجنرال المصري في الانقلابات، وهو ما أكدته وثائق منسوبة للمخابرات المصرية مصنّفة "سرّي للغاية" وممهورة بختم رئيسها عباس كامل نشرتها منذ أيام صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك  تحت اسم "ويكيليكس عربي" فيما لم تعلق الرئاسة التونسية حول ما نُسب لها من اتصالات تنسيقية مع أطراف مخابراتية مصرية تحضيراً للحظة 25 يوليو/تموز وتفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي بشكل انقلابي.

2- زيارة قيس سعيد إلى القاهرة

قام رئيس الجمهورية قيس سعيد بزيارة رسمية 3 أيام إلى القاهرة يوم 9 أبريل/نيسان، زيارة أثارت جدلاً كبيراً بالنظر إلى حفاوة الجانب المصري بروتوكولياً بالضيف، والتماهي الذي أظهره الرئيس التونسي مع الموقف المصري خاصة في ملف سد النهضة الإثيوبي والدعم غير المشروط  لمصر في قضيتها التي وصفها بالعادلة.

موقع almonitor الأمريكي رجّح أن تكون زيارة قيس سعيد إلى مصر مندرجة في إطار سياق بحثه عن أوراق جديدة في معركته الداخلية مع حركة النهضة التي تقود الحزام السياسي الداعم لحكومة المشيشي، حيث ناقش مع نظيره المصري الملفّ الأمني ومحاربة الإرهاب والتطرف، فتصريح السيسي أشار ضمنياً لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر منذ سنة 2013 بعد الانقلاب الدموي.

واعتبر التقرير أن الرئيس التونسي قيس سعيد استغل هذا الموقف لتدويل خلافه  الداخلي مع حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، حيث ظهر سعيد وكأنّه يطلب الدعم من الرئيس المصري في هذا الملف؛ وهو ما يمكن أن يعمِّق الفجوة مستقبلاً بين الرئيس التونسي وحركة النهضة.

مخرجات زيارة الرئيس التونسي إلى مصر تُرجمت بشكل سريع على أرض الواقع؛ فبعد يوم واحد من عودته إلى تونس أكد قيس سعيد أن رئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والأمنية والمدنية ولكل الأسلاك التي وردت في القانون المتعلق بالقوات المسلحة، وذلك في كلمته التي ألقاها في قصر قرطاج بمناسبة العيد الوطني لقوات الأمن الداخلي، بحضور قيادات أمنية ورئيس البرلمان راشد الغنوشي ورئيس الحكومة هشام المشيشي؛ وهو ما فُهم على أنه محاولة لتجاوز جديد للنص الدستوري ولاستمالة القوة الصلبة تحضيراً لمعركة سياسية قادمة.

3- بوادر انفجار اجتماعي وتفعيل الفصل 80

تسبب رفض رئيس الجمهورية استقبال الوزراء المقترحين في إطار التحوير الوزاري لأداء اليمين الدستورية  في فراغ حكومي انعكس سلباً وبشكل ملحوظ على أداء حكومة المشيشي، وهو أداء كان من الضعف بمكان حيث فشلت وزارة الصحة في احتواء موجة فيروس كورونا التي ضربت البلاد منذ شهر يونيو/حزيران لتسجل البلاد أعلى حصيلة للوفيات منذ ظهور الوباء مع انهيار المنظومة الصحية في البلاد.

كارثة صحية رافقها استفحال في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وعطالة سياسية ساعدت في تأجيج "لهيب" الشارع؛ حيث عرفت تونس صباح 25 يوليو/تموز بعض أعمال الشغب التي استهدفت مقرات حركة النهضة في العديد من المحافظات، بعد أسابيع من التحشيد الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي وهو تحشيد يعكس اختراقاً سيبرانياً منظماً؛ الأمر الذي رجّحته العديد من التقارير الصحفية الغربية..

وبعد يوم ساخن عاشت فيه تونس على وقع أعمال شغب أعلن الرئيس سعيد مساء ذات اليوم، خلال اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية، عن تفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي وتوليه السلطة التنفيذية بعد إعفاء رئيس الحكومة، بالإضافة إلى تعليق اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب.

إجراءات سعيد كانت بمثابة الزلزال السياسي؛ فلئن استقبلها الشارع التونسي بارتياح، فإنها قد مثلت ضربة موجعة للطبقة السياسية والحزام البرلماني الداعم للحكومة.

إجراءات سعيد الاستثنائية والتي وُصفت بالانقلاب الدستوري خلّفت العديد من الردود على المستوى الدولي، غير أن هذه الردود الدبلوماسية المعتادة والتي تلي أي تحوّل سياسي في أي مكان في العالم، لم تغيِّر من الواقع شيئاً، ولم تثنِ سعيد عن مواصلة مساره الذي يستهدف المنظومة الحزبية برمتها، بغية تركيز مداميك نظام مجالسي يقطع مع الديمقراطية التمثيلية.

4- المرسوم 117

بعد أكثر من شهرين على استئثاره بالسلطة وانقلابه على الدستور أصدر الرئيس قيس سعيد يوم 22 سبتمبر/أيلول 2021 أمراً رئاسياً عُرف بالمرسوم 117 وهو الإطار القانوني للإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها سابقاً.

وبمقتضى هذا الأمر تم تعليق أغلب أبواب الدستور التونسي ومواده، حيث جمّع سعيد كل السلطات بشكل فردي، متجاهلاً كل القوى السياسية والمدنية والاجتماعية، بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل أقوى التجمعات النقابية في البلاد.

5- خارطة الطريق

أمام الضغوط الدولية وخاصة من مجموعة الـ7 والخارجية الأمريكية فوجد قيس سعيد نفسه مجبراً على تقديم خارطة طريق  يوم 13 ديسمبر/كانون الأول وتضمنت 7 نقاط لإنهاء حالة الاستثناء، ومن أهم هذه النقاط  تنظيم استفتاء وطني حول إصلاحات دستورية في 25 يوليو/تموز المقبل، بالإضافة إلى إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022. كما كشف عن تنظيم مشاورات "شعبية" عبر الإنترنت بداية من يناير/كانون الثاني القادم بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على النظام السياسي القائم بالبلاد.

وانطلاقاً من الجدول الزمني الذي حدَّده سعيد ستكون سنة 2022 سنة مفصلية في تاريخ تونس، كما ستكون سنة "الحقيقة" بالنسبة للرئيس التونسي ومشروعه السياسي ومستقبل الديمقراطية في البلاد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

طارق عمراني
كاتب وصحفي تونسي
تحميل المزيد