أنجبته من قلبي.. بعد بحث دام سنتين قصتي في تبنّي طفل وكيف أزلت الحرج الشرعي؟

عدد القراءات
984
عربي بوست
تم النشر: 2021/11/09 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/09 الساعة 11:13 بتوقيت غرينتش
رولا علوش صاحبة التجربة مع عائلتها /عربي بوست

في بداية زواجي.. صادفني منشور على إنستغرام لسيدة كويتية مريحة الملامح جميلة اسمها صفاء الفيلكاوي، تتحدث في صفحتها عن ابنها محمد الصغير جداً آنذاك والذي قررت احتضانه.. لفتني فيها بساطتها في التعبير عن القصة، ألهمتني وقتها وكثيراً ما فكرت ماذا لو سنحت لي الفرصة؟ هل سأختار قراراً شجاعاً كما فعلت صفاء؟

بعد 3 أعوام من زواجنا اتخذنا قراراً مشتركاً أنا ومحمد زوجي بأنه إن قدر الله لنا الأمومة والأبوة بطريقة الاحتضان فليكن! بحثت في العديد من الأماكن وتواصلت مع كثير من المؤسسات  لكن لا جدوى، أذكر مرة اتصلت بمركز للأيتام السوريين فصرخت في وجهي مديرته قائلة: "لا ابحثي لوحدك أنا لن متفرغة لأساعدك".


  آنذاك أذكر أنني كنت في صراع مع نفسي هل علي أن أكمل هذه الرحلة؟ فالأبواب  كانت مغلقة، ولا أنسى ذاك اليوم الذي خرجنا فيه من دار تركية لرعاية الأطفال وقد كانت إجابتهم أنه من شبه المستحيل أن تكون لنا فرصة، حيث إن عدد الأطفال 90 بينما عدد العائلات التي تنتظر 300!

 أخبرتني أنه يتوجب علي الانتظار ربما أربع أو خمس سنوات لاحقة إن حالفني الحظ!

 خرجت من الدار وانهرت بكاء في السيارة.. كان يوماً قاسياً بكل ما فيه، بعد أن تعافيت،  قمت بوضع آخر أمل في صندوق أدعيتي وقلت يا رب امنحني تقبلاً "وعوضاً"، أرضني بكل هذه الأقدار.

لم تمض شهور قليلة حتى حملت أختي، وقتها تأكدت أن هناك أملاً، نعم أختي سترضعه، هكذا حدثت نفسي.

بعض اللحظات في حياتنا تشعر فيها بيقين يثلج قلبك وثقة كبيرة أنه ما تريده سيتحقق، أعتقد أن هذه اللحظات كانت الأهم في حياتي حين شعرت وقتها أني حقاً جاهزة لهذه التجربة.

في مايو/أيار 2020، بعد ولادة أختي بستة أشهر، كانت تعيش مدينة إسطنبول حظراً مشدداً وإقفالاً عاماً في أواخر ليالي رمضان بسبب فيروس كورونا.

قررت التسجيل في اختبارات الماجستير، سألت نفسي هل أنت متأكدة يا رولا؟ حظر وصيام ودراسة؟ لكني نعم، قلت نعم، وأذكر في هذا العيد كيف كانت إجراءات الحظر مشددة جداً حتى أنني لم أر عائلتي ولم نزر أحداً أبداً، لكن المفاجأة كانت باتصال من إحدى المؤسسات تخبرنا بوجود طفل عمره 8 شهور يمكننا البدء في إجراءات احتضانه، فكان عيدنا هو أنس. 

لم تكن بداية التجربة وردية وسهلة، اضطراب نوم، بكاء أنس الدائم، والكثير من التحديات لي لأني لم أعتد العناية بطفل عمره 8 شهور فقط، أنس ضرب بعرض الحائط كل عاداتي، لكن منحني قلبه.

لا شك أني كنت أعتقد أن من أكبر التحديات التي واجهتها كانت أن لا يتقبل أهلي ومجتمعي اختياري، لكني اخترت أن أتقبل أنا وزوجي وحسب، لكن بعد احتضان أنس التحدي كان أن أعتاد على دور الأمومة الجديد، امرأة كان كل وقتها ملكها موزعاً ما بين الدراسة والعمل والأصدقاء، والحدث جاء بشكل غير متوقع، لا يوجد 9 شهور لأتهيأ لهذا الدور الجديد.

أنا وأنس

كثير من الأحيان تكون مخاوفنا أكبر بكثير من الواقع، خفت من تقبل الأهل، لكني وجدت دعماً منقطع النظير من الأهل والمجتمع، خفت من الأوراق وصعوبة هذه القضية في بلد مثل تركيا، فكان نصيبنا محامية ذكية  أوجدت حلولاً لكل شيء، صدقت في الطلب  فجاء التيسير مثل نهر سلس عذب.

أرضعت أختي أروى أنس 5 رضعات مشبعات، وكانت هذه الرضعات تنزل في بطن أنس حليباً وفي قلبي يقيناً أكبر أن الله لا يخيب أحداً.

ما هذا الترتيب الجميل في التوقيت، بعد بحث سنتين لاحتضان طفل  تحمل أختي فتهديني الحياة أنس لترضعه أروى! وبهذه الرضاعة أزلت الحرج الشرعي عني وعن أهلي من ناحية التحجب من أنس عندما يكبر.

أنا فخورة بأنس أنه طفل محتضن وهذا الشعور يصله دائماً، أقول له كل يوم أنس أنت أتيت من قلبي فيضحك، في عمر 3 سنوات ونصف ستبدأ رحلتي في  توصيل معلومات جديدة لأنس عن الاحتضان من خلال قصص مخصصة للأطفال المحتضنين ومن خلال رواية قصته الحقيقية له.

سيكبر أنس ويعرف أنه طفل مميز، اختاره الله لنا لسبب، وهذا بالطبع الإجراء النفسي الأمثل للطفل المحتضن، حتى لا يشعر بأي تغيير أو صدمة في أي عمر بالمستقبل.

تعلمت من أنس أن الأمومة ليست طعاماً وشراباً بقدر ما هي مشاعر وعناية به كإنسان يشعر، هذا الطفل الصغير البريء محتاج لقلبك، واهتمامك ووقتك وصبرك وضميرك، وليس فقط سرير وشوكولاته.

يعلمني أنس الفرح كل يوم، يعلمني أن أستمتع بأبسط الأشياء حتى لو كان انعكاس ظله على الأرض، امتلأ بيتنا أقلاماً ملونة وحيطاناً ملونة أيضاً، وكلمات معكوسة كأن يقول بؤشر على السماء ويقول (بضاض) بدل ضباب أو (بوكوكالي) على اللون البرتقالي  فتتعالى الضحكات في بيتنا.

في بيتي الكثير من الألعاب والفوضى الجميلة المحببة، طبعات أيدي أنس على كل الأبواب تجعلني أبتسم كلما رأيتها، بيت  مليء بالضحكات العفوية الحقيقية الطفولية، أكتب هذا المقال وأنس في حضني ويقول (ماما بقلبي) أي دعيني أجلس بقلبك، ثم يضمني ويمسح على شعري بلطف.. وفي قلبي أقول لا أدري حقاً يا حبيبي من منا يحتاج الثاني أكثر؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رولا علوش
اختصاصية تغذية
رولا علوش، مهندسة غذائية وحالياً طالبة ماجستير في تخصص التغذية والحميات في إسطنبول. مهتمة بمجال الوعي الصحي الإنساني وارتباطه بجودة الحياة، ولي برامج ومشاركات إعلامية في المجال الصحي الغذائي.
تحميل المزيد