أزمة الطاقة في الصين.. كيف تشعر بكين بالخطر، وهل تنجو من أيامها العصيبة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/23 الساعة 08:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/23 الساعة 08:41 بتوقيت غرينتش
محطات إنتاج الطاقة في الصين/ رويترز

بدأت أزمة الطاقة في الصين تضرب الناس في أماكن إقامتهم، مما يضيف خطر عدم الاستقرار الاجتماعي إلى التباطؤ الاقتصادي واضطرابات سلسلة التوريد العالمية.

وإن الحملة على استهلاك الطاقة مدفوعة بزيادة الطلب على الكهرباء وارتفاع أسعار الفحم والغاز، بالإضافة إلى أهداف صارمة من بكين لخفض الانبعاثات، تأتي آثارها أولاً إلى الصناعات التحويلية العملاقة في البلاد؛ من مصاهر الألمنيوم إلى منتجي المنسوجات ومصانع معالجة فول الصويا، ويتم توجيه الأوامر إلى المصانع للحد من النشاط أو في بعض الحالات إغلاقها تماماً. 

والواقع أن ما يقرب من نصف مناطق الصين غابت عن أهداف استهلاك الطاقة التي حددتها بكين، وهي الآن تتعرض لضغوط لكبح استخدام الطاقة. ومن بين الأكثر تضرراً جيانغسو وتشجيانغ وغوانغدونغ، وهي ثلاث قوى صناعية تمثل ما يقرب من ثلث اقتصاد الصين.

أسباب أزمة الطاقة في الصين

ولكن أزمة الطاقة في الصين هي جزئياً من صنعها في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس شي جين بينغ ضمان سماء زرقاء في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في فبراير/شباط المقبل، وليظهر للمجتمع الدولي أنه جاد في إزالة الكربون من الاقتصاد. 

ويتعرض الاقتصاد لخطر النقص الحاد في الفحم والغاز- المستخدمين لتدفئة المنازل ومصانع الطاقة- هذا الشتاء. وكان على الصين تقنين الطاقة في الأشهر الباردة السابقة ولم يكن عليها أن تفعل ذلك مع الأسعار العالمية للوقود عند المستويات التي هي عليها الآن. 

وقد أمرت الصين بعض المقاطعات بإجراء تخفيضات صناعية من أجل تحقيق أهداف الانبعاثات وكثافة الطاقة، في حين تواجه مقاطعات أخرى نقصاً فعلياً في الكهرباء، لأن تكاليف الفحم والغاز الطبيعي المرتفعة والمولدات تسبب إبطاء الإنتاج وسط ارتفاع الطلب.

وأصدرت إدارة الطاقة في مقاطعة جوانغدونغ إشعاراً يدعو جميع مناحي المجتمع إلى التدخل لمنع الانقطاعات على نطاق واسع. وقالت إنه تم بالفعل تنفيذ تخفيضات كبيرة في المصانع، والآن تطلب من موظفي المكاتب استخدام السلالم في الطوابق الثلاثة الأولى، ومراكز التسوق لاستهلاك أقل، وأن تستخدم المنازل الضوء الطبيعي قدر الإمكان، وإبقاء مكيفات الهواء فوق 26 درجة مئوية. 

ويراقب محللو الطاقة والاقتصاد في جميع أنحاء العالم الآن كيف تخطط بكين لمعالجة النقص الناجم عن زيادة الطلب وارتفاع أسعار الفحم وأهداف الرئيس شي جين بينغ المناخية.

الصين تواجه أزمة في الكهرباء/ رويترز

وتشهد الصين انتعاشاً قوياً في الصادرات، تكثف بسبب الطلبات الموسمية لعيد الميلاد، مما دفع المصانع إلى تمديد ساعات عملها وزيادة استهلاك الطاقة. كما أدى الطقس الحار هذا الصيف إلى زيادة استخدام الطاقة السكنية، خاصة في مقاطعة جوانغدونغ الساحلية.

وقد دفعت جائحة كورونا الصين إلى أن تصبح المصنع العالمي مرة أخرى. لذلك على الرغم من أن محطات الطاقة التقليدية تعمل بكامل طاقتها، فإنه لا يمكنها تلبية الطلب على الكهرباء.

وأدت القيود التي فرضتها الصين على تعدين الفحم لأسباب بيئية، فضلاً عن الأمطار الغزيرة في إندونيسيا، إلى تعطيل إنتاج الفحم، مما أدى إلى ارتفاع سعره. ونظراً لرقابة الصين الصارمة على أسعار الكهرباء، بالنسبة للعديد من محطات توليد الطاقة، فإن أسعار الفحم المرتفعة تعني أن تشغيلها أمر غير مربح أو حتى من خسارة العمل.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قررت الصين أيضاً وقف استيراد الفحم من أستراليا بسبب الخلافات السياسية. وعلى الرغم من أن الصين تمكنت من تعويض بعض الفراغ الناجم عن مقاطعتها من خلال الاستيراد من دول مثل الولايات المتحدة، إلا أنها اضطرت إلى دفع أسعار أعلى مقابل ذلك بسبب طول مسافة النقل.

وخلال شهر أغسطس/آب من هذا العام، استوردت الصين فحماً أقل بنسبة 10% مما استوردته في العام الماضي.

والسبب الثالث لأزمة الطاقة هو أهداف المناخ. وجادل العديد من محللي الطاقة بأن هذا سبب ثانوي مقارنة بالعوامل الأخرى التي تقود أزمة الطاقة. ولكن في بلد يُقاس فيه المسؤولون المحليون في الغالب على قدرتهم على تحقيق أهداف الدولة، لا يمكن تجاهل الضغط الذي تمارسه بكين على المقاطعات لتحقيق أهداف الطاقة.

وبدأت الصين الآن في اتخاذ عدة خطوات لإصلاح أزمة الكهرباء. وفي هذا الصدد وضعت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الخطط، وهي تشمل زيادة منتظمة في واردات الفحم، وضمان توليد الطاقة لمحطات الفحم والغاز، وحث المصانع على إعداد قوائم جرد الفحم قبل الشتاء إلى أعلى من "مستويات الأمان"، والسماح للأسعار بعكس الطلب والتكاليف.

وقد تنظر البلاد في رفع أسعار الطاقة للمستخدمين الصناعيين أو حتى السكنيين، وفقاً لوكالة بلومبرغ، وربما ربط التعريفات بسعر الفحم.

وحددت الصين أيضاً هدفاً يتمثل في زيادة حصة الوقود غير الأحفوري، مثل الرياح والطاقة الكهرومائية، في توليد الطاقة الأولية إلى 25% بحلول عام 2030. ولكن نظراً لأن هذه الطاقات تعتمد بشكل كبير على الظروف الجوية، وحتى تتواجد البنية التحتية للتخزين والنقل ذات الصلة، فلن تكون الصين قادرة على استبدال الفحم كمصدر ثابت لتوليد الطاقة في المستقبل المنظور.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ألطاف موتي
باحث اقتصادي باكستاني
عضو اللجنة الدائمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات، واتحاد غرف التجارة والصناعة الباكستانية كراتشي، باكستان. باحث سياسي واقتصادي، ومستشار الهيئات التجارية الحكومية وغير الحكومية، ورئيس شبكة التعليم في باكستان.
تحميل المزيد