مناورات من بوتين وضغط من أردوغان وإدلب على الطاولة.. تفاصيل قمة سوتشي

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/30 الساعة 09:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/30 الساعة 15:02 بتوقيت غرينتش
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي - رويترز

أذكر أنه قبل سنوات حدثني أحد الدبلوماسيين الأتراك عن صعوبة التعامل والتفاوض مع الروس، وقال: "أولاً يقومون بتنحية حصصهم ومصالحهم عن أية مفاوضات ولا يلمسونها، ثم يحاولون أخذ ما يستطيعون من خلال التفاوض على ما دون ذلك".

بالنسبة لي، أعتقد أن أقوى نقاط القوة بيد تركيا خلال "المفاوضات الصعبة" في قمة سوتشي مع الروس، هي أن الرئيس أردوغان أيضاً "مفاوض صعب" يعرف كيف يستخدم أوراقه الرابحة بشكل مناسب.

التقى بالأمس الرئيس التركي أردوغان مع نظيره الروسي بوتين في مدينة سوتشي، في قمة رئاسية مهمة للغاية.

بوتين قال في بداية اللقاء: "اجتماعاتنا مع أردوغان لا تسير دائماً بشكل سلس، ومع ذلك، يمكن لمؤسساتنا ومنظماتنا ذات الصلة أن تصل لحلول ترضي جميع الأطراف".
كان من الواضح وحسب ما نما إلى علمي بالفعل أن أبرز المواضيع المطروحة على طاولة سوتشي، هي قضية إدلب السورية.

وأشارت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي أدلى بها في مدينة نيويورك خلال اجتماعات الأمم المتحدة، إلى أن قضية إدلب ستطرح في قمة سوتشي بين أردوغان وبوتين، بعد أن اتهم تركيا بما وصفه بـ"عدم التمييز بشكل كافٍ بين الإرهابيين وغير الإرهابيين في إدلب".

قمة سوتشي
لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي بوتين/رويترز

في الحقيقة ما يجعل الأمر معقداً، هو أن الروس يعتبرون "إدلب" من جملة حصصهم. ولذلك السبب يعمل الروس على تحويل فكرة أن تركيا لا مكان لها في الحل النهائي السوري إلى واقع. ولم يكن من الممكن حفاظ تركيا على وجودها هناك، إلا من خلال إظهار مقاومة وتقديم الشهداء وإظهار قوتها عند الضرورة؛ على سبيل المثال الخسائر الفادحة التي ألحقتها بالنظام السوري وعناصره عبر الضربات الجوية المكثفة من قبل المسيّرات التركية في فبراير/شباط 2020.

يتهم لافروف تركيا بعدم التمييز بين الإرهابيين وغيرهم، إلا أن هذا الاتهام في الواقع ليس سوى عبث لفظي. فكما يعلم الجميع أن الروس ضربوا من المعارضة المعتدلة أكثر مما ضربوا بكثير من الجماعات المتفق على أنها إرهابية، منذ سبتمبر/أيلول 2015 حتى الآن، أي منذ أن أقحمت روسيا بكل قوتها في الحرب السورية.

بغض النظر عن ذلك، أليس معلوماً للجميع كيف قامت الطائرات الروسية وعناصر النظام السوري بوحشية لا تصدق، باستهداف المدارس والمستشفيات والأسواق التي يكتظ فيها المدنيون؟

مناورات بوتين

لو نظرنا إلى التصريحات التي أدلى بها بوتين بداية الاجتماع أمس على أنها "مرجع" لفهم قمة سوتشي، سنجد أن بوتين ليس على استعداد كبير للتفاوض بشأن الملف السوري.

إذ أشار بوتين خلال تصريحاته إلى أن إدخال خط أنابيب "Turk Stream" جعل تركيا تشعر بالأمان، على عكس الشعور الذي خيّم على الفترة الهشة في سوق الغاز الطبيعي بأوروبا. كما تحدث عن نمو حجم التجارة الثنائية بين البلدين، بل وأشار إلى التعاون مع تركيا في ملف قره باغ وحتى ليبيا، لكنه لم يذكر شيئاً حيال التعاون في سوريا، وإن ذكر لكن ليس بذات المستوى والحجم.

في هذه الحالة يمكننا تفسير تصريحات بوتين على وجهين؛ الأول: قصد بوتين تهميش الملف السوري لأنه لا يريد أن يعطي انطباعاً بأن الملف السوري وإدلب بالتحديد هما محور القمة. الثاني: أنه يقوم بمناورة تمنحه هامشاً تفاوضياً معيناً في الملف السوري وإدلب، بعد تحقيق بعض التقدم الروسي في ملفات أخرى.

لكن في المقابل، يمكن الملاحظ بسهولة أن محور الاجتماع بالنسبة لأردوغان كان الملف السوري وإدلب كانت الأولوية.

لقد قال أردوغان إن "السلام في سوريا مرتبط بالعلاقات بين تركيا وروسيا، والخطوات التي يتخذها البلدان معاً بشأن سوريا لها أهمية كبيرة"، كما أعرب عن ثقته بوجود فائدة كبيرة من استمرار العلاقات التركية الروسية وتعزيزها.

إضافة لذلك، فإن شتى وسائل الإعلام عامة حينما ناقشت قمة سوتشي كانت تركز بشكل أساسي على موضوع إدلب؛ لذا من المحتمل وبقوة أن يكون أردوغان خلال الاجتماع ذكّر الجانب الروسي ببعض الوعود التي قطعتها روسيا، لكن لم تلتزم بها في إدلب.

روسيا لا تفي بوعودها

نفهم ذلك من تصريحات مسؤول تركي كبير أدلى بها لوكالة بلومبرغ قبيل القمة؛ حيث أوضح المسؤول أن أردوغان، خلال قمة سوتشي، سيذكّر بوتين بقضية تنظيم YPG الإرهابي ضمن الاتفاق المبرم بين البلدين، حيث يقتضي الاتفاق أن ينسحب تنظيم YPG من مناطق مثل منبج وتل رفعت، التي أصبحت فيها روسيا ضامناً لهم بعد انسحاب الولايات المتحدة.

ولنتذكر أن تركيا التي تمكنت من تحرير المنطقة الواقعة بين رأس العين وتل أبيض شرقي الفرات عبر عملية "نبع السلام" العسكرية، أجرت مفاوضات مع الولايات المتحدة ثم مع روسيا وتوصلت لاتفاقيات مع كلا الطرفين.

وفقاً لتلك الاتفاقيات فإن تنظيم YPG الذراع السورية لمنظمة PKK الإرهابية، سينسحب لمسافة 30 كيلومتراً عن الحدود التركية.

لكن بالطبع لم يحدث أي من هذا، ولم يفِ الروس بوعودهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد آجات
كاتب وصحفي تركي
كاتب وصحفي تركي
تحميل المزيد