حكومة دولية بآمال شعبية.. هل تقود معادلات الشرق الأوسط الجديدة لبنان لبر الأمان؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/21 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/21 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة اللبنانية الحديد نجيب ميقاتي/رويترز

بعد مخاض عسير وانتظار دام أكثر من سنة استطاعت القوى الدولية تشكيل حكومة لبنانية. بعد اعتذار سعد الحريري والدكتور مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة استطاع نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة كتتويج لاتفاق إقليمي ودولي، بدأت تتضح ملامحه في الأفق.

معادلات إقليمية جديدة

 ترتب على قرار الانسحاب الأمريكي من المنطقة حاجة ملحة لإيجاد بديل سياسي يضمن استقرار المنطقة، فكان البديل تهدئة خلافات الداخلية في الشرق الأوسط مع محاولات تثبيت الاتفاقات السياسية تحت العباءة الأمريكية، وهو ما تكلل بمؤتمر بغداد، ومن ثم التقارب الحاصل في الخليج. مؤتمر بغداد بشّر بعودة فرنسا إلى الساحة العربية، بحصولها على اعتمادات وعقود نفطية لشركة Total الفرنسية، تصل قيمتها لـ17 مليار دولار، قابلة للزيادة. ليس هذا فحسب، بل إن الاتفاق كان حول نفط البصرة، حيث اليد الإيرانية طولى فوق كل الأيادي.

بشّر المؤتمر، الذي حضرته السعودية وإيران، بترطيب العلاقة بين أهم أقطاب المنطقة، إلا أن السعودية استمرت في رفضها العودة للانغماس في الساحة اللبنانية كظهير للقوى السنية، عليه كان لا بد لأمريكا أن تملأ الفراغ، فدفعت اللاعب المصري للانغماس في أزقّة تشكيل الحكومة بعدما أعلنت السفيرة الأمريكية في لبنان "دوروثي شيا" مساعدتها لبنان عن طريق تسهيل استجرار الغاز عبر "الخط العربي"، الذي يوصل الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، وهو ما يدفع بمصر وسوريا وكذلك الأردن للانغماس في المعادلة اللبنانية. فقد نتج عن هذا التسهيل الأمريكي زيارة رسمية رفيعة المستوى من لبنان إلى سوريا هي الأولى من نوعها منذ الثورة السورية، فكان على رأس الوفد وزيرة الدفاع اللبنانية في الحكومة السابقة زينة عكر.

إذن، ضربت الولايات المتحدة بعرض الحائط قيود "قانون قيصر" وأعادت ربط سوريا الأسد بالدول العربية المحيطة، كحلقة ضمن سلسلة إعادة ترتيب المنطقة، فكانت أمريكا عبر سفيرتها في لبنان أول من أعلن عن إعادة تفعيل خط الغاز المارّ في أراضي سيطرة النظام السوري، ناهيك عن ردة الفعل الأمريكية الخافتة أمام اجتياح درعا، الذي كان أحد أهداف النظام منه، ومن خلفه إيران، هو الإمساك بكامل خط الغاز السالف ذكره، الذي يمر من درعا. ليس هذا فحسب، بل وببرود أكبر استقبلت الولايات المتحدة خطابات أمين عام حزب الله عن اقتراب وصول النفط من إيران إلى لبنان. تلك الترتيبات التي تهدف إلى إنهاء صراعات المنطقة سريعاً، من خلال التقارب "السني-الشيعي" والتصالح والتعايش مع "المقاومة"، وإعادة القوى الأوروبية إلى الشرق الأوسط، لم يُخفها لا الرئيس الإيراني الذي تحدث عن تواصله مع الرئيس الفرنسي ماكرون، ولا الرئيس ماكرون الذي اعترف بشكل غير مباشر بإخفاقه في الملف الحكومي اللبناني عن طريق تصريحه بعدم مثالية الحكومة اللبنانية المشكلة حديثاً. لم تتشكل الحكومة كما أرادها الرئيس الفرنسي وعمل جاهداً لتأليفها في بداية تسلمه الملف قبل أكثر من سنة، فقد أعلن أنه مصمم على الدفع باتجاه تشكيل حكومة خالية من الأحزاب عامة وحزب الله خاصة، إلا أنه بات واضحاً للجميع تنازل فرنسا ومعسكرها في لبنان بعد الاتفاق مع إيران وتسليم الرئيس عون ثلثاً مُعَطِّلاً، إضافة إلى مشاركة كافة القوى السياسية في الحكومة بما فيهم حزب الله.

ماذا بعد تشكيل الحكومة؟

إن مشهد التقارب الإقليمي على وقع الانكفاء الأمريكي المباشر، وفّر الأجواء لولادة الحكومة اللبنانية، لكن ماذا بعد؟

تراهن القوى الغربية على الانتخابات القادمة، لذا كان لا بد من ولادة حكومة تهدّئ الأجواء وتحسن الأوضاع ولو نسبياً وتضبط الانفلات الأمني جراء الانهيار الاقتصادي، فعند توفر الأمن ينتفي أي عذر لتمديد مدة البرلمان الحالي، لذا تسعى القوى الدولية لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها بإعادة إنتاج سلطة جديدة في لبنان، ولأن تتمكن القوى الصاعدة من حيازة أكثر من ربع البرلمان، وهو ما يفتح باب انكفاء الطبقة السياسية الحالية، واستبدالها بأخرى أقل فساداً وأقرب للغرب.

الاستراتيجية الفرنسية، التي فشلت في إحداث أي تغيير في طريقة تشكيل الحكومة في لبنان لا تعدو عن كونها أعادت إنتاج الطبقة السياسية ذاتها، وليست أكثر من استسلام أمام الواقع السياسي اللبناني، إن المطلع على تركيبة المجتمع اللبناني وقوانينه الانتخابية وتركيبته الطائفية الزبائنية يدرك صعوبة التغيير عن طريق صناديق الاقتراع تحت مظلة النظام القائم، وأن الخطة الفرنسية في لبنان لا تعدو كونها آمالاً لا أكثر.

ردة الفعل الشعبية

في خضمّ الحراك الإقليمي المتسارع، تنفس الشارع اللبناني الصعداء بولادة الحكومة بعد انهيار الاقتصاد وفقدان الليرة لقيمتها الشرائية كما تراجع استيراد مواد الحياة الرئيسية من دواء وغذاء ومحروقات، في بلد يكاد لا ينتج شيئاً. يأمل اللبناني بهذه الحكومة أن تشكل انفراجة للأحوال ولو جزئية، خاصة كونها تأتي تحت مظلة مصالحة وصفقة إقليمية دولية قد تعيد شيئاً من قيمة الليرة وتوفر المحروقات وتمد لبنان بالعملة الصعبة. 

يدرك المواطن اللبناني أن لبنان الأمس قد انتهى إلا أنه يأمل أن يستعيد شيئاً من الاستقرار والكرامة عن طريق استعادة الكهرباء والبنزين والدواء، ولو بأسعار مرتفعة. مع الأسف فقد تراجع الطموح اللبناني بشكل مخيف في الأشهر الماضية؛ نظراً لما أملته الظروف، فأصبح سقف الطموحات الهجرة. وحتى ذلك اليوم يكافح اللبناني للحصول على أبسط مقومات الحياة بعدما فقد الأمل في التغيير السياسي.

رغم أهمية تشكيل الحكومة في اللحظة الحالية، فإنها لا توفر للبنان الحل الجذري أو التغيير العميق، فهي لا تعدو كونها "إبرة بنج" إضافية لنظام مهترئ. إن الحكومة الجديدة ومن خلفها الاتفاقات الدولية من المتوقع أن تعالج جزأً من مظاهر الأزمة اللبنانية، إلا أنها بكل تأكيد لن تعالج مشكلات لبنان الأساسية. وعليه، فإن الفرحة بولادة الحكومة العتيدة ما هي إلا فرحة آنية، وتخدير للواقع بانتظار انفجار جديد للواقع اللبناني، عند اختلال الموازين الخارجية من جديد. ولذلك الحين، هل يستطيع المجتمع اللبناني إحداث تغيير غير متوقع يقود من خلاله إصلاح مشاكل لبنان الجوهرية؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد فواز
كاتب وباحث سياسي
مهندس مدني، حاصل على ماجستير في العلاقات الدولية
تحميل المزيد