كيف تمكنت من الحصول على منحة لدراسة الماجستير في أمريكا؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/01 الساعة 13:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/02 الساعة 14:13 بتوقيت غرينتش
  • "ما شاء الله ابنهم جاب علامات عالية وطلعتله منحة كاملة من الجامعة في أمريكا".
  • "فلان في أمريكا متفوق في دراسته جدا وحصل على منحة من ناسا"
  • "ابن الجيران اللي بيدرس في أمريكا عامل بحث مهم جدا ووزارة الدفاع قررت تغطي مصاريف تعليمه بالكامل".

ربما سمعت مثل هذه العبارات بين الحين والآخر. أنا أيضاً سمعت منها الكثير عندما كنت طالبا في الجامعة الأردنية يحلم بإكمال دراسته في الخارج وكانت تلك العبارات تُدخل في قلبي شيئا من الوجل وتشعرني بالإحباط في آن واحد.

كان هدف إكمال الدراسة في الخارج لا يغادر تفكيري بالذات في سنوات البكالوريوس الأخيرة وأمريكا كانت هي الخيار الأهم خاصة لطالب فيزياء يحلم بالتخصص في مجاله المفضل. والمشكلة الأساسية بالتأكيد كانت هي العبء المالي لمصاريف الدراسة في أمريكا والتي كنت قد قرأت عنها وعرفت عنها الكثير.

لذلك كان من الطبيعي للعبارات السابقة ومثلها الكثير أن يشعرني بحجم التحدي وربما بفداحته. هل لدي المؤهلات لأن أكون كهؤلاء؟ لم أكن من الأوائل الأوائل، معدلي التراكمي في الجامعة كان 85% وهو معدل ممتاز آنذاك ولكن لم أكن أعلم إذا كان هذا القدر من المعرفة سيؤهلني للحصول على مثل هذه المنح؟

أسئلة كثيرة كانت تزيد من صعوبة الأمر أكثر من تسهيله وكلما بحثت في طلبات الجامعات وتكاليف الحياة كلما أدركت أن الدراسة والحياة في أمريكا بدون هذه المنح هو أمر مليء بالصعوبات والعقبات.

بعد سنتين من التحضير والمشاوير العديدة لمكتب الامديست والامتحانات التحضيرية والتوفل ووالركض وصلت إلى قرار أنه لا بد من المغامرة والسفر لمواصلة الدراسة آخذاً بما استطعت من أسباب وطبعاً متوكلاً على الله.

أول أسبوعين كانا شديدين نوعاً ما، فالمبلغ الذي بحوزتي يكفي لفصل جامعي واحد ولذلك كان هناك الكثير من الغموض لما ستأتي به الأيام القادمة. ذهبت إلى قسم الفيزياء قبل بداية الدراسة بأسبوع للتعرف على القسم وعندها رآني الدكتور سينغ وشعرت بأنه كان مستغرباً أني من المقبولين في القسم ربما لأنه لم يرَ اسمي بين أسماء الطلاب الجدد.

أخذني لمكتبه وانهال عليّ بالأسئلة وكأنه يريدني أن أتكلم عن أي شيء حتى إنه في أحد أسئلته سألني: ماذا يعني اسم عائلتك. طبعاً استغربت وقلت في نفسي هل وصلته أخبار عن اسم العائلة وما يعنيه؟ فما كان مني إلا أن شرحت له الاسم بشيء من التردد، وبعد هذا الاستجواب سألني سينغ هل لديك خبرة في تدريس المختبرات؟ فقلت نعم كنت مساعد تدريس في الجامعة الأردنية، فقال إذا ستكون مسؤولية تدريس 3 مختبرات في الأسبوع لطلاب السنة الأولى أولى مهامك.

انتهى اللقاء القصير مع سينغ وهكذا وبهذه السرعة المفاجئة وجدت نفسي موظفاً في قسم الفيزياء. ربما استغرق الأمر عدة أيام كي أدرك أن ما قدمه لي الدكتور سينغ هو في الحقيقة منحة كاملة بمعاش شهري ورسوم دراسة مدفوعة 100% تُعرف في الجامعات الأمريكية بـ "Teaching assistant".

أيضاً أدركت لاحقاً أن طلاقتي المقبولة في الإنجليزية جعلته يطلب مني تدريس المختبرات ولو كانت لغتي الإنجليزية أقل طلاقة لأوكل إليّ مهمة تصليح الواجبات والامتحانات دون أن ينقص من المنحة من شيء.

في نهاية الأمر أدرك أن كل طلاب الماجستير والدكتوراه الذين قُبلوا في القسم وحصلوا على منح كاملة سواء على شكل "teaching assistants"  أو "graders" يعني مصححي امتحانات.

قد تلاحظ عزيزي القارئ هنا أني لم أكن قد حققت أي نجاح بعد ولم أحصل على أي علامة بعد ولكن من الواضح أن هذا لم يكن مهما.

فيما بعد أدركت أن طلاب الدراسات العليا في الكيمياء والهندسة هم أيضاً حاصلون على ما يسمى "teaching assistantship" أو TA. الكثير من هؤلاء الطلاب كانوا عاديين علمياً، بل إن منهم من لم يُكمل دراسته لسوء التحصيل.

بعض الدكاترة كانوا حاصلين على أموال من وكالة الفضاء ناسا ومنهم من وزارة الطاقة ومنهم من مؤسسة العلم الوطني الأمريكية أو الـ "NSF" وهي مؤسسة مدعومة بمليارات الدولارات لدفع عجلة البحث في الجامعات. هؤلاء الدكاترة كانوا دائمي البحث عن طلاب لتشغيلهم في أبحاث في مختبراتهم وأيضاً بمنحة تسمى "research assistantship" أو RA. الحقيقة أنه كان هناك طلاب يأتون ببعثات من بلادهم وكان بإمكانهم الحصول على منحة اضافية تضاعف من دخلهم إذا أرادوا ولكن منهم من كانوا غير راغبين في ذلك.
 فيما بعد وعندما أكملت دراستي في مجال أشباه الموصلات كان البحث والدراسة مدعومة من ناسا ومن وزارة الطاقة.

الحال في جامعتي لم يكن مختلفا عن جامعات أخرى. أقسام الفيزياء والكيمياء والإلكترونيات والهندسة وعلم المواد والأحياء وأعتقد الكمبيوتر من الأقسام المدعومة مالياً بشكل جيد جداً. لا أذكر أني رأيت طالب دراسات عليا في هذه الأقسام يدرس على نفقته الخاصة. قد يكون هناك جامعات أقل حظاً ولكن في الغالب أن الجامعات الكبيرة، وهي كثيرة جداً، تتمتع أقسامها العلمية بالدعم المالي الجيد جداً.

رغم أن قصتي هذه حدثت قبل 25 سنة ولكني أعلم أن هذا الحال لا زال قائماً لأني أقابل الكثير من خريجي الدراسات العليا الجدد من جامعات أمريكية وأعلم أنهم أيضاً درسوا بمنح دراسية. ليس مبالغاً فيه لو قلت إن الغالبية العظمى من طلاب الماستر والدكتوراه في الفيزياء دراستهم هي على حساب الجامعة.

فمرور سريع على صفحات أقسام الفيزياء والكيمياء والإلكترونيات والبيولوجي في جامعات أمريكية عديدة يُظهر أن هذه الجامعات تقول لطالب الدراسات العليا أن الرسوم في الغالب مدفوعة لكل المقبولين.

على سبيل المثال لا الحصر، قسم الفيزياء في جامعة تينيسي مثلاً يقول على صفحته: "كل المقبولين في برنامج الدراسات العليا سيعتبرون من المقدمين على المنح الدراسية".

قسم الكيمياء في جامعة ماريلاند يقول: "المقبولون في برنامج الدكتوراة سيحصلون على منح تساعدهم في دراستهم".

هذه عينتان عشوائيتان من جامعتين معروفتين تظهر أن الحصول على المنح الدراسية ليس أمرا بالغ الصعوبة إذا قُبل الطالب في البرنامج. بالنسبة لاحتمالية القبول في البرنامج فهي احتمالية أيضا عالية في الكثير من الجامعات.

الجامعتان المذكورتان أعلاه لديهما معدل قبول في حدود 50%. جماعات أخرى مثل جامعة ألاباما لديها معدل قبول للدراسات العليا يقترب من 100%. هذه كما قلت عينات ومن الضروري للطالب البحث عن الجامعة والتخصص الذي يريد.

بالنسبة لتخصصات مثل الهندسة الكهربائية والإلكترونيات، الأقسام دائماً تقترح مراسلة البرفسور للسؤال عما إذا كان يبحث عن طلاب للبحث وما إذا كان لديه أموال لدعمهم. لذلك من المهم للطالب الطامح في إكمال دراسته في تخصص ما إن يحصل على قبول أولاً في القسم ومن ثم مراسلة دكتور ذلك التخصص للاستفسار عن توفر المنح والتي كما قلت هي غالبا متوفرة. بعد التخصصات مثل أبحاث النانوتكنولوجي وأشباه الموصلات والبطاريات و فيزياء المواد هي تخصصات مدعومة مالياً دعماً جيداً وإكمال الدراسة في هذه التخصصات غالباً ما يكون مضمون التكاليف.

لذلك من الأفضل جداً للطالب الحصول على عدة قبولات من عدة جامعات وهذا ليس أمراً صعباً لولا رسوم القبول (تقريباً 50-75 دولاراً) حتى يزيد من فرصه في الحصول والعثور على منح.

كما ترى عزيزي الطالب الطموح أن الوضع يشجع كثيراً على الدراسات العليا في الولايات المتحدة. لا أرى بأسا للطالب العربي الراغب في الدراسة العليا في أمريكا أن ينهي دراسة البكالوريوس في جامعة بلده وإذا أراد إكمال الدراسة في المجالات العلمية السابقة في أمريكا فليراسل الجامعات وإذا حصل على قبول فليتوكل على الله ويأخذ بالأسباب ولا يتردد في ذلك.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مروان البرغوثي
يعمل في مجال الشرائح الإلكترونية بكندا
حاصل على الدكتوراه في مجال أشباه الموصلات، مقيم في كندا و يعمل في مجال الشرائح الإلكترونية.
تحميل المزيد