في ذكرى ثورة التحرير الجزائرية.. متى يزول الاستعمار الغربي من بلادنا حقاً؟

عدد القراءات
5,410
عربي بوست
تم النشر: 2020/11/01 الساعة 15:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/01 الساعة 15:21 بتوقيت غرينتش
مناصري وداعمي ثورة الجزائر كانوا مستهدفين من منظمة اليد الحمراء/مواقع التواصل الاجتماعي

يستذكر الشعب الجزائري اليوم الأول من نوفمبر/تشرين الثاني بذكرى ثورة التحرير الجزائرية "الفاتح من نوفمبر" والتي قامت ضد المستعمر الفرنسي عام 1954 وانتهت بتحرير الجزائر واستقلاله عام 1962 بعد احتلال دام قرابة 132 عاماً، وكانت فاتورة الاستقلال باهظة الثمن حيث قدمت الجزائر ملايين الشهداء، وتتزامن الذكرى هذا العام مع استفتاء شعبي على تعديل الدستور الجزائري، وهذا ليس أول تعديل للدستور، فقد تم تعديله مراراً وتكراراً منذ الاستقلال وآخره كان عام 1996 في عهد الرئيس اليمين زروال.

في مطلع العام الماضي 2019 خرج الكثير من الشعب الجزائري فيما يسمى "الحراك الجزائري" وهي طريقة سلمية حضارية اتبعها الشعب من أجل تغيير السلطة في بلاده، نتج عنها لغاية الآن نهاية عهد الرئيس السابق بوتفليقة وبعض رموز نظامه ولكن الحراك لازال مستمراً، حيث يعتقد الكثير منهم بأن العهد الماضي لازال يتحكم في الدولة.

وكما هو الحراك الجزائري، فقد شهد العالم العربي منذ عام 2010 سلسلة من الثورات فيما سمي "الربيع العربي" بدأ من إحراق الشاب التونسي محمد البوعزيزي نفسه بالنار بعد وصوله لمرحلة القهر جراء مصادرة مصدر رزقه والتعدي عليه من الشرطة، وشهدت تونس ولاحقاً مصر واليمن وليبيا وسوريا والسودان ثورات شعبية ضد أنظمة الحكم، وكما هو الحال في الجزائر، لازال العديد من الشباب العربي يرى أن التغيير المنشود لم يحدث بعد ومازال بعيداً جداً.

بمراجعة تاريخية فقد بدأ الاستعمار الغربي للدول العربية منذ الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام في عهد الدولة العثمانية عام 1798 بقيادة الفرنسي نابليون بونابرت والذي استمر ثلاثة أعوام، جاء بعدها وعلى مرحلتين الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 وبدأ زوال ذلك الاحتلال عام 1922 ولكنه انتهى عسكرياً عام 1956 بتأميم قناة السويس.

تناوبت العديد من الدول الغربية استعمار الدول العربية تحت مسميات عديدة، منها انتداب وحماية ولكنه في واقع الحال استعمار واحتلال، وتحديداً بريطانيا وفرنسا وأيضاً إيطاليا، وشهدت فترة سبعينيات القرن الماضي استقلال العديد من الدول العربية مع بقاء الكيان الصهيوني وهو صنيعة فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية لغاية اليوم في فلسطين وكذلك أجزاء من سوريا ولبنان وأيضاً عاد الاحتلال للعراق من خلال الجيش الأمريكي ولم يخرج منها بعد.

ولكن في واقع الحال هل فعلاً استقلت الدول العربية بخروج الجيوش الغربية من أراضيها؟ قطعاً الجواب لم تستقل الكثير منها حيث إنها عاجزة اقتصادياً وصناعياً وعسكرياً، حيث تعتمد بشكل أساسي على استيراد الأساسيات من الغذاء والدواء والسلاح وحتى من يدعي بأنه يمتلك الصناعة فإن آليات تلك المصانع مستوردة من الدول الغربية والآسيوية، فمن لا يمتلك صناعة سلاحه وإنتاج غذائه ودوائه فهو يتبع استراتيجياً من يصنع له مقومات حياته، وهكذا فإن الاستقلال المزعوم نظرية فلسفية بحتة يستطيع أن ينظر لها من عدة زوايا.

لم تكتفِ غالبية الدول العربية فقط باستيراد السلاح والغذاء والدواء، بل حتى الثقافة أصبحت مستوردة وتظهر في تفاصيل الحياة اليومية، وخصوصاً منذ عصر الانفتاح الفضائي ودخول القنوات الفضائية للبيوت العربية والتي أصبحت تبث يومياً برامج ومسلسلات لا تمت بصلة لثقافته العربية ودينه، وجاءت أيضاً ثورة الإنترنت وعصر العولمة وبعض قوانين حماية الحريات لتدخل في تفاصيل شخصية الإنسان العربي وتقضي على بقايا ما يسمى "الثقافة العربية".

التعليم أيضاً مستورد تماماً، فما يقدم للطالب العربي هو استنساخ مفرغ من جوهرة بالمقارنة مع التعليم في العالم الغربي، ومخرجات التعليم في الجامعات العربية لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها في الجامعات الغربية وحتى الآسيوية، والمشكلة الكبرى هنا أن النظام التعليمي لغاية الآن لم يقدم للدول العربية ما يساعدها على الاستقلال الاقتصادي والفكري، بل ما زاد الطين بلة هو أن التعليم نفسه أصبح جزءاً من المشكلة، حيث أصبح أحد أشكال صناعة البطالة وتتم إدارته بطريقتين، إحداهما حكومية روتينية لم تصنع الفارق وأخرى من القطاع الخاص والذي يعمل وفق حسابات ربحية في الأساس، وأزمة كورونا مؤخراً شاهد على واقع التعليم ومخرجاته.

العديد من الأسباب الواضحة أوصلت المنطقة العربية لهذا الحال، فقد خرج المستعمرون عسكرياً من أغلب دول المنطقة ولكن سيطرتهم مستمرة على العديد من مناحي الحياة كما هو واضح للعيان، وتبرز الخلافات العربية السياسية في واجهة الأسباب، وهنالك أيضاً احتكار للسلطة في بعض البلدان وإقصاء للكفاءات الوطنية والتي وجد البعض منها حياة أفضل في العالم الغربي، أيضاً تخلت المنطقة عن المنهج الديني وهو أحد أسباب رفعتها لعصور طويلة.

تعود ذكرى الفاتح من نوفمبر كل عام في الجزائر ومثلها في كل دولة عربية باختلاف التواريخ ولكن الفكرة واحدة، حيث لم تبدأ العديد من الدول العربية في البحث عن الاستقلال الحقيقي من التبعية للعالم الغربي رغم أنه ممكن، والبداية لا بد أن تكون من نبذ الخلافات العربية، و"الحراك" و"الربيع العربي" لم تكن إلا البداية لطريق طويل من التضحيات.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي أبو صعيليك
كاتب أردني
كاتب أردني
تحميل المزيد