أسرار جديدة تُكتشف كل يوم .. هل اغتالت أمريكا سليماني من أجل رفع أسعار النفط؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/07 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/07 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب / رويترز

في عام 2015 وأوائل 2016 وبسبب انخفاض أسعار النفط تعرضت شركات البترول الأمريكية لأزمات وخسائر فادحة تسببت في إعلان إفلاس عدد كبير منها. ومع نهاية عام 2016 بدأت هذه الأزمة في الانحسار وعادت أسعار البترول إلى الارتفاع لمستوياتها السابقة. تزامناً مع أزمة النفط برزت حملة ترامب الانتخابية في عام 2016 والتي اهتمت بشكل كبير بتسويق ترامب من خلال تبني سياسات لتنمية الطاقة في أمريكا، خاصة في حقول البترول والغاز والفحم، واعتباره قادراً على وضع حد للأزمات التي تعرضت لها شركات البترول في عهد أوباما وكان أبرزها الأزمة النفطية في 2015-2016.

أطلق ترامب خلال حملته جملة شهيرة تلخص رؤيته وهدفه فيما يتعلق بالطاقة والبترول:

في عهدي سنحقق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة

دونالد ترامب

وكان من السهل إدراك جدية ترامب في تحقيق هذا الهدف من خلال متابعة التعيينات التي قام بها فور انتخابه والتي كان على رأسها وزير الخارجية السابق تيلرسون الرئيس التنفيذي السابق لشركة إكسون موبيل (ExxonMobil) أحد أضخم شركات البترول الأمريكية والعالمية على حد سواء.

مع بداية عام 2019 بدأت ملامح أزمة 2015-2016 تظهر مجدداً ولأول مرة ومنذ عام 2015 تعود معدلات إفلاس شركات الطاقة الأمريكية في الارتفاع بشكل ملحوظ. يكفي أن نشير إلى أن عدد حالات الإفلاس للشركات الطاقة الامريكية في عام 2019 وصل إلى 40 شركة (هذا بناءً على تقارير شهر أغسطس 2019) وفقاً لموقع oilandgas360.

كما وصل حجم الأزمة والتدهور لدرجة أجبرت عملاق الخدمات البترولية في العالم Weatherford على تقديم طلب رسمي لحمايتها من الإفلاس في منتصف عام 2019 بعد أن وصل إجمالي ديونها إلى 8.5 مليار دولار. في نفس الوقت أدت تلك الأزمة إلى تقليل شركات البترول الأمريكية لمعدلات حفر الآبار وتقليل العمالة مستغنين عن الكثير من العمال. ومن الشركات التي اضطرت لأخذ هذه الإجراءات؛ Halliburton و Pioneer Natural Resources الذين قاموا بتسريح عدد ليس بالقليل من العاملين لديهم.

ومع نهاية عام 2019 بدا واضحاً أن هناك أزمة حادة ستعصف بأغلب شركات البترول الأمريكية مع استقرار أسعار البترول على معدلاتها العالمية دون ارتفاع متوقع.

افتتح العقد الجديد بمشهد مفاجئ، تظهر فيه جثة رجل إيران الثاني، قاسم سليماني، ممزقة لأشلاء. ويدخل العالم في دوامة عسكرية ودبلوماسية لا يعرف أحدهم على وجه الدقة كيف ستمر. على الهامش من أخبار التحركات العسكرية، ارتفعت أسعار البترول مباشرة بعد الاغتيال بنسبة 4% وارتفعت سندات أغلب الشركات الامريكية التي تواجه الإفلاس إلى مستويات لم تصل إليها منذ شهور. ليمثل مقتل سليماني بالنسبة للشركات الخاسرة في مجالات الطاقة شريان حياة يستعيدون من خلاله شيئاً من توازنهم المفقود في عام 2019. كانت هذه أحد النتائج المباشرة والسريعة لمقتل سليماني.

لكن ماذا يعني ارتفاع أسعار البترول للولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحالي؟

هذا الارتفاع يعني أن شركات البترول الأمريكية التي تعاني من ضائقة مادية وتواجه شبح الإفلاس سيكون لديها فرصة ذهبية لزيادة الإنتاج وتحقيق أرباح تعوض بها خسائرها في الفترة الماضية. كما سيدفع ارتفاع الأسعار المستثمرين لضخ المزيد من الأموال، وأن شركات البترول الأمريكية سترفع من معدلات  عمليات الحفر لاستخراج البترول الصخري الذي تعتبر تكلفته أعلى نسبياً من تكلفة استخراج البترول العادي ويحتاج لأسعار مرتفعة لتغطي تكلفته وتحقيق المكاسب والأرباح. مما سيعني أن أمريكا ستتخطى الأزمة النفطية القريبة من أزمة عام 2015.

صدق وعده

هكذا يحقق ترامب أحد وعوده التي قطعها على نفسه في حملته الانتخابية بأن تصبح أمريكا في عهده ولأول مرة في تاريخها دولة مصدرة للنفط ومستقلة ولا تعتمد على استيراد البترول من أي دولة أخرى في العالم. ومن ناحية ثانية،  يحمي ترامب شركات البترول الأمريكية الضخمة من شبح الإفلاس وانخفاض الأرباح ويحافظ على دعمهم له في حملته الانتخابية القادمة.

وكما نشر معهد ستراتفور للأبحاث، هكذا يبدو أن الضربة الأمريكية حققت مكسب واضح فيما يخص سياستها في إنتاج النفط فمن ناحية سيساهم مقتل سليماني في ارتفاع أسعار النفط لفترة زمنية ليست بالقليلة. هذه الفترة تسمح للشركات الأمريكية بتخطي أزماتها في وقت يقترب فيه ترامب من انتخابات رئاسية عصيبة يحتاج فيها لكل دعم ممكن. وتعتبر هذه الشركات أحد دعائم حملته الرئيسية، ومن ناحية أخرى لا شك أن أي انتقام إيراني أو ردة فعل إيرانية ستؤدي حتماً إلى زيادة أسعار النفط وبالتالي في حالة توجيه إيران لضربة انتقامية سيستمر ارتفاع أسعار البترول لمستويات تحقق مكاسب ضخمة للشركات الأمريكية.

المصالح تحكم

إذا نظرنا إلى مقتل سليماني من زاوية المصالح الأمريكية المتعلقة بسوق النفط وتحقيقها للاكتفاء الذاتي والتوجه الى التصدير وتخفيف خسائر شركات النفط لديها سيكون من السهل استنتاج أن أمريكا استفادت بشكل مباشر من قتل سليماني وستستفيد بقدر أكبر إذا اندفعت إيران ووجهت ضربة انتقامية للمصالح الأمريكية. من نفس هذه الزاوية يبدو الوضع صعب على إيران التي تدرك أن ضربة انتقامية ستؤثر على أسعار النفط وتفيد أمريكا بالأساس وتتسبب في خسائر لحلفائها الرئيسيين روسيا والصين. تعتمد الصين بشكل رئيسي على واردات البترول ولذلك ارتفاع الأسعار يعني لها خسائر ضخمة مباشرة وروسيا بالرغم من استفادتها من ارتفاع الأسعار كدولة مصدرة للبترول لكنها في نفس الوقت لا ترغب في دخول أمريكا في سوق الصادرات البترولية العالمية ومنافستها لها في هذا المجال.

ليس بالضرورة إن يكون ما ذكرنا من مكاسب أمريكية تتعلق بمجال الطاقة هي السبب الرئيسي لتوجيه ترامب ضربة قاسية مثل هذه لإيران في هذا التوقيت ولكن من الصعب أيضاً تصور أن مثل هذا النوع من المكاسب لا يدخل ضمن قائمة مستهدفات ترامب من الضربة الأمريكية.

الانشغال بمقتل سليماني يحتاج إلى تدقيق النظر إلى زوايا مختلفة تحقق من خلالها أمريكا أهدافها بوضوح وجدية، هذا ما يجب أن يطغى على تفكيرنا ورؤيتنا للقضايا الكبرى وما يجب أن يأخذ حجمه الحقيقي إذا أردنا أن نرتقي إلى مستوى الصراعات والمنافسات الإقليمية والدولية.'>

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خالد فؤاد
باحث سياسي
باحث سياسي ومتخصص في شؤون الطاقة وقضايا الشرق الاوسط.
تحميل المزيد