كيف ننجو من الكراهية

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/04 الساعة 02:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/05 الساعة 14:51 بتوقيت غرينتش

منذ فترة وأنا أعمل على تخليص روحي من الكراهية، أتجنب الكراهية لأن السلامَ طريقٌ لشفاء الروح والجسد، لربما سنستغرق كثيرًا من الوقت قبل أن ندرك أن سلام الروح ليس من قبيل الرفاهية.

الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، فقد بذلت جهدًا كبيرًا لتجنب التعرض لكل مكروه، أقاطع البرامج التلفزيونية التي يرتفع فيها صوت المذيع فوق صوت العقل، أتجنب الصراخ، أتجنب أن أستمع للتحريض، أتجنب الاستماع لخطب الرئيس، لا أقرأ الجرائد، لا أقرأ أخبار الفساد، أتجنب على وجه الأخص تصريحات مرتضى منصور وأحمد موسى، لم يشغلني البرلمان عل الإطلاق، نجحت أخيرًا في بناء فقاعة أعيش فيها بنعومة وأريحية وكثير من السلام.

أتضامن مع المعتقلين، تأتيني الرسائل المحفزة، فأغير صورة الغلاف على فيسبوك، مرة بعد أخرى صرت أشعر أن عدد المعتقلين يتزايد بما لا يوازي قدرتي على المتابعة، عدت مرة أخرى لإطباق فمي والصمت، فلا أنا طاقتي تتسع للتضامن، ولم أعد أشعر أن التضامن يكفي، أعود للصمت والبحث عن جنتي، عن جزيرتي الاصطناعية.

قبل أيام نشرت صديقتي على فيسبوك صورة قريبها، المحبوس احتياطيا بلا محاكمة منذ عام، طفل في السادسة عشر من عمره، أتخيل أنه ابني، كيف لأمٍّ أن تطيق أن يبقى ابنها في محبسه عاما كاملا، أتصور كيف سيكون حاله حين يخرج من جحيم المعتقل، ينمو في قلبي الغضب، أحاول أن أنحيه جانبًا، في الصباح التالي أقرأ عن اغتصاب أحد الأطفال المعتقلين بعصا خشبية، أظل طيلة اليوم أفكر كيف سننجو من الغضب، وكيف ننقذ أنفسنا من أَسْر الكراهية.

أعلم أن ما أقرأه وما أتعرض له هو هامش بسيط جدا من مظلومية كبيرة تنمو وتتسع، الأمر أكبر من المعتقلين والاغتصاب، أعلم أكثر من هذا.. أن العالم مليء حقًّا بكثير من البشر الذين يستحقون الكراهية، بكثير من الحقراء، القتلة والأوغاد، العالم مليء بالديكتاتور وأتباعه، بالجهلة، بالفاسدين الصغار الذين يدافعون عن الفاسدين الأكبر، العالم يشبه جحيما، أو أن العالم يقترب من قيامته، فمتى سيحل السلام إذن؟

المشهد الوحيد الذي أبهجني الأسبوع الماضي كان مشهد شباب الألتراس وهم يهتفون بسقوط المشير، كان مشهد الثورة حية وحاضرة، كان مشهد وفاء شبان صغار في عمر الزهور لأقرانهم الذين رحلوا، كيف شعرت بالسلام في مشهد كهذا ملون بالرايات الحمراء، تأملت كثيرا في السلام الذي حل داخلي من هتاف يطالب بقَتْل مَنْ قَتَل، إنه ليس مسالما تماما لكنه جلب لقلبي السلام.

الثورة هي فعل تغيير، الثورة يُسال فيها الدم، تشهد قتلى وشهداء، تشهد الثورة عنفًا في كثير من الأحيان، الثورة تقتلع الجذور الفاسدة، الثورة فيها ألم، ولكنها رغم كل شيء هي طريق السلام الحقيقي، فلا سلام إنْ لم نسر في طريق العدالة، لا سلام لنا إن تركنا هذا العالم يتحكم فيه القتلة والأوغاد، لا سلام لنا مهما أغمضنا أعيننا عن أفعالهم التي تؤذينا.

لو أننا كنا نجحنا حقا في اقتلاع النظام، لربما ما كنا نستيقظ كل صباح على مشهد الأسماك النافقة في النهر، لما كنا سنشهد التماسيح تحوم حول بيوتنا، ولما كنا سنواجَه بأخبار حول عصابة تقوم بسرقة أبواب المدافن، لربما لو نجحت الثورة لكان كل شيء حولنا جميلاً حقًّا وكما يليق بالبلاد، ليس لأن الثورة ستنجح في غضون أيام في إصلاح فساد خلقته السنون، ولكن لأن الثورة ساحرة.

الثورة حقًّا ساحرة؛ لأنها تَجْمَع أرواح الشهداء والقديسين الذين صنعوها، لربما لو نجحت الثورة حقا لما احتجت إلى رحلة البحث عن قوقعة للسلام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حنان كمال
كاتبة صحفية
تحميل المزيد