أطفال من بين ركام الحرب… كيف ينظرون إلى الحياة!

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/18 الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/18 الساعة 08:00 بتوقيت غرينتش

عربة متنقلة بدائية الصنع (كرفان) ومتطوع آخر؛ قاسم حماد، والإيمان بضرورة صناعة مستقبل أفضل للأطفال رغم الإمكانات الضعيفة، هو ما كان يمكننا اعتباره دافعاً كافياً لإطلاق مشروعنا مع بداية صيف عام 2013، يقول خلدون بطل مؤسس مشروع "كرفان" والمشرف عليه لـ"عربي بوست".

الفكرة بدأت بتحويل أحد الكرفانات المخصصة لحفر الآبار إلى مدرسة متنقلة تجوب القرى والمدن الصغيرة وتقدم إضافة إلى التعليم دعماً نفسياً وعدداً من النشاطات الفنية للأطفال كعروض السينما والمسرح والحفلات.

ويقول بطل أن المشروع عانى في بدايته من محدودية التمويل، وبدأ عن طريق تبرعات قدّمت من أصدقاء في أوروبا "الاقبال الكبير على الالتحاق بمدرستنا ونشاطاتنا دفعنا للمضي قدماً ولتطوير المشروع ليصل اليوم إلى أربع كرفانات و35 متطوع وعدد من نقاط الدعم الثابتة تعمل مع ما يقارب 2500 طفل سنويا"، بالإضافة إلى ورشة لتصنيع الكرفانات المخصصة، وتقدم أيضاً خدمات للمجتمعات المحيطة كتصنيع مولدات الكهرباء بالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتساعد في عمليات الترميم وإعادة تأهيل المساكن المتضررة نتيجة القصف.

التحيد لصالح الطفولة


القصف المستمر المنفذ من قبل طيران التابع للسلطات السورية لمدن وقرى الشمال السوري خاصة المدارس والمرافق العامة، دفعنا لاختيار فكرة التنقل، العربة المتنقلة تتمتع بمرونة كبيرة، يمكننا استغلالها للتعليم في المزارع بعيداً عن التجمعات السكانية المستهدفة – يتابع خلدون- وتركيب المدرسة على عجلات سهل التحرك الفوري في حال بدء استهداف المنطقة التي نعمل بها كما وفرت المدرسة المتنقلة إمكانية التحرك مع النازحين والعمل معهم في بيئاتهم الجديدة.

نحن نمتلك حالياً 15 برنامجاً تم تصميمهم في الأعوام الثلاثة الماضية، تختلف اولويات تطبيق البرامج بحسب المنطقة المستهدفة وبحسب المستوى التعليمي للأطفال المستفيدين.

نحن أيضاً نعتمد الفنون كركيزة أساسية في عملنا، أحد برامجنا المهمة يعتمد على انتاج فنون الأطفال عن طريق تنفيذ برامج راديو وإقامة معارض صور ورسومات وتنفيذ حفلات موسيقية ومسرحية تعتمد على النتاج الفني المقدم من قبلهم.

وعن مستقبل المشروع يقول خلدون: الفكرة الأساسية كانت تتمحور حول ضرورة العمل على وقف انجذاب الأطفال تجاه الحركات الراديكالية المنتشرة في المنطقة وتحيدهم لصالح طفولتهم فقط، أحلم بانتشارنا خارج الحدود السورية للعمل مع أطفال المنطقة بعيداً عن فكرة الجنسية أو الانتماء السياسي والديني، عملياً المبادئ الانسانية لا تتجزأ ولا تتغير باختلاف الانتماء، المشكلة تكمن بأن صراع السلطة والمال هو ما يتحكم بمجتمعاتنا حالياً، نحن كسوريين بتنا نحلم ببعض السلام ولو كان تحت التراب.

مبادئي تناقض الحرب


أحمد الخطاب 26 عاماً أستاذ الموسيقى والحاصل على شهادة في طرق التعليم الخاصة يروي لـ"عربي بوست" عن نشاطه التطوعي ضمن فريق كرفان، يقول أحمد: مع دخول الثورة إلى مرحلة العمل المسلح أصبحت مسلحاً أنتمي للجيش الحر، دفعني حماسي ورغبتي بإسقاط النظام الدكتاتوري بأي ثمن نحو هذا الطريق، لكن حالة التناقض التي عشتها عادت وأبعدتني عن كافة أشكال القتال، مبادئي كموسيقي تناقض الحرب، وحلمي بمستقبل أفضل لبلدي هو أبعد ما يكون عن تأجيج الصراع والاقتتال.

تركت العمل المسلح وعدت للموسيقى التي أحب يتابع احمد، وتطوعت مع المشروع منذ بداياته، خبرتي السابقة بالمسرح التفاعلي ومسرح الدمى إضافة إلى مهاراتي الموسيقية دفعتني أكثر وأكثر للالتزام مع الأطفال، في كرفان "سراقب" حيث أعمل نقدم دعماً تعليمياً ونفسياً لما يقارب 160 طفل، ويتغير المستفيدون كل شهرين ونصف، بالتأكيد العدد قليل قياساً بعدد الأطفال في المناطق التي نعمل بها، لكنا نبذل جهدنا لتوسيع الفريق ولتغطية عدد أكبر مستقبلاً، النقطة المهمة في عملنا يقول احمد هو إبعاد الاطفال عن أجواء الحرب قدر الإمكان، وخلق فسحة لتفريغ طاقاتهم ومشاعرهم عن طريق الرسم والتمثيل والغناء والألعاب ذات الدلالات النفسية، التعليم مهم بالطبع، لكن الدعم النفسي لا يقل مكانة عنه.

دفتري وقلمي تحت الأنقاض


نايف 10 سنوات أحد الأطفال المستفيدين من المشروع يقول عربي بوست: رغم ظروفنا الصعبة إلا أن أهلي هم من يشجعوني على الحضور إلى هنا كلّما مر الكرفان في قريتنا، أحاول دائماً أن أكون أول الواصلين، أحب التعليم وأحب الاساتذة، في الماضي كنت أحلم أن أكون طبيباً يتابع نايف لكني غيرت رأيي الآن، عندما أكبر سأصبح معلماً مثل استاذي أحمد، وسأعلم أطفال قريتنا الموسيقا والرسم والتمثيل.

نايف من الطلاب المجتهدين بحسب مدرسيه يقضي باقي أيام الأسبوع بالعمل في رعي الغنم لمساعدة عائلته النازحة والتي لا تمتلك مصدراً للدخل.

أما مريم 6 سنوات فتقول عربي بوست: أحلم بأن أمتلك الكثير من الالعاب، كان لدي الكثير منها، بيتنا تعرض لقذيفة ضاعت على أثرها كل ألعابي، آتي إلى هنا من أجل اللعب، هم يقدمون لنا الكثير من الألعاب ويعرضون لنا أفلام الكرتون والمسرحيات أنا سعيدة هنا وسوف آتي دائماً.

يمامة 8 سنوات تقول: أحب كثيراً عزف الموسيقى، آتي إلى هنا لأن كرفان يذكرني باحتفالات رأس السنة، يذكرني بالفرح، لا أعرف ماذا سأصبح عندما أكبر، لكني أتمنى أن يعود الجميع إلى هنا، كل أصدقائي رحلوا ولا أحب أن أبقى وحيدة.

فيما يروي لنا خلدون قصة إحدى طالباته التي فقدت والدتها ومنزلها إثر قصف قوات النظام، الطفلة والبالغة من العمر 8 سنوات عادت بعد فترة للالتحاق بكرفان وفي أول لقاء طلبت دفتراً وقلماً، واعتذرت كثيراً لأنها أضاعت دفترها القديم وأقلامها، فهم بقوا تحت الأنقاض، وهي لا تستطيع إزاحة الأنقاض لإخراجهم.

تحميل المزيد