رغم تعليق خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين إلى رواندا بحكم قضائي أوروبي، فإن حكومة بوريس جونسون مُصرة على المضي قدماً بها حتى إنها تعهدت بتغيير القوانين التي تعرقلها، رغم التفاصيل الصادمة التي تكشفت بشأنها، والانتقادات الموجهة للخطة من الحقوقيين والأمم المتحدة والكنيسة الأنجليكانية وحتى العائلة المالكة البريطانية.
وعاش 7 من طالبي اللجوء في بريطانيا، بينهم عراقيون وسوريون، أوقاتاً عصيبة، على متن طائرة تستعد للإقلاع من قاعدة عسكرية بريطانية لترحيلهم إلى رواندا، قبل أن يصدر قرار من محكمة حقوق الإنسان الأوروبية يمنع ذلك.
هذا الحكم الذي صدر أول من أمس الثلاثاء، سمح لبقية اللاجئين بتقديم طلبات استئناف عاجلة للمحاكم البريطانية للبت في قضاياهم بالاستناد إلى حكم المحكمة الأوروبية الذي يعتبر ملزماً لبريطانيا، لأنها دولة عضو بهذه المحكمة.
ويخالف حكم المحكمة الأوروبية التي تتبع مجلس أوروبا حكماً آخر صدر يوم الإثنين، من القضاء العالي البريطاني، سمح بالمضي قدماً في خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين إلى رواندا.
وقالت وزارة الداخلية البريطانية إنها تشعر بخيبة أمل، لأن الطعن القانوني يعني أن رحلة اليوم المتجهة إلى رواندا لن تغادر البلاد، مشيرة إلى أنه سيتم وضع العديد من اللاجئين الذين كانوا على متن هذه الطائرة التي كان يُفترض أن تغادر الثلاثاء، على رحلة تالية.
عراقي تعرض للتعذيب يعلّق خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين
قرار المحكمة الأوروبية صدر بناءً على دعوى رفعها طالب لجوء عراقي يبلغ من العمر 54 سنة واسمه (ك. ن).
وصل هذا الرجل للمملكة المتحدة، الشهر الماضي، وبمجرد وصوله أُخبر بأنه سيكون من بين المرحلين إلى رواندا، بدعوى أنه وصل إلى البلاد بطريقة غير قانونية وبالتالي لا يحق له طلب اللجوء، إلا أن طبيب مركز الاحتجاز الذي كان يوجد فيه، أصدر تقريراً يقول فيه إن هذا العراقي ربما كان ضحية للتعذيب.
وتقدم هذا العراقي عن طريق محامين بطلب إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية للبت في قضيته، وبالفعل قدرت المحكمة أن طالبي اللجوء الذين سيتم نقلهم من بريطانيا لرواندا لن يتمكنوا من الحصول على إجراءات عادلة للتعامل مع ملفاتهم.
وحسب الحكم أيضاً سيكون على الحكومة الانتظار 3 أسابيع لمنح المحاكم البريطانية النظر من جديد في ملفات طالبي اللجوء المهددين بالترحيل.
لم تقدم الحكومة البريطانية تفاصيل عن أولئك الذين تم اختيارهم للترحيل، لكن جماعات اللاجئين تقول إنها تضم أشخاصاً فروا من سوريا وأفغانستان، كما تبين بالفعل من اللاجئين الذين كانوا يستعدون للرحيل، أنها تضم طالبي لجوء من بلاد تعاني فعلاً من مشكلات أمنية وسياسية، وهي بلدان عربية وآسيوية مختلفة تماماً عن رواندا التي تريد لندن ترحيلهم لها.
وهاجمت مجموعات الدفاع عن المهاجرين خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين لرواندا ووصفتها بأنها غير إنسانية وغير قانونية منذ أبريل/نيسان الماضي.
لماذا يصر جونسون على هذه الخطة رغم الانتقادات؟
وبرر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الخطة بزعم أن هدفها إحباط العصابات الإجرامية المتورطة في تهريب البشر، وقلل من أهمية الطعون القانونية.
وقال جونسون إن خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين تردع الناس عن المخاطرة بحياتهم من خلال دفع أموال للمهربين لنقلهم إلى بريطانيا في قوارب مطاطية متسربة.
ودخل أكثر من 28 ألف مهاجر، إلى بريطانيا على متن قوارب صغيرة، العام الماضي، ارتفاعاً من 8.500 في عام 2020، وفقاً لإحصاءات حكومية، برزت مخاطر طريق الهجرة عبر بحر المانش والقنال الإنجليزي جلية عندما وقعت مأساة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث توفي 27 شخصاً بعد غرق قاربهم المطاطي في المياه بين بريطانيا وفرنسا.
وقال رضا حسين، أحد محامي المهاجرين، الإثنين الماضي، إن خطة الحكومة تتضمن الإبعاد القسري لطالبي اللجوء، إلى بلد لا يريدون السفر إليه كجزء من سياسة تهدف إلى ردع الآخرين عن محاولة دخول بريطانيا.
وأضاف في وثائق قدمها إلى المحكمة: "هذا يرقى، من أي وجهة نظر، إلى تدخل خطير في الكرامة الأساسية، حيث يعاني هؤلاء الأفراد بالفعل من صدمة كبيرة ولديهم مشاكل في الصحة العقلية".
تشارلز يخرج عن حياده ويسرّب انتقاداً حاداً للخطة
واعتبرت الأمم المتحدة خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين سابقة كارثية، وقال فيليبو غراندي، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين: "إذا كانت الحكومة البريطانية مهتمة حقاً بحماية الأرواح، فعليها العمل مع الدول الأخرى لاستهداف مهربي البشر وتوفير طرق آمنة لطالبي اللجوء، وليس مجرد نقل المهاجرين إلى دول أخرى"، فـ"السابقة التي يخلقها هذا كارثية لمفهوم يحتاج إلى المشاركة، مثل اللجوء".
وانضمت قيادة الكنيسة الإنجليزية إلى المعارضين للخطة، وأرسلت رسالة مشتركة إلى صحيفة التايمز اللندنية ليتم نشرها يوم الثلاثاء، وجاء في الرسالة: "سواء غادرت رحلة الترحيل الأولى بريطانيا اليوم إلى رواندا أم لا، فإن هذه السياسة يجب أن تخجلنا كأُمة"، "العار هو ملكنا، لأن تراثنا المسيحي يجب أن يلهمنا للتعامل مع طالبي اللجوء بالرحمة والإنصاف والعدالة، كما فعلنا منذ قرون".
تدخَّل الأمير تشارلز أيضاً في هذه القضية، حيث نقلت تقارير إعلامية، عن مصدر لم تحدده، أن وريث العرش وصف سياسة رواندا بأنها "مروعة". ورفض مكتب تشارلز التعليق، بينما أصر على أن أمير ويلز محايد سياسياً.
أثارت تعليقات تشارلز عاصفة نارية في الصحف البريطانية، حيث حذَّرت صحيفة "ديلي إكسبريس" أمير ويلز: "ابتعد عن السياسة يا تشارلز!"، وقالت صحيفة The Mail on Sunday: "لن نتراجع عن رواندا يا تشارلز".
لماذا رواندا تحديداً؟
وطالبو اللجوء الذين يتم ترحيلهم بموجب البرنامج، سيُجبرون على تقديم طلب لجوء في رواندا وليس بريطانيا.
ودفعت المملكة المتحدة لرواندا 120 مليون جنيه إسترليني (158 مليون دولار) مقدماً، وستدفع مبالغ إضافية بناءً على عدد الأشخاص المرحلين.
ورواندا بالفعل موطن لعشرات الآلاف من اللاجئين.
وساهمت المنافسة على الأراضي والموارد في البلد الصغير المساحة كثيف السكان في إذكاء التوترات العرقية والسياسية التي بلغت ذروتها في الإبادة الجماعية برواندا عام 1994، والتي قتل فيها أكثر من 800 ألف من عرقية التوتسي والهوتو المعتدلين الذين حاولوا حمايتهم.
في السنوات الماضية، حققت حكومة الرئيس الرواندي بول كاغامي تقدماً اقتصادياً كبيراً منذ الإبادة الجماعية، لكن المنتقدين يقولون إن ذلك جاء على حساب الحريات، حيث تشهد البلاد قمعاً سياسياً قوياً.
فلسنوات، اتهمت جماعات حقوق الإنسان حكومة رواندا بقمع المعارضة والسيطرة المشددة على العديد من جوانب الحياة، من سجن النقاد إلى إبعاد المشردين عن شوارع العاصمة كيغالي، بينما تنفي الحكومة الرواندية ذلك.
في المقابل، تقول الحكومة البريطانية إنه بينما كانت رواندا مسرحاً للإبادة الجماعية في عام 1994، فقد اكتسبت البلاد سمعة طيبة في الاستقرار والتقدم الاقتصادي منذ ذلك الحين، علماً بأنه سبق أن انتقدت الحكومة البريطانية سجل رواندا بمجال حقوق الإنسان في وثائق رسمية.
السبب هو البريكست
عندما كانت بريطانيا عضواً في الاتحاد الأوروبي، كانت جزءاً من نظام يمكّنها من إعادة أولئك اللاجئين الذين وصلوا لبريطانيا إلى دول الاتحاد الأوروبي الذين وصلوا إليها أولاً. فقدت بريطانيا هذا الخيار عندما انسحبت من الاتحاد الأوروبي قبل عامين.
منذ ذلك الحين، عملت الحكومتان البريطانية والفرنسية على إيقاف الرحلات ولكن دخلتا في قدر كبير من المشاحنات ولم تحقق جهودهما كثيراً من النجاح، ووصل الخلاف بين البلدين بسبب اللاجئين وقضايا أخرى إلى تهديد فرنسي بقطع الكهرباء عن بريطانيا.
"خطة لا إنسانية وغير واقعية"
الانتقادات للخطة لا تقتصر على كونها غير إنسانية، ولكنها أيضاً غير عملية ومكلفة لدافعي الضرائب البريطانيين، حسب تقرير لصحيفة the Guardian البريطانية.
سيدفع دافعو الضرائب البريطانيون فاتورة الخطة، وضمن ذلك تكلفة استئجار الرحلات الجوية لإخراج المحتجزين، لكن الوزراء لم يحددوا كم سيكلف البرنامج.
إضافة إلى وعد بريطانيا، رواندا بمبلغ أوّليٍّ قدره 120 مليون جنيه إسترليني كجزء من "صندوق التحول الاقتصادي والتكامل"، ستدفع المملكة المتحدة تكاليف الترحيل والإقامة في رواندا أيضاً.
وقالت وزارة الداخلية البريطانية إنه سيتم توفير مبلغ محدد من التمويل لكل شخص يتم نقله. لكنها رفضت تحديد المبلغ، بخلاف القول بأنه سيكون قابلاً للمقارنة مع تكاليف عملية التعامل مع طالبي اللجوء أثناء وجودهم في المملكة المتحدة وتغطية العاملين في القضايا والمشورة القانونية والمترجمين والإقامة والطعام والرعاية الصحية.
من الذين ستشملهم الخطة؟
يمكن اعتبار أي شخص بالغ يأتي إلى المملكة المتحدة دون تصريح- عن طريق القطار أو القارب أو الطائرة- مرشحاً للترحيل إلى رواندا.
سيتم إخبار شخص بقرار ترحيله قبل التنفيذ بخمسة أيام، ويقول المسؤولون البريطانيون إن معظم الناس في تلك الفترة لديهم إمكانية الوصول إلى المشورة القانونية. ومع ذلك، لا يوجد حق قانوني في الاستئناف.
وقال المسؤولون إنه ستكون هناك مرحلة تقييم، حيث سيتم أخذ قوة طلب اللجوء الخاص بكل فرد في الاعتبار، إضافة إلى طريقة وصولهم إلى البلاد.
ولكن من الواضح من جنسيات وحالات الأشخاص الذين كانوا على وشك الترحيل في أول طائرة، أنهم ينتمون إلى العراق وسوريا، وهما بلدان معروفان بمشكلاتهما الكبيرة، وتعرض قطاعات كبيرة من السكان فيهما للاضطهاد، كما أن طالب اللجوء العراقي، الذي رفع الدعوى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، مشتبه في أنه خضع للتعذيب كما سبقت الإشارة.
والتفاصيل شحيحة حتى الآن، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المسؤولين البريطانيين لا يريدون إبلاغ الأشخاص المرحلين؛ حتى لا يأخذوا إجراءات احترازية. وقالت رواندا إنها لن تقبل إلا البالغين الذين ليس لديهم سجل جنائي.
كم عدد الأشخاص الذين سيتم ترحيلهم؟
قال بوريس جونسون إن الاتفاقية "غير محدودة"، وإن رواندا سيكون لديها "القدرة على إعادة توطين عشرات الآلاف من الناس في السنوات المقبلة".
ولا يُتوقع إعادة طالبي اللجوء من رواندا إلى بريطانيا، بغض النظر عن كيفية دخولهم المملكة المتحدة.
ماذا سيحدث لهم بمجرد وصولهم إلى رواندا؟
أثناء وجود طالبي اللجوء الذين سيتم ترحيلهم في المملكة المتحدة، سيكونون ضمن المسؤولية البريطانية، ولكن بمجرد وضعهم على متن الطائرة، سيكونون من مسؤولية الحكومة الرواندية، حسب المسؤولين البريطانيين.
وسيخضع المهاجرون لقواعد الهجرة الرواندية بمجرد هبوطهم. تقول الحكومة الرواندية إنه سيتم تشجيعهم على التقدم بطلب للحصول على وضع "لاجئ"، ولن يكون لهم الحق الفوري في العودة إلى المملكة المتحدة.
يمكن لأي شخص تقرر السلطات الرواندية ترحيله- مثل الأشخاص الذين يرتكبون جريمة- إلى أول بلد "آمن" أو إلى بلدهم الأصلي. سيبقى طالبو اللجوء في نزل أثناء معالجة طلباتهم. ومن المتوقع أن يستغرق هذا نحو ثلاثة أشهر. ويقول مسؤولون روانديون إنه سيسمح لهم بالتنقل بحرية ومغادرة الممتلكات.
ينص الاتفاق المبرم مع رواندا أيضاً على أن المملكة المتحدة ستعيد توطين "جزء من اللاجئين الروانديين الأكثر ضعفاً" في المملكة المتحدة.
ليست أول مرة تفعلها رواندا
تم توقيع اتفاقية مماثلة بين رواندا وإسرائيل استمرت من 2014 إلى 2017. وسرعان ما غادر مئات المرحلين من إسرائيل إلى رواندا البلاد. وزعمت التقارير أن كثيرين عادوا إلى أوروبا.
وتجري الحكومة الدنماركية محادثات مشابهة مع الحكومة الرواندية، من المعروف أن الدنمارك سبق أن أصدرت قراراً بترحيل اللاجئين السوريين المنتمين إلى دمشق لبلادهم باعتبار أن العاصمة آمنة رغم أنه من المعروف أن النظام الأسد يمارس اضطهاداً عاماً ضد كل اللاجئين حتى غير المسيسيين وضمن ذلك مصادرة أملاكهم.
المفارقة أن كبار المستشارين القانونيين يعتقدون أن خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين إلى رواندا تخرق ثلاث مواد من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وثلاث مواد من اتفاقية اللاجئين. كما يمكن الطعن فيها بموجب قانون التمييز إذا اعتُبر، على سبيل المثال، أن الأوكرانيين معفون.
الخطة تصرف الانتباه عن حفلة جونسون المستهترة
وخطة بريطانيا لترحيل اللاجئين غريبة للغاية، حسب وصف صحيفة the Guardian، لدرجة أن الموظفين في وزارة الداخلية وحرس قوات الحدود ومحامي حقوق الإنسان غير متأكدين مما إذا كان ذلك ستنفذ بالفعل على الإطلاق.
وتضيف الصحيفة مستدركة: "ولكن من المؤكد أنها تصرف الانتباه عن غرامة بوريس جونسون الأخيرة لخرق قواعد Covid، حيث تحظى الخطة بشعبية كبيرة بين مجموعة من نواب البرلمان الذين يحملون مصير جونسون في أيديهم".
ومن المعروف أن جونسون يتعرض لانتقادات حتى من داخل حزبه، بسبب إقامة حفل في أثناء إغلاقات كورونا بمقر رئاسة الوزراء، فيما اعتبر استهتاراً بالقوانين في وقت كانت الحكومة تلزم البريطانيين بتطبيق إجراءات احترازية صارمة، ولكنه ينفي معرفته بما حدث.
"انتظِروا الطائرة القادمة"
وبعد قرار المحكمة الأوروبية، يتوقع فتح باب من المعارك القانونية، ربما الشهر المقبل حين تصدر المحكمة العليا رأيها النهائي في خطة بريطانيا لترحيل اللاجئين المثيرة للجدل.
وقال جونسون: "نعلم أنه سيكون هناك كثير من الإجراءات القانونية ضد الخطة وسيحاولون تأخيرها، ولكن هذا أمر لا مفر منه".
من جهتها، قالت وزيرة العمل البريطانية إن الحكومة ستغير أي قانون يعيق نقل اللاجئين، مؤكدةً أن الطائرة التالية إلى رواندا ستقلع حسب الخطة.