آخر أزمات ماكرون.. قصة التهديد الفرنسي الغريب لبريطانيا بحصارها وقطع الكهرباء عنها أثناء الكريسماس

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/18 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/18 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون/رويترز

في تصرف مثير للاستغراب، تجددت تهديدات فرنسا لبريطانيا بقطع الكهرباء مع اقتراب أعياد الميلاد بسبب الخلافات حول حقوق الصيد بين البلدين، ولكن هذه المرة جاءت التهديدات مع محاولة لتوريط الاتحاد الأوروبي في الأزمة، مترافقة مع تلويح بتهديدات أكثر خطورة.

وجاءت تهديدات فرنسا لبريطانيا بقطع الكهرباء بعد رفض الأخيرة إعطاء تراخيص صيد لعدد من السفن الفرنسية؛ لأنها- حسبما تقول لندن- فشلت في تقديم أدلة على صيدها على امتداد ستة إلى 12 ميلاً بحرياً في السنوات التي سبقت استفتاء البريكسيت عام 2016، ولذا منحت بريطانيا تراخيص لنحو ربع السفن الفرنسية المتقدمة.

وتضاف تهديدات فرنسا لبريطانيا بقطع الكهرباء لسلسلة من الأزمات التي افتعلها ماكرون مع حلفاء وأصدقاء فرنسا منذ توليه السلطة والتي تزايدت وتيرتها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2020.

تهديدات فرنسا لبريطانيا بقطع الكهرباء جاءت على لسان حليف ماكرون

وقال الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمنت بون، الذي يوصف بأنه "حليف وثيق للرئيس إيمانويل ماكرون"، إن اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يجب "تنفيذه بالكامل" لتجنب اتخاذ فرنسا "إجراءات أوروبية أو وطنية لممارسة الضغط على المملكة المتحدة" .

وأضاف: "على سبيل المثال يمكنك تخيل حال جزر القنال بدون كهرباء، حيث تعتمد المملكة المتحدة علينا في إمدادات الطاقة".

لم يشرح الوزير كيف ومتى تنوي فرنسا تنفيذ هذا التهديد- لكنه يردد تهديداً سابقاً أطلقه وزير الثروة السمكية أنيك جيراردان في مايو/أيار 2021.

وإضافة لهذا التهديد، يشعر وزراء جزيرة جيرسي البريطانية القريبة من السواحل الفرنسية بالقلق من أن سفن الصيد الفرنسية قد تغلق ميناء جيرسي في سانت هيلير وأن  تمنع باريس أسطول الصيد من دخول موانئ نورماندي الفرنسية كما فعلوا في وقت سابق من هذا العام.

فرض حصار على بريطانيا 

وجاء تهديد الوزير الفرنسي بعد تهديد أخطر من الصيادين الفرنسيين لوحوا فيه بإفساد إجازات عيد الميلاد للبريطانيين بقطع الإمدادات الحيوية عن الجزر البريطانية إذا لم تحترم المملكة المتحدة شروط اتفاقية خروجها من الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالصيد.

وقال الصيادون الفرنسيون أيضاً إنهم قد يغلقون ميناء كاليه الشمالي وخط السكك الحديدية في القناة كجزء من محاولة لمنع إمدادات عيد الميلاد إلى المملكة المتحدة، إذا لم تمنح لندن المزيد من تراخيص الصيد.

وقال أوليفييه ليبريتر، رئيس لجنة مصايد الأسماك في شمال فرنسا، إنه "إذا فشلت المفاوضات"، فإن الصيادين الفرنسيين "سيمنعون جميع المنتجات الفرنسية والأوروبية من الوصول إلى المملكة المتحدة"، وأضاف قائلاً: "سنوقف وصول جميع المنتجات البريطانية إلى أوروبا".

وتابع قائلاً: "ما لم يتراجع بوريس جونسون، لن يكون لدى البريطانيين الكثير من الأشياء اللطيفة لتناولها في عيد الميلاد هذا العام. آمل ألا يحدث ذلك".

وصيد الأسماك يشكل نسبة ضئيلة من الاقتصاد الفرنسي، "لكنه يمثل قضية سياسية مهمة في المناطق الساحلية الشمالية (بفرنسا) حيث يكون اليمين هو الأقوى"، حسب صحيفة التليغراف البريطانية.

وأشارت الصحيفة إلى أن إطلاق مثل هذا التهديد في خضم أزمة الطاقة ببريطانيا سيكون هذا أمراً خطيراً. وكذلك تهديد الصيادين الفرنسيين بإغلاق القنال في الفترة التي تسبق عيد الميلاد، وبالأخذ في الاعتبار المشاكل في سلاسل التوريد التي وقعت مؤخراً، فإن ذلك قد يكون له تأثير كبير على واردات المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية في بريطانيا.

وأعلنت الحكومة البريطانية الشهر الماضي أنها وافقت على 12 من أصل 47 طلباً وردت من قوارب صغيرة فرنسية.

كيف ردت بريطانيا؟

رفض الوزراء البريطانيون التهديدات الفرنسية بقطع إمدادات الطاقة عن بلادهم.

ديفيد فروست، المفاوض السابق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي يشغل الآن منصب وزير الدولة في مكتب مجلس الوزراء البريطاني، اتهم فرنسا بتوجيه تهديدات "غير معقولة" لمنع وصول المملكة المتحدة إلى سوق الطاقة في الاتحاد الأوروبي.

وقال إنه "مثال آخر على لجوء الاتحاد الأوروبي إلى تهديدات لا داعي لها"، مضيفاً: "رغم كل الإحباطات التي حدثت خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، لا أستطيع أن أتصور أننا كدولة قد لجأنا إلى تلك الأنواع من التهديدات".

جزر جيرسي البريطانية في مأزق

ويزود كابلان تحت سطح البحر قادمان من فرنسا المملكة المتحدة بالكهرباء الكافية لتشغيل ثلاثة ملايين منزل.

هذا أكثر من الإنتاج الإجمالي الناتج عن مزارع الرياح البريطانية.

هذه الوصلات الكهربائية هي كابلات عالية الجهد تربط أنظمة التوزيع في البلدان المجاورة، مما يسمح لها بتقاسم الطاقة الزائدة.

وتضرر الاتصال بين المملكة المتحدة وفرنسا الشهر الماضي بسبب حريق، وهناك مخاوف من أنه لن يعود إلى طاقته التشغيلية الكاملة حتى مارس/آذار.

تهديدات فرنسا لبريطانيا
أسطول الصيد الفرنسي شوهد عند مدخل الميناء في سانت هيلير في جزر جيرسي/رويترز

ولكن المشكلة ستكون أكبر بالنسبة لجزر جيرسي البريطانية ذات الحكم الذاتي.

إذ تقع جزر القنال جيرسي وجيرنسي بالقرب من فرنسا، وتعتمد جزر جيرسي على شركة الطاقة الفرنسية العملاقة EDF لتزويدها بالكهرباء، لكنَّ لديها مولداً عمره عقود لتوفير حل مؤقت إذا أطفأ الفرنسيون الأنوار في الجزيرة.

وقال السناتور إيان جورست، وزير العلاقات الخارجية في جيرسي ذات الحكم الذاتي: "أعتقد بشكل واقعي أن الفرنسيين لن يسعوا إلى إيقاف توصيل الطاقة، ولكن قد يكون هناك عدد من الإجراءات الأخرى لتقييد وصول البريطانيين وخاصة سكان الجزر إلى الموانئ الفرنسية وكذلك إجراءات تتعلق بالتعريفات في الموانئ الفرنسية".

ولكنه استدرك قائلاً: "إذا فعلوا ذلك، فسيكونون قد انتهكوا اتفاقية التجارة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".

هل تستطيع فرنسا تنفيذ هذه التهديدات؟

لكن رغم هذه التهديدات، فإن فرنسا غير قادرة على قطع نفوذ بريطانيا بحسب وزير في الحكومة البريطانية.

وزعم مصدر مطلع أن الوزير الفرنسي كان يوجه تهديدات فارغة.

وقال إن العلاقات البريطانية الفرنسية ستُدمر من جراء مثل هذا العمل، وبالتالي فإن التهديدات لا معنى لها.

وقال المصدر لصحيفة MailOnline: "إذا قطعت فرنسا إمدادات الطاقة، فلن نستخدمها مرة أخرى"، متسائلاً: "لماذا قد تعود مرة أخرى إلى المزود الذي فعل ذلك؟ ستزول الثقة. سوف يلحقون الضرر بأنفسهم على المدى الطويل".

نزاع أدى إلى استخدام السفن الحربية

وحقوق الصيد هي نقطة الخلاف الرئيسية بين المملكة المتحدة وفرنسا وكانت حجر عثرة رئيسياً لاتفاق التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بين لندن وبروكسل بعد خروج المملكة المتحدة في 1 يناير/كانون الثاني 2019.

واندلع النزاع بين باريس ولندن مرة أخرى في مايو/أيار 2021 بعد أن احتشد أسطول مكون من 50 سفينة صيد فرنسية في ميناء سانت هيلير في جزيرة جيرسي البريطانية.

وأثار هذا  الاحتجاج مواجهة مريرة وصلت إلى قيام فرنسا وبريطانيا بإرسال سفن حربية.

وزادت مرارة الخلافات بين البلدين مؤخراً، بسبب إلغاء أستراليا لصفقة شراء غواصات عاملة بالديزل من فرنسا لصالح بدائل عاملة بالطاقة النووية من بريطانيا والولايات المتحدة.

كيف رد الاتحاد الأوروبي على محاولة فرنسا توريطه في الأزمة؟

تدفع الحكومة الفرنسية الاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف أقوى في النزاع مع المملكة المتحدة حول حقوق الصيد.

ووصل الأمر إلى درجة حث فرنسا الاتحاد الأوروبي على قطع إمدادات الطاقة عن المملكة المتحدة وجيرسي في خلاف حول الصيد

وقال الوزير الفرنسي  للشؤون الأوروبية إن لراديو Europe One: "بما أننا نتحدث عن الطاقة، المملكة المتحدة تعتمد على إمدادات الطاقة القادمة من جانبنا. فهل تعتقد أنها تستطيع أن تعيش بمفردها وتضرب أوروبا؟".

وأضاف: "تحدثت مع نظرائي الأوروبيين حول هذا الموضوع- سنتخذ إجراءات على المستوى الأوروبي أو على المستوى الوطني، لممارسة الضغط على المملكة المتحدة".

ولكن المفوضية الأوروبية طلبت من الحكومة الفرنسية تخفيف حدة الخطاب والتهديدات بقطع إمدادات الطاقة في المملكة المتحدة وإغلاق الموانئ في النزاع حول حقوق الصيد، حسبما ورد في موقع inews البريطاني.

وقال السناتور إيان جورست وزير العلاقات الخارجية في جزيرة جيرسي البريطانية ذات الحكم الذاتي: إن جيرسي سوف تتطلع إلى الحكومة في لندن للحصول على الدعم إذا استمر الفرنسيون في التهديدات، وأضاف: "كما أننا نطلب من المفوضية الأوروبية التدخل".

ويبدو أن مناشدات جيرسي كانت ناجحة، حيث تشير التقارير إلى أن المفوضية الأوروبية رفضت مطالب من الفرنسيين بفرض رسوم جمركية على المملكة المتحدة وقطع إمدادات الطاقة حتى اكتمال التحقيق الكامل في النزاع.

وقال دبلوماسي من بروكسل لصحيفة الديلي تلغراف: "مرة أخرى، تستغل فرنسا الاتحاد الأوروبي من أجل مصالحها الذاتية".

وقال مصدر آخر: "نحتاج إلى تبريد الأزمة والجلوس والتحدث بشكل ودي، الأجواء ساخنة جداً في الوقت الحالي وهذا لا يساعد أي شخص".

وتعلق صحيفة التليغراف البريطانية على تهديدات فرنسا لبريطانيا بقطع الكهرباء قائلة إن "تهديدات فرنسا ضد بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي أدت إلى عزل ماكرون بشكل متزايد".

وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، رأى ماكرون أنها فرصة لجعل بلده اللاعب الرئيسي في التكتل. ومع تأثر ألمانيا بتاريخها النازي وقرب رحيل أنجيلا ميركل من منصب المستشارية سعى ماكرون إلى قيادة الاتحاد من خلال اقتراح تكامل أكبر. 

ولكن الاتحاد الأوروبي لم يدعم الخط المتشدد لفرنسا بشأن حقوق الصيد في القنال (الإنجليزي)، ومع ذلك، وبدلاً من قبول الإجماع الأوروبي، فإن ماكرون مصمم على اتباع مسار عمل أحادي الجانب، حسب الصحيفة البريطانية.

واختتمت الصحيفة: "إذا كان ماكرون هو (الأوروبي الجيد)، كما يدعي، فعليه ترك هذه الأمور لتتم تسويتها من خلال المحادثات بين المفوضية الأوروبية وحكومة بريطانيا".

تحميل المزيد