أفتى الشيخ عصام تليمة الداعية المصري والباحث الإسلامي وأحد علماء الأزهر الشريف، أنه "لا طلاق بغير شهود"، مشيراً إلى أن تلك الظاهرة الاجتماعية أصبحت آفة تهدد المجتمع الإسلامي وتهدم على إثرها مؤسسة الأسرة بكلمة واحدة ينطقها الرجل.
تليمة في تدوينة له السبت 20 فبراير/شباط 2016، بـ"عربي بوست"، قال إن الزواج سماه الله عز وجل (الميثاق الغليظ)، ولا يباح إلا بأركان وشروط، منها الشهود، وكذلك لا تحرم الفروج إلا بنفس الشروط والأركان، متسائلا: "كيف نترك فك هذا الميثاق الغليظ لكلمة طائشة تخرج في غضب، ودون شهود، رغم أنها توثقت بشروط شديدة جدًّا".
ودعا تليمة العلماء لعدم إقرار وقوع الطلاق بغير شهود مستشهداً باستنكار المشايخ للزواج العرفي الذي يتمّ بين بعض طلبة الجامعة، بغير شهود، ودون توثيق، ويفتي العلماء بحرمته، وقال "كيف نتناقض في نفس الأمر في الطلاق، ونعترف بما هو غير موثق، وغير متوافر فيه شرط الشهود؟!".
وذكر تليمة عدداً من الدلائل على فتواه، مشيراً في نهاية مقاله للفوائد الجمة التي ستعود على الأسرة والمجتمع إذا لم يقع الطلاق إلا بتوثيق الشهود.
الداعية المصري والباحث الإسلامي كان قد نشر عبر "عربي بوست" عدة تدوينات عن تجديد الخطاب الديني حول قضايا الطلاق.
وإلى نص المقال:
لا طلاق بغير شهود
تقف عقلية بعض المشايخ وفقههم عائقاً كبيراً أمام حل مشكلة الطلاق، فالفقيه الحق مطلوب منه: أن يتسع أفقه ليطّلع على كل الآراء الفقهية، وكل الأدلة، خاصة في قضية حساسة وشائكة كالطلاق، التي تزداد يوماً بعد يوم، وأهم ركن في الطلاق نرى المشايخ لا يشترطونه، ولا يعتمدونه في فتاواهم، هو وجود شهود على الطلاق، فنراهم يوقعون الطلاق، بمجرد تلفظ الرجل لفظ الطلاق، فتهدم مؤسسة الأسرة بكلمة، رغم أن الشرع الإسلامي عندما شرع الزواج اشترط فيه الشهود. فإذن لا تباح الفروج إلا بنص شرعي، وأركان وشروط، ومنها: الشهود، فكذلك لا تحرم الفروج إلا بنفس الشروط والأركان، فقد سمى الله الزواج: (الميثاق الغليظ)، فكيف نترك فك هذا الميثاق الغليظ لكلمة طائشة تخرج في غضب، ودون شهود، رغم أنها توثقت بشروط شديدة جدًّا.
وإذا كان المشايخ يستنكرون الزواج العرفي الذي يتمّ بين بعض طلبة الجامعة، الذي يكون بغير شهود، وبغير توثيق، ويفتون بحرمته، فكيف نتناقض في نفس الأمر في الطلاق، ونعترف بما هو غير موثق، وغير متوافر فيه شرط الشهود؟!
لقد تناول القرآن الكريم قضية الطلاق والمراجعة، في سورة الطلاق، فقال تعالى: (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) الطلاق:2، فالآية الكريمة الواردة في سورة (الطلاق)، والتي عنيت بالحديث عن الطلاق بين الزوجين، تُبين أمراً مهمًّا، وهو أنه تُخيِّر الزوج بين المعاشرة بالمعروف، وإلا فمفارقة بالمعروف، وعند المفارقة مطلوب: أن يشهد ذوا عدل منا، وأمر الله تعالى الشهود بأن يقيموا الشهادة لله، دلالة على أهمية الإشهاد هنا، ويقول العلامة الطاهر ابن عاشور: (وظاهر صيغة الأمر: الدلالة على الوجوب، فيتركب من هذين أن يكون الإشهاد على المراجعة وعلى بت الطلاق واجباً على الأزواج، لأن الإشهاد يرفع أشكالاً من النوازل، وهو قول ابن عباس، وأخذ به يحيى بن بكير من المالكية، والشافعي في أحد قوليه، وابن حنبل في أحد قوليه، وروي عن عمران بن حصين، وطاووس، وإبراهيم، وأبي قلابة، وعطاء).
بل إن فقيهاً كبيراً كابن حزم الظاهري رأى وجوب الإشهاد، في الطلاق والرجعة، فقال: (إن الله قرن بين المراجعة والطلاق والإشهاد، فلا يجوز إفراد بعض ذلك عن بعض، وكل من طلَّقَ ولم يُشهد، أو راجع ولم يشهد، متعدياً لحدود الله).
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة مرجحاً شرط الإشهاد في الطلاق: (وإنه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا ذلك الرأي، فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين، يمكنهما مراجعة الزوجين فيضيِّقان الدائرة، ولكيلا يكون الزوج فريسة لهواه، ولكي يمكن إثباته في المستقبل فلا تجري فيه المشاحة، وينكره المطلِّق إن لم يكن له دين. والمرأة على علم به، ولا تستطيع إثباته، فتكن في حرج ديني شديد).
وكانت هناك محاولة لمشروع الأحوال الشخصية في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، في عام 1967م، فقد قامت لجنة برئاسة الشيخ محمد فرج السنهوري، بوضع مشروع للقانون وتعديله، فكان نص المادة
(109) منه تنص على: (لا يقع الطلاق إلا بحضور شاهدين رجلين أو رجل وامرأتين)، ثم بينت دوافعها في ترجيح هذا الرأي.وقد أخذ بهذا الرأي (اشتراط الإشهاد في الطلاق) من الفقهاء الكبار المعاصرين هؤلاء: العلامة محمد جمال الدين القاسمي، والعلامة الطاهر ابن عاشور علامة تونس المعروف، والعلامة القاضي الشيخ أحمد شاكر، والعلامة الشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ علي الخفيف، والدكتور محمد يوسف موسى، والدكتور عبد الرحمن الصابوني في رسالة دكتوراه نوقشت في الأزهر، والدكتور محمد سلام مدكور، والعلامة الشيخ محمد فرج السنهوري، وغيرهم.
فوائد الأخذ بهذا الرأي:
وفوائد الأخذ بهذا الرأي الفقهي، وهو اشتراط الشهود لوقوع الطلاق:
1ـ أنه يقلل بشكل كبير من نسبة الطلاق.
2ـ وأنه يتوافق وينسجم مع روح الشريعة الإسلامية التي تميل إلى حفظ الحقوق، بالتوثيق الشديد من حيث الشهود، فكما يشترط في الزواج بأقوال الفقهاء، فاشتراطه في الطلاق أولى ومهم أيضاً.
3ـ يعطي الزوج فرصة لمراجعة نفسه، وعدم اتخاذ القرار إلا بعد تفكر وتأنٍ.
4ـ يفتح باباً للشهود أن يقوموا بدور في الإصلاح بين الزوجين، قبل الذهاب إلى الطلاق رسميًّا.
فخلاصة ما ننتهي إليه، ونؤمن به: أنه لا زواج بدون شهود، وكذلك لا طلاق بغير شهود.مراجع يمكن الرجوع إليها للاستزادة في الموضوع:
الأحوال الشخصية لمحمد أبو زهرة ص: 368-371.
مدى حرية الزوجين في الطلاق لعبد الرحمن الصابوني ص: 473-484.
نظام الطلاق في الإسلام لأحمد شاكر ص: 118 وما بعدها.
فرق الزواج لعلي الخفيف ص: 131.
الأحوال الشخصية لمحمد يوسف موسى ص: 271.
الطلاق في الإسلام لكمال أحمد عون ص: 71-81.
أحكام الأسرة في الإسلام لمحمد سلام مدكور الجزء الثاني ص: 79-84.
التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور (28/309).