بين ناضجة ونصف ناضجة، وشبه نيئة، تختلف أذواقنا فيما يتعلق بتناول قطع اللحوم الحمراء. ولعلّ أغلب الذين يفضّلون قطعة الستيك ناضجة، فإن اختيارهم نابع من الاعتقاد السائد بأن العصارة الحمراء التي تخرج منها هو دم.
وفي الواقع يُسعدنا أن نخبرك عزيزي القارئ أن السائل الأحمر في اللحوم ليس دماً. هذا اللون الأحمر الذي يتدفق من شرائح اللحم، في حال كانت نصف ناضجة أو شبه نيئة، هو مزيج من الماء وبروتين يُعرف بـ"الميوجلوبين"، يُطلق عليه خبراء الطهي اسم "عصارة اللحم".
ما هو الميوجلوبين؟
الميوجلوبين (Myoglobin) هو بروتين موجود في اللحوم الحمراء مسؤول عن حمل الأكسجين إلى خلايا العضلات بالتحديد، لونه أحمر طبيعي، ولهذا يظن الناس أنه دم؛ والأهم أنه آمن تماماً لتناوله.
يُصبح الميوجلوبين أكثر قتامة عندما يتعرض للحرارة، وهذا هو السبب في أن شرائح اللحم الناضجة بشكلٍ كامل لم تعد تبدو حمراء اللون أو "دموية"، رغم أن الميوجلوبين ما زال بداخلها.
تتكون جميع اللحوم الحمراء من حوالي 75% من الماء الموجود في خلايا أنسجة العضلات. غالباً ما يتم تطهير اللحوم المجمَّدة، ثم المذابة. وعندما يصبح الماء جليداً، فإنه يشكل بلورات.
تقطع بلورات الثلج هذه خلايا اللحم، لذا عندما تذوب اللحوم، يتسرب منها الماء والميوجلوبين. غالباً ما تجد قطعاً من اللحم في محلات السوبرماركت مصنفة على أنها طازجة، ولكنها غالباً ما تكون مجمدة جزئياً أثناء عملية النقل أو التخزين.
ووفق موقع New York Post، فعندما تتقدم قطعة اللحم في العمر، تتفكك أنسجة العضلات، ما يؤدي إلى تسرب السائل والميوجلوبين. هذا المزيج يُطلق عليه اسم "التطهير" (Purge). ولهذا، فغالباً ما تُعرض قطع اللحم في السوبرماركت على ما يشبه الإسفنجة البيضاء.
أين يذهب الدم إذاً؟
أثناء عملية الذبح، يتم تصريف كل الدم تقريباً. وحتى في شرائح اللحم الطازجة، يوجد القليل جداً من الدم. لذا، من الخطأ أن نصف قطعة الستيك شبه النيئة (Rare) بـ"الدموية" (Bloody).
فهي تبدو وكأنها مليئة بالدم، لكن الواقع أن الميوجلوبين لم يتفاعل بعد مع الحرارة، وبالتالي لم يتغير لونه. بالمقابل، تجف شريحة اللحم الناضجة (Well Done) جيداً من العصارة الحمراء، لأن الماء وبروتين الميوجلوبين قد تبخرا، تاركين الشريحة من دون رطوبة.
ما يعني أن هذا البروتين هو أيضاً سبب وجود شرائح اللحم بألوان مختلفة عند مستويات مختلفة من النضج. عند درجة حرارة نادرة أو متوسطة، يكون لون الميوجلوبين أحمر فاتحاً.
لكن مع ارتفاع درجة الحرارة، يصبح غامقاً. وعند النضج الجيد، يتحول الميوجلوبين إلى ميتميوجلوبين (Metmyoglobin)، مما يعطي اللحم لوناً رمادياً.
تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض شرائح اللحم تحتوي على مستويات أعلى من بروتين الميوجلوبين بشكلٍ طبيعي. فالـRibeye Steak مثلاً تكون عصارتها حمراء داكنة من وفرة الميوجلوبين فيها.
نصيحة: في المرة التالية التي تنظر فيها إلى منضدة مليئة بشرائح اللحم، اختر ذات اللون الأحمر الداكن، لأنه غالباً ما يعني ذلك أن هذا البروتين مخلوط مع الدهون. وهذا يمنح الشريحة مزيداً من الطراوة والنكهة.
وعلى العموم، يقترح موقع Steak School أن تترك شرائح اللحم ترتاح لما يقارب الـ5 دقائق بعد الطهي.
فمن شأن ذلك أن يسمح للعصائر بإعادة التوغل في اللحم. وعندما يبرد اللحم، يسحب الرطوبة والدهون والميوجلوبين مرة أخرى إلى أنسجة العضلات، ما يمنحنا شريحة لحم أكثر طراوة مع نكهة بارزة.
اللحوم الحمراء والبيضاء
كلما زاد عدد جزيئات بروتين الميوجلوبين في اللحوم، كان لونها أغمق. هذا هو السبب في أن بعض الحيوانات لحومها حمراء وأخرى بيضاء.
فالحيوانات ذات اللحم الأحمر تستخدم عضلاتها في أنشطة مكثّفة، ما يعني تكوين المزيد من هذا البروتين في أنسجتها العضلية. وهذا هو الفرق بين اللحوم الحمراء والبيضاء.
لا يحتوي لحم صدور الدجاج على بروتين الميوجلوبين ولا على اللون الأحمر، لكن الأرجل والأجنحة تحتوي عليه. غالباً ما يتم تصنيف لحم الخنزير -بشكلٍ خاطئ- على أنه لحم أبيض، إلا أنه يحتوي على هذا البروتين، ولكن بكميات أقل من لحم البقر.
تعتبر الأسماك عموماً من اللحوم البيضاء، لكن سمك التونة وسمك القرش وسمك أبو سيف من بين الأنواع الأكثر شيوعاً التي تحتوي على البروتين الشهير. ورغم أنه وردي، لا يحتوي سمك السلمون عليه، بل على "الكاروتينات"، وهي نفس المجموعة الكيميائية التي تجعل الجزر برتقالياً.