يتسبب أي شيء يخص زعيم كوريا الشمالية في حالة من التكهنات في الغرب وربما حول العالم، حتى ولو كان ذلك نشر صور للزعيم مع ابنته، فكيف فسرت أجهزة المخابرات والمحللون ذلك الظهور غير الاعتيادي لكيم جونغ أون صحبة "محبوبته" الصغيرة؟
كانت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية قد نشرت صوراً لكيم وابنته كيم جو آي، خلال الأيام الماضية، دون ذكر لاسم ابنة الزعيم الكبرى أو تاريخ التقاط الصور، واكتفت بالإشارة إليها بوصفها "الطفلة الأعز إلى قلب زعيم البلاد"، وهو ما أثار تكهنات بشأن خلافة الرئيس الكوري الشمالي.
هل تخلفه "الطفلة الأعز" لقلبه؟
كأب فخور بابنته، ظهر زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، رفقة ابنته الكبرى علناً للمرة الأولى، وتناقلت وسائل الإعلام الرسمية الصور على مدار الأشهر الماضية، وفي إحداها تظهر الابنة، كيم جو آي، متأبطةً ذراع والدها، فيما يظهر في الخلفية ما يشبه موقع لإطلاق الصواريخ.
وفي صورة أخرى، تظهر الابنة وهي تقف بالقرب من والدها الزعيم، فيما كان جالساً، وسط تصفيق وابتهاج من الجنود. وذكرت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الرسمية أن كيم وابنته التقيا عدداً من الجنود والعلماء خلال إطلاق صاروخ هواسونغ -17 العابر للقارات والقادر على حمل رؤوس نووية.
وفي ظل غياب أية معلومات رسمية صادرة عن وسائل الإعلام الكورية الشمالية بشأن أسرة الزعيم وأطفاله، تعتقد مخابرات كوريا الجنوبية أن كيم جو آي وُلدت في عام 2013، وتعد الطفلة الثانية، حيث لدى الزعيم الكوري الشمالي ثلاثة أطفال؛ هما ابن وابنتان.
وعرضت وسائل الإعلام الحكومية في كوريا الشمالية صوراً تُظهر كبار المسؤولين بالدولة الشيوعية وهم ينحنون لابنة كيم جونغ أون، مع وصفها من قِبل الإعلام الكوري الشمالي باعتبارها "الطفلة الأعز" إلى قلب زعيم البلاد.
وبدت ملابس كيم جو آي أنيقة، حيث ارتدت سترة بيضاء ومعطفاً أسود طويلاً مع ياقة مبطنة بالفراء، مما يعكس حرص والدتها، ري سول جو، على الموضة، حيث تعد زوجة كيم رمزاً للأناقة في كوريا الشمالية، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.
كانت الاستخبارات الكورية الجنوبية قد أبلغت كبار المسؤولين في مطلع يناير/كانون الثاني الجاري، أن اصطحاب الزعيم الكوري الشمالي ابنته إلى الأماكن العامة يفسَّر على أنه خطوة لتمهيد طريق خلافة الزعيم الثالث من سلالة كيم، التي تحكم كوريا الشمالية منذ تأسيسها عام 1948.
لكن هذا التفسير يعتبر غريباً للغاية لعدد من الأسباب، أبرزها هو أن كيم جونغ أون نفسه قد أكمل لتوّه عامه التاسع والثلاثين فقط، لكن تصر أجهزة المخابرات الكورية الجنوبية والغربية وكثير من المحللين على أنه من المحتمل أن قضية خلافته بدأت تأخذ حيزاً من النقاش داخل أروقة الحكم في كوريا الشمالية.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تناولت قصة ظهور الزعيم مع ابنته في تقرير مطول لها عنوانه "هل تكون (الابنة الأعز) لكيم جونغ أون زعيمَ كوريا الشمالية المقبل؟"، رصد كيف أن اسم وعُمر تلك الابنة لا يزالا محل تخمين، في ظل غياب المعلومات الرسمية. كما كانت صحيفة واشنطن بوست قد تناولت القصة أيضاً في تقرير سابق، عنوانه "رفع السرية عن ابنة كيم جونغ أون للمرة الثانية خلال أيام".
زعيم كوريا الشمالية حديث العالم
السبب الرئيسي لهذا الانشغال الغربي والعالمي بزعيم كوريا الشمالية هو بطبيعة الحال الأسلحة النووية، التي تمتلكها الدولة الشيوعية، التي تعتبر أكثر دول العالم انغلاقاً على الإطلاق. فلا أحد خارج كوريا الشمالية يمكنه التكهن بما يدور داخلها، في ظل السيطرة المطلقة على وسائل الإعلام هناك.
أما كيم نفسه فهو يتمتع بسلطة مطلقة وسمعة مخيفة، حيث يرقّي ويفصل كبار مسؤولي الدولة كما يحرِّك لاعب الشطرنج القِطَع على الرقعة، ويقوم الزعيم بعمل تعديلات وزارية بصورة متكررة.
ونظراً إلى مزاجه المتقلب وامتلاكه ترسانة نووية وبرنامج صواريخ باليستية متقدماً للغاية تحت إمرته، يمثل كيم جونغ أون كابوساً بكل ما للكلمة من معنى، للغرب عموماً، وللولايات المتحدة خصوصاً. كما أن هذه الفترة تشهد تصعيداً لافتاً في شبه الجزيرة الكورية، مع إجراء بيونغ يانغ تجارب صواريخ باليستية متكررة.
وكانت بيونغ يانغ قد أجرت، الأحد 1 يناير/كانون الثاني 2023، اختبارين لصاروخ باليستي ضخم قادر على حمل عدة رؤوس نووية تكتيكية، يمكنه إصابة أي منطقة في كوريا الجنوبية، حسبما أفادت شبكة الأخبار المركزية في كوريا الشمالية.
كما أعلن كيم جونغ أون، مؤخراً، عن "زيادة متسارعة وهائلة" في الترسانة النووية لبلاده رداً على ما وصفها بالتهديدات من جانب واشنطن وسيول، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
فخلال خطابه في اليوم الأخير لاجتماعات اللجنة المركزية للحزب الحاكم مطلع العام الجديد، وصف كيم كوريا الجنوبية بأنها أصبحت "عدواً بدون أدنى شك"، مضيفاً أن حليفة سيول الرئيسية (الولايات المتحدة) قد زادت من ضغوطها على كوريا الشمالية "لأقصى درجة" على مدى العام الماضي، من خلال نشر أصولها العسكرية في شبه الجزيرة الكورية.
وقالت وكالة الأنباء المركزية الرسمية بكوريا الشمالية، إن كيم تعهد بتطوير نظام آخر للصواريخ الباليستية العابرة للقارات تتمثل "مهمته الرئيسية في توجيه ضربة نووية سريعة مضادة" في إطار خطة لتعزيز القوة النووية للبلاد، وفي وقت تواصلت فيه تجارب إطلاق كوريا الشمالية صواريخ باليستية عابرة للقارات وقادرة على حمل رؤوس نووية لليوم الـ37 على التوالي.
إذ أطلقت كوريا الشمالية، أول يوم في العام الجديد، صاروخاً باليستياً قصير المدى قبالة ساحلها الشرقي، بعد إطلاق ثلاثة صواريخ باليستية بعيدة المدى، السبت 31 ديسمبر/كانون الأول 2022.
لماذا الحديث المتكرر عن خلافة كيم؟
وبالتالي فإن هذا "الظهور" المفاجئ وغير التقليدي لابنة الزعيم لا بد أن يثير التكهنات، خصوصاً أن التقاليد الصارمة لسلالة كيم الحاكمة في كوريا الشمالية تعرضت لاختراقات متعددة على يد كيم نفسه. ويشار هنا إلى أنه ينسب أفراد عائلة الزعيم الكوري الشمالي أصلهم إلى سلالة جبل بايكتو المقدس شمال الحدود الكورية الصينية.
وتقول الدعاية الكورية الشمالية إن هذا الجبل كان مركزاً للحرب التي خاضها كيم إيل سونغ، مؤسس كوريا الشمالية، ضد الاحتلال الياباني في أربعينيات القرن الماضي، رغم أن روايات أخرى تقول إن كيم إيل سونغ قضى معظم أوقاته في معسكر للنازحين بروسيا حتى انتهاء الحرب ثم قامت موسكو بتعيينه حاكماً في كوريا الشمالية.
وكان كيم جونغ أون قد خلف والده كيم جونغ إيل في حكم البلاد عقب وفاته المفاجئة في ديسمبر/كانون الأول عام 2011، لكن على مدى سنوات لم يكن يُنظر إليه باعتباره خليفة والده، إذ كان يُتوقع أن أخاه الأكبر غير الشقيق، كيم جونغ نام، سيكون زعيم البلاد.
لكن في عام 2001، أثار كيم يونغ نام غضب والده بعد اعتقاله في مطار بالعاصمة اليابانية طوكيو، حيث كان متوجهاً إلى الدومينيكان بجواز سفر مزور فيما قِيل إنه كان يخطط لزيارة ديزني لاند بالولايات المتحدة.
ورغم تولي كيم جونغ أون السلطة في البلاد، فإنه كان يُنظر إلى أخيه غير الشقيق باعتباره يمثل تهديداً لشرعيته وحكمه، وتعرض كيم جونغ نام للاغتيال في فبراير/شباط 2017 بمطار كوالالمبور عن طريق غاز الأعصاب "في إكس" المحظور دولياً. وهرب المهاجمون إلى كوريا الشمالية، فيما أظهرت صور كاميرات المراقبة في مطار كوالالمبور، امرأتين تقتربان من كيم جونغ-نام وتلقيان شيئاً على وجهه، ليلقى كيم (45 عاماً)، حتفه في أثناء نقله إلى المستشفى.
أما عن سبب الحديث عن خلافة كيم، فهو انتشار تكهنات حيال مرضه، إذ تُظهر أحدث الصور بدانته الشديدة وأيضاً إسرافه في التدخين، ما يوحي بإصابته بمرض النقرس أو السكري كما كان الحال مع والده. ورغم كل هذه التكهنات، فإنه من السابق لأوانه تحديد من سيخلف كيم جونغ أون في الحكم.
ويرى توشيميتسو شيغيمورا، الأستاذ بجامعة واسيدا في طوكيو والذي كتب عدة مؤلفات عن أسرة كيم، أنه من الصعب أن تخلف كيم جو آي والدها في حكم البلاد، لكونها "أنثى".
وأضاف للشبكة الألمانية أن "مجتمع كوريا الشمالية ما زال كونفوشيوسياً محافظاً للغاية، ما يعني أن ظهور كيم جو آي كخليفة لوالدها يعد أمراً مستحيلاً. أعتقد أنه يمكننا افتراض أن كيم جونغ أون سوف يختار نقل السيطرة إلى ابنه عندما يحين الوقت، لكنه بالتأكيد يرغب في أن يظل الحكم بأسرته؛ استمراراً لما يُطلق عليه في كوريا الشمالية سلالة بايكتو".
وقال شيغيمورا إنه ربما يكون ثمة سبب آخر وراء ظهور ابنة زعيم كوريا الشمالية أمام الكاميرات في مواقع ذات رمزية بالبلاد، مضيفاً: "أعتقد أن كيم يرغب في تأكيد اعتزامه المضي قدماً في حكم البلاد رغم القضايا الخطيرة التي تواجهها البلاد، بسبب العقوبات الاقتصادية وإغلاق الحدود بسبب جائحة كورونا".
وأضاف: "كيم يحاول تشتيت انتباه شعب كوريا الشمالية وإظهار أن أسرته سعيدة، وأيضاً تشجيع أفراد الشعب على التعبير عن مدى إعجابهم به كأب وقائد"، مضيفاً أن هناك احتراماً واسع النطاق بين الأجيال الأكبر سناً في كوريا الشمالية لأسرة كيم، وهو الأمر الذي يصل إلى درجة الإعجاب بهذه العائلة. وأشار إلى أن كيم جونغ أون يرغب أيضاً في تأكيد استمرار حكم سلالة كيم للبلاد؛ في محاولة لإضعاف إرادة المعارضة.
أما ليم أون يونغ، أستاذة العلاقات العامة في جامعة كونغجو الوطنية بكوريا الجنوبية، فترى أنه من الصعب التكهن بأي دور قد يقوم به أطفال كيم جونغ أون في الوقت الراهن بالنظر إلى أنهم مازالوا صغار السن، وأضافت: "كيم جونغ أون ليس بصحة جيدة، هذا أمر صحيح، لكن لا أعتقد أن من الممكن تحديد ما قد يحدث في المستقبل بكوريا الشمالية، لأن كيم جو آي مازالت صغيرة السن".
وأضافت: "أعتقد أن الأمر لا يعدو كونه بعث رسالة إلى الشعب الكوري الشمالي مفادها أن مستقبل البلاد أكثر إشراقاً للأجيال الشابة. وقد يكون الأمر ليس سوى مسرحية من قبل النظام، لكن يبدو أن كيم جونغ أون أكثر تقدماً، لأنه قرر أن ترافقه ابنته وليس ابنه إلى الأماكن العامة". لكنها أكدت أن من "السابق لأوانه استنباط مزيد من هذه الصور".
الخلاصة هنا هي أن خلافة كيم جو آي لوالدها على رأس السلطة في كوريا الشمالية ليست بالأمر السهل، إذ سوف يتطلب ذلك تغييراً غير مسبوق داخل المجتمع والطبقة الحاكمة، حيث يهيمن الرجال على مفاصل الحياة، وقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف، إلى معارضة من كبار قادة الجيش ورجال الدولة. والشيء الوحيد المؤكد هو أن كيم وحده هو الذي يمتلك حقيقة ما إذا كان ينوي أن تخلفه ابنته في سدة الحكم أم لا.