حلم أجهضته أمريكا لنصف قرن.. هل اقتربت كوريا الجنوبية أخيراً من امتلاك غواصة نووية؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/12/15 الساعة 09:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/21 الساعة 08:20 بتوقيت غرينتش
غواصة كوزباس النووية الروسية/رويترز

لطالما أرادت كوريا الجنوبية أن يكون لديها أسطول من الغواصات النووية لمواجهة التهديد الدائم من كوريا الشمالية، لكن أمريكا وقفت حجر عثرة أمام حلم سيول لأكثر من نصف قرن.

وترجع جذور قصة الحلم الكوري الجنوبي بامتلاك غواصات تعمل بالوقود النووي إلى عقود مضت، لكن مع تطوير كوريا الشمالية لبرنامج نووي عسكري، وامتلاكها ذلك النوع من الغواصات، ازدادت رغبة سيول في إعادة إحياء الحلم مرة أخرى.

تحظى كوريا الجنوبية بالحماية الأمريكية من خلال معاهدة الدفاع الموقعة بين سيول وواشنطن عام 1972، التي بموجبها يوجد عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين، لكن تلك المعاهدة أيضاً حملت شرطاً يمنع سيول من استخدام الطاقة النووية لأغراض عسكرية.

صفقة الغواصات النووية لأستراليا

لكن يبدو أن التغيير الجذري في المشهد السياسي العالمي خلال السنوات الماضية وفر فرصة مواتية لكوريا الجنوبية، قد تحيي الحلم مرة أخرى وتسعى لبناء غواصات تعمل بالوقود النووي، دون الحاجة للاعتماد على حليفتها الولايات المتحدة.

وكان الإعلان عن "أوكوس" أو معاهدة الدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، في سبتمبر/أيلول الماضي، والتي بموجبها تراجعت أستراليا عن صفقة ضخمة لشراء غواصات من فرنسا واستبدلتها بشراء غواصات نووية من واشنطن ولندن، بمثابة الدفعة الهائلة لسيول كي تمضي قدماً على طريق تحقيق الحلم.

وتناولت صحيفة New York Times الأمريكية اقتراب سيول من امتلاك غواصات نووية في تقرير لها حول مفاعل نووي جديد تبنيه كوريا الجنوبية، قد يفتح الباب أمام تحقيق الحلم القديم.

وبحسب الصحيفة، كان الاجتماع السري الذي أُقيم الشهر الماضي عبارةً عن عرضٍ تقديمي بواسطة مسؤولين كوريين جنوبيين، أمام نحو 50 قروياً اجتمعوا داخل مركزٍ مجتمعي على الساحل الجنوبي الشرقي للبلاد.

غواصة نووية فرنسية/ رويترز

وقيل للحضور إنّ الحكومة تُخطّط لبناء نسخةٍ تجريبية من مفاعلٍ نووي صغير داخل مجمع أبحاثٍ ذرية جديد -سيكون الأكبر في البلاد- يجري إنشاؤه في قرية غامبو. وسيكون مفاعل الوحدات الصغيرة، المستهدف إتمامه بحلول عام 2027، شبيهاً بالمفاعلات التي تمُدُّ المركبات البحرية بالطاقة، مثل كاسحات الجليد وسفن الحاويات.

لكن ذلك قد لا يكون الغرض الوحيد من هذه التكنولوجيا المتقدمة، إذ يقول الخبراء النوويون إنّ المشروع قد يُمكّن كوريا الجنوبية مستقبلاً من تحقيق حلمها القديم بتطوير غواصةٍ تعمل بالطاقة النووية. وهو أمرٌ عارضته الولايات المتحدة، أقوى حلفاء كوريا الجنوبية، لعقود طويلة.

وأعلنت أستراليا أنّها ستبني غواصات تعمل بالطاقة النووية بمساعدةٍ أمريكية وبريطانية، في إطار اتفاقية أوكوس، وبالتزامن مع سعي الحلفاء لموازنة النفوذ العسكري المتنامي للصين، ولكن بالنسبة لكوريا الجنوبية ظلّت الشراكات من هذا النوع محظورةً لقرابة الـ50 عاماً، بموجب معاهدة مع واشنطن تمنع كوريا من استخدام المواد النووية للأغراض العسكرية.

سباق التسلح في آسيا

لكن التغييرات الكبرى في منطقة شرق وجنوب آسيا وتنامي القلق من قوة الصين الصاعدة بسرعة الصاروخ، تزامناً مع تراجع الثقة في مدى التزام أمريكا بالدفاع عن حلفائها، خصوصاً بعد طريقة الانسحاب من أفغانستان، أدت تلك العوامل إلى انطلاق سباق تسلح رهيب في المنطقة، أشبه ببرميل البارود الذي يمتلئ رويداً رويداً.

وطالبت حكومة الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن بإلغاء الحظر الأمريكي على استخدام المواد النووية لأغراض عسكرية، قائلةً إنّ بناء غواصات نووية أصبح ضرورياً من أجل التصدي لطموحات كوريا الشمالية، التي تتطلّع لفعل الشيء نفسه.

وزاد الإحساس بأهمية الأمر بعد التقدم الذي أحرزته كوريا الشمالية، ما عمق المخاوف إزاء جاهزية كوريا الجنوبية، حيث اختبر الشمال سلسلةً من الصواريخ الباليستية التي تُطلق من الغواصات خلال السنوات الأخيرة، كما أعلنوا في يناير/كانون الثاني، أنّهم يعملون على تصميم غواصةٍ نووية.

وقال مون كون سيك، قبطان البحرية المتقاعد الذي ترأس محاولةً سابقة لبناء غواصات نووية في كوريا الجنوبية، لنيويورك تايمز: "لا سبيل لمطاردة، ومراقبة، وردع الغواصات النووية الكورية الشمالية أفضل من نشر غواصاتنا النووية الخاصة. ولا يمكننا الاعتماد على الولايات المتحدة لتفعل ذلك من أجلنا".

رئيسا الصين كوريا الشمالية في بيونغ يانغ 2019/ رويترز

وعلى صعيد الطاقة النووية، ليست كوريا الجنوبية البلد الوحيد الذي يُطوّر ما يُعرف باسم مفاعلات الوحدات الصغيرة، باعتبارها مصدراً للطاقة الخالية من الكربون، لكن مشروعها الذي يحمل اسم المفاعل المتقدم للتطبيقات المتعددة قد لفت الانتباه على نحوٍ خاص.

حيث قالت ليم شاي-يونغ، التي ترأس مشروع المفاعل في معهد أبحاث الطاقة الذرية الكوري: "نحن لا نبني المفاعل وفي بالنا أننا سنستخدمه لتشغيل غواصة". لكن خبير الغواصات في مؤسسة Hudson Institute البحثية، برايان كلارك، يقول إنّ إنتاجية المفاعل التي تصل إلى 70 ميغاواط تُقارب إنتاجية مفاعلات الغواصات الأمريكية الأولى، التي ستكون كافيةً لمد الطاقة إلى الجيل الجديد من غواصات كوريا الجنوبية، التي يبلغ وزنها أربعة آلاف طن.

كوريا الجنوبية لا تحتاج أمريكا لبناء غواصة نووية

تُشغِّل كوريا الجنوبية حالياً 24 مفاعلاً نووياً، تُنتج معاً 29% من كهرباء البلاد. كما قامت ببناء 21 غواصة منذ أوائل التسعينيات، لكن جميعها تعمل بالبطاريات التي تشحنها محركات ديزل، وبالتالي يجب أن تصعد للسطح من أجل تزويد محركاتها بالوقود أو الهواء. بينما يُمكن للغواصات النووية أن تظل تحت الماء لشهور في كل مرة، إلى جانب كونها أسرع بكثير.

ورغم فشل محاولات كوريا الجنوبية السابقة لبناء غواصةٍ نووية، لصعوبات دبلوماسية أكثر من كونها تقنية، فإنها لم تتخل عن آمالها أبداً. حيث قالت مبادرة التهديد النووي في عام 2016 إنّه في حال اندلاع سباق تسلّح في آسيا "فستكون اليابان وكوريا الجنوبية قادرتين على بناء غواصات وسفن تعمل بالطاقة النووية".

فسباق التسلح الذي تشهده منطقة شرق وجنوب آسيا لا ترجع أسبابه فقط إلى الحرب الباردة بين الصين وأمريكا، فالصين والهند بينهما حدود متداخلة ومناوشات متقطعة، كادت تتحول إلى حرب شاملة، في يونيو/حزيران الماضي، واليابان وكوريا الجنوبية تشعران بتهديد متزايد من كوريا الشمالية والصين، والهند وباكستان عدوتان تقليديتان، وخاضتا أربع حروب بالفعل من قبل. كل هذه الصراعات التاريخية والظروف الداخلية في الولايات المتحدة تسببت في سباق تسليح يبنى على نار هادئة.

ويضيف البعد النووي عنصراً آخر من عناصر القلق، في ظل تطوير الصين ترسانتها النووية بوتيرة غير مسبوقة، وسط تهديدات معلنة باقتراب التنين من إعادة توحيد أراضيه، وخاصة تايوان، حليفة الغرب التي زادت من إنفاقها العسكري مؤخراً بصورة لافتة. هذا بخلاف كون الهند وباكستان تمتلكان بالفعل أسلحة نووية.

تسعى كوريا الشمالية لتطوير مزيد من الغواصات/ رويترز

وخلال حملة الرئيس مون الرئاسية عام 2017، أعلن: "لقد حان وقتنا لامتلاك غواصات تعمل بالطاقة النووية". وبعد فترةٍ وجيزة من تنصيبه عام 2017، طلب من واشنطن المساعدة في حل مشكلة معاهدة 1972، التي وافقت كوريا الجنوبية عليها، مقابل أن تساعدها الولايات المتحدة في بناء صناعة الطاقة النووية بالبلاد.

ووفقاً لمون تشونغ-إن، المستشار الخاص السابق للرئيس مون، فقد طرح الرئيس السابق دونالد ترامب اقتراحاً مفاجئاً حين سأل: لماذا لا تشتري كوريا الجنوبية غواصات نووية أمريكية؟ لكن واشنطن لم تمضِ قدماً في هذه الخطوة، ولم تساعد كوريا الجنوبية على تأمين الوقود النووي اللازم للغواصات بسبب المخاوف من انتشار الأسلحة النووية.

في حين قال لي بيونغ شول، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأقصى بجامعة كيونغنام: "لن تكون الغواصة النووية الكورية الشمالية سوى سلاح أجوف بدون وقود اليورانيوم المخصب، حتى لو تم بناؤها بالفعل".

ورفض مكتب الرئيس مون طلب الصحيفة الأمريكية التعليق على القصة، لكن وزارة الدفاع الكورية الجنوبية كانت قد قالت في العام الماضي إنّها ستبني ست غواصات أخرى. وأوضحت أن أول ثلاث غواصات ستعمل ببطاريات أيون الليثيوم، لكنها لم تكشف عن مصدر طاقة الغواصات المتبقية. بينما ذكر كيم هيون-تشونغ، الذي كان نائب مستشار الأمن القومي للرئيس آنذاك، أنّ الجيل الجديد من الغواصات الكورية الجنوبية سيعمل بالطاقة النووية.

ويستخدم المفاعل المتقدم، الذي تُطوّره كوريا الجنوبية، اليورانيوم المخصب بنسبة 19.75% كوقود. في حين تعتمد المفاعلات النووية المخصصة للاستخدام التجاري على يورانيوم مخصب بنسبة لا تتجاوز الـ5%. ورغم أنّ اليورانيوم المخصب بنسبة 19.75% ليس أمراً غير معتاد في مفاعلات الوحدات الصغيرة تحت التطوير، لكن اليورانيوم المخصب بهذه المعدلات يُستخدم أيضاً في إمداد بعض الغواصات النووية حول العالم بالطاقة.

تحميل المزيد