يتحكم يوري كوفالتشوك، الصديق المقرب من الرئيس فلاديمير بوتين، في الإعلام وتعتبر منصة "فوكونتاكتي" أو "فيسبوك روسيا" أبرز وسائل عرض وجهة نظر موسكو، فما قصة هذا الملياردير الروسي؟
تناول تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية قصة الدور الذي يلعبه كوفالتشوك، أحد أكثر الأصوات تأثيراً في دعم قرار فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري في أوكرانيا، مجادلاً أنَّ هذه الحرب قادرة على إثبات قوة روسيا.
فيوري كوفالتشوك، البالغ من العمر 71 عاماً والصديق المقرب من الزعيم الروسي منذ عقود، يتفق مع بوتين في رؤية روسيا باعتبارها الطرف العسكري والثقافي القوي المقابل للولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقاً لما ذكره للصحيفة الأمريكية صديق لعائلة كوفالتشوك وكذلك مسؤول سابق في المخابرات الروسية، التقى يوري كوفالتشوك وفلاديمير بوتين عدة مرات منذ بداية الحرب في فبراير/شباط الماضي، بالإضافة إلى تواصلهما المستمر عبر الهاتف أو مكالمات الفيديو.
من هو الملياردير الروسي "مصرفي بوتين"؟
يعتمد بوتين على دائرة داخلية من الحلفاء الموثوق بهم لإدارة الأعمال التجارية في القطاعات الأكثر أهمية في الاقتصاد الروسي. وأطلقت وزارة الخزانة الأمريكية على كوفالتشوك اسم "المصرفي الشخصي لبوتين" عند إضافته إلى قائمة العقوبات في عام 2014، بالإضافة إلى أنه أحد أكبر أباطرة الإعلام في روسيا.
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، تعاظمت قيمة الحيازات الإعلامية الممتدة لكوفالتشوك في الترسانة الإعلامية التابعة للكرملين، التي تبث الدعاية المؤيدة للحرب وتنتقد المعارضة وتحوّل انتباه الجمهور.
قال أندرس أسلوند، الخبير الاقتصادي السويدي والزميل البارز لدى مركز أبحاث "Stockholm Free World Forum" إنَّ "كوفالتشوك يؤدي وظيفتين من أهم الوظائف بالنسبة لبوتين، فهو رجل المال ورجل الإعلام".
قدمت القنوات التلفزيونية الإخبارية التابعة لـ"المجموعة الوطنية للإعلام"، وهي شركة خدمات إعلامية يرأسها كوفالتشوك، صورة هادئة لجنود احتياط مدربين تدريباً عالياً موجودين في الخطوط الأمامية وبثت تصريحات لمسؤولين روس يتهمون أوكرانيا بالتخطيط لتفجير "قنبلة قذرة" على أراضيها، وحذَّر مسؤولون أمريكيون من احتمالية استخدام موسكو هذه التصريحات لتبرير استخدامها لأسلحة نووية في أوكرانيا.
يساعد كوفالتشوك، الذي لا يزال مستهدفاً بعقوبات مالية غربية فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بوتين في إحكام قبضته على شبكة الإنترنت. اشترى كوفالتشوك أواخر العام الماضي حصة مسيطرة في شركة "VK" الروسية المالكة لموقع "فكونتاكتي"، وهي أكبر شبكة محلية للتواصل الاجتماعي في روسيا والمعروفة باسم "فيسبوك روسيا".
وفقاً لخبراء شبكات التواصل الاجتماعي الروسية، تغمر الحسابات المرتبطة بالدولة منصة "فكونتاكتي" بمنشورات مُندّدة بالغرب ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). حجبت روسيا إمكانية الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي الغربية في المناطق الأوكرانية الخاضعة لسيطرتها، واتفقت على دخول الهواتف النقَّالة الجديدة مبرمجة مع منصة التواصل الاجتماعي الروسية "فكونتاكتي".
كان المنطق وراء شراء "فكونتاكتي" يتمثَّل جزئياً في مراقبة المستخدمين المناهضين للكرملين، وذلك حسبما قال شخص مُتخصّص في صناعة التكنولوجيا لديه علاقات مع الكرملين للصحيفة الأمريكية. يستخدم مسؤولو الأمن الروس منصة "فكونتاكتي" لتعقب منتهكي القوانين الروسية، التي تحظر تشويه سمعة الجيش أو نشر معلومات خاطئة عنه، ومن ثمَّ تشارك المنصة بيانات خاصة بالمستخدمين مع السلطات بصورة غير رسمية.
لم يستجب الملياردير الروسي، يوري كوفالتشوك، ومسؤولو موقع "فكونتاكتي" لطلبات صحيفة "Wall Street Journal" الأمريكية من أجل التعليق.
ووفقاً لألكسندرا أركييبوفا، عالمة الأنثروبولوجيا الاجتماعية، كان موقع "فكونتاكتي" مصدراً لحوالي 45% من إجمالي 1122 انتهاكاً مزعوماً سجلتها السلطات الروسية على وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة من فبراير/شباط وأكتوبر/تشرين الأول، وذلك بموجب قانون يحظر التصريحات المناهضة للحرب في أوكرانيا.
كان أليكسي سيميونوف، الذي يعمل مُورِّداً لمواد إعادة التدوير، من بين أولئك المقبوض عليهم، ووجهت إليه اتهامات جنائية في أكتوبر/تشرين الأول بعد أن كتب منشوراً على موقع "فكونتاكي" يحث فيه الروس على مقاطعة قرار التعبئة العسكرية الجزئية الصادر عن بوتين، قائلاً: "كل ما عليك فعله هو عدم الامتثال لأمر الاستدعاء العسكري ودفع غرامة قدرها 3000 روبل والحفاظ على حياتك ومواصلة العيش بدون قتل الإخوة والأخوات الأوكرانيين".
تجدر الإشارة إلى أنَّ يوري كوفالتشوك لا يشغل منصباً رسمياً في الحكومة الروسية. ومع ذلك، يتمتع بنفوذ كبير داخل أروقة الكرملين ويساعد في توفير المنازل الريفية المعروفة باسم "داتشا" واليخوت لفلاديمير بوتين، فضلاً عن الوظائف المربحة وحيازات الأسهم لأسرة الرئيس وأصدقائه، وفقاً لمصادر مُطّلعة على الصفقات والوثائق المالية.
وفقاً للوثائق الرسمية العامة، يمتلك العديد من أصدقاء بوتين أسهماً في الشركات والكيانات التابعة للدولة. تعتقد الإدارة الأمريكية أنَّ آلينا كابايفا، لاعبة الجمباز سابقاً والرئيسة الحالية لمجلس إدارة "المجموعة الوطنية للإعلام"، كانت تربطها علاقة عاطفية بفلاديمير بوتين.
ويسيطر كوفالتشوك على بنك "Rossiya" الروسي الخاضع للعقوبات الأمريكية. تمتلك "المجموعة الوطنية للإعلام" التابعة لكوفالتشوك حصصاً كبيرة في أكثر من 24 شركة روسية تعمل في مجال الإعلام والدعاية وإنتاج الأفلام، من بينها "القناة الأولى الروسية" التي تديرها الدولة. هناك 4 قنوات تلفزيونية تابعة لـ"المجموعة الوطنية للإعلام" تتصدر قائمة أكثر 10 قنوات مشاهدة في روسيا.
وفقاً للوثائق العامة، يعد كوفالتشوك مساهماً رئيسياً أيضاً، إلى جانب زوجته وبعض الشركاء التجاريين الآخرين، في شركة "سوغاز"، وهي شركة تأمين روسية توفر خدمات التأمين الصحي والتأمين على الحياة لأفراد القوات المسلحة بموجب عقود مع وزارة الدفاع الروسية والحرس الوطني.
لكن نادراً ما تظهر صلة كوفالتشوك بهذه الشركات، إذ غالباً ما يخفي ملكيته من خلال شبكة من الشركات الوسيطة أو في بعض الأحيان يتشارك الملكية مع الدولة وشركات أخرى. ولم ترد شركة "سوغاز" و"المجموعة الوطنية للإعلام" على طلبات التعليق من وول ستريت جورنال.
ماذا تقدم شركة "فكونتاكتي" لبوتين؟
وجد تحليل لصحيفة "Wall Street Journal" الأمريكية أنه بينما تراجع عدد المنشورات الحكومية الروسية على العديد من منصات التواصل الاجتماعي الأجنبية -وهذا يعود جزئياً إلى القيود والحظر المفروض على حسابات الكرملين في أعقاب الهجوم على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط- ارتفع متوسط عدد المنشورات اليومية على منصة "فكونتاكتي" خلال الفترة من أبريل/نيسان حتى أكتوبر/تشرين الأول، مقارنةً بعدد المنشورات خلال نفس الفترة عام 2021.
زاد التفاعل على منشورات الحكومة الروسية خلال تلك الفترة أيضاً، حيث ارتفع عدد حالات الإعجاب والتعليقات والمشاركات بمقدار 3 أضعاف ما كان عليه في نفس الفترة من عام 2021.
ذكر عدد من الأشخاص المطلعين على علاقة الملياردير الروسي ببوتين أن كوفالتشوك كان يخضع لاختبارات منتظمة عندما اجتاح فيروس كوفيد-19 البلاد في مارس/آذار 2020 حتى يتسنى له لقاء بوتين. ووفقاً لما ذكره صديق عائلة كوفالتشوك ومسؤول المخابرات الروسي السابق، كان الصديقان يتحدثان معاً بالساعات أحياناً عن الصراع الروسي المتزايد مع الغرب ومصالحهما المشتركة. كان بوتين قد وصف كوفالتشوك بأنَّه صديق وانتقد العقوبات الغربية ضد رجال الأعمال المقربين منه.
وحسبما أفاد مسؤول المخابرات السابق، أكد كوفالتشوك لبوتين أنَّ الغرب بات ضعيفاً وأنَّ الوقت قد حان لروسيا لإظهار قوتها العسكرية والدفاع عن سيادتها، من خلال التدخل العسكري في أوكرانيا. ولم يستجب الكرملين لطلبات التعليق بشأن العلاقة بين الرجلين أو تدخل الحكومة في القرارات الإعلامية.
تعود علاقة بوتين والملياردير الروسي إلى عدة عقود ماضية. في عام 1991، استحوذ كوفالتشوك وبعض الشركاء على بنك "Rossiya". ذكرت الكاتبة كارين دويشا في كتابها"Putin's Kleptocracy: Who Owns Russia" المنشور عام 2014 أنَّ بوتين، الذي كان في ذلك الوقت يشغل منصب نائب رئيس البلدية، أمر بتوجيه الأعمال التجارية الحكومية إلى البنك.
عندما سافر كوفالتشوك من سانت بطرسبرغ إلى موسكو بعد انتخاب بوتين رئيساً في عام 2000، مكث لعدة أسابيع في منزل "داتشا" الخاص ببوتين، وفقاً لما ذكره شخص مُقرَّب من الكرملين خلال تلك الفترة.
في العام التالي، أسس كوفالتشوك "المجموعة الوطنية للإعلام" لتصبح في غضون بضع سنوات أكبر مجموعة إعلامية مملوكة للقطاع الخاص في روسيا، مع امتلاكها حصصاً في قنوات تلفزيونية مؤثرة سياسياً ومواقع إلكترونية وشركات دعاية وإنتاج أفلام.
وفقاً للعديد من المسؤولين في وسائل الإعلام الروسية، يعقد أليكسي غروموف، النائب الأول لرئيس إدارة شؤون الرئاسة الروسية، اجتماعات كل يوم خميس مع رؤساء تحرير أكبر القنوات التلفزيونية الروسية، من ضمنها "القناة الأولى" المملوكة لكوفالتشوك، ويوجّههم بشأن الرسائل المراد بثها للجمهور.
وفقاً لمذكرات مرسلة من الكرملين إلى المحررين أفاد بها موقع "Meduza" الروسي الإخباري المستقل، تضمنت التعليمات الموجهة لوسائل الإعلام الروسية تسليط الضوء على النجاحات العسكرية الروسية في أوكرانيا، على الرغم من الخسائر في ساحة المعركة ووصف التعبئة العسكرية بأنَّها واجب وطني.
قصة فيسبوك روسيا
أُطلق موقع "فكونتاكتي" في عام 2006 بوصفه موقعاً للتواصل الاجتماعي الروسي على غرار "فيسبوك"، حيث يستطيع المستخدمون التواصل مع أصدقائهم ومشاركة الرسائل والصور.
لاحظ مسؤولو الكرملين أهميته السياسية عندما استخدمه المتظاهرون وغيره من منصات التواصل الاجتماعي لتنظيم مظاهرات جماهيرية في جميع أنحاء روسيا في عام 2011. استخدم النشطاء نفس النهج لحشد الاحتجاجات في العاصمة الأوكرانية، كييف، أواخر عام 2013، والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس الأوكراني حليف موسكو، فيكتور يانوكوفيتش.
قالت سارة آن أوتس، الأستاذة بكلية "فيليب ميريل للصحافة" في جامعة ميريلاند والتي تدرس سياسة الإعلام والدعاية الروسية: "أدركت روسيا أن تنظيم الاحتجاجات عبر الإنترنت قد يؤدي بالفعل إلى إسقاط نظام حاكم".
بدأت أجهزة الأمن بالضغط على مسؤولي موقع "فكونتاكتي" للإفصاح عن معلومات شخصية تخص المناهضين للحكومة المسجلين على الموقع. قال بافيل دوروف، مؤسس موقع "فكونتاكتي" على صفحته الشخصية إنَّه طُرد من الشركة عندما رفض الامتثال لطلبات الإفصاح عن بيانات المستخدمين وأُجبر على مغادرة روسيا في عام 2014.
في أعقاب ذلك، اشترى عليشر عثمانوف، أحد رموز الأوليغارشية الروسية من أصول أوزبكية، موقع "فكونتاكتي". حاول الموقع -في ظل ملكية عثمانوف- تجنُّب الصدام مع السلطات الروسية من خلال توفير أسماء المستخدمين وعناوينهم ومعلومات شخصية أخرى تطلبها الشرطة عنهم، حتى قبل صدور أمر قضائي.
لكن متحدثاً باسم عثمانوف قال لصحيفة وول ستريت جورنال إن "إدارة الموقع كانت تمتثل امتثالاً صارماً لقوانين حماية بيانات المستخدمين وتشريعات الخصوصية الرقمية".
بحلول عام 2018، لم يعد عثمانوف منخرطاً في إدارة موقع "فكونتاكتي" وسرعان ما حوّل تركيزه إلى أعماله التجارية الأخرى، التعدين والاتصالات.
في غضون ذلك، كان الكرملين يواصل إحكام قبضته على الإنترنت. قالت تاتيانا ستانوفايا، باحثة غير مقيمة في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي": "بات إحكام السيطرة على المحتوى الرقمي ضرورة أكثر إلحاحاً لأنَّ رسائل الحكومة على القنوات التلفزيونية لم تكن تصل إلى عدد كافٍ من الشباب. في المقابل، كان التواصل على وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية شائعاً للغاية".
وأضافت تاتيانا أنَّ الكرملين كان بحاجة إلى "تواصل أوثق مع إدارة موقع فكونتاكتي من أجل مزيد من السيطرة". لذا، تدخل كوفالتشوك في أواخر عام 2021 للاستحواذ على حصة عثمانوف في "فكونتاكتي".
وفقاً للشخص المُتخصّص في صناعة التكنولوجيا الذي لديه علاقات مع الكرملين، كان كوفالتشوك يبرم صفقات الشراء في البداية، من خلال شركة مملوكة جزئياً للدولة يمتلك فيها أسهماً تُدعى "Rostelecom".
في غضون أيام من عملية الاستحواذ، تقرَّر تعيين فلاديمير كيرينكو رئيساً تنفيذياً لموقع "فكونتاكتي". كان كيرينكو قد شغل منصباً تنفيذياً سابقاً في شركة "Rostelecom" واستهدفته العقوبات الأمريكية في فبراير/شباط لكونه مسؤولاً حكومياً سابقاً وأحد أعضاء الدائرة المقربة لفلاديمير بوتين.
منذ إتمام صفقة الاستحواذ، استفاد الموقع من الحظر المفروض في روسيا على معظم وسائل التواصل الاجتماعي الأجنبية، ليبلغ عدد المستخدمين النشطين شهرياً على الموقع 76.9 مليون مستخدم، وهو عدد ضخم في بلد يبلغ عدد سكانه 145 مليون نسمة تقريباً.
استحوذت الشركة في أغسطس/آب على منصات التواصل الاجتماعي التابعة لشركة "Yandex LLC"، عملاق البحث الذي يُطلق عليه اسم "جوجل روسيا". باتت صفحات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مليئة الآن بالمقالات التي تشرح وجهة النظر الروسية للحرب في أوكرانيا وتنتقد الغرب.
في الوقت نفسه، زادت الأدلة على المراقبة الحكومية لنشاط المستخدمين على الموقع في الأشهر الأخيرة. قال الموظف السابق في "فكونتاكتي" إن الشركة تزود السلطات الروسية ببيانات المستخدمين بسهولة أكبر من أي وقت مضى.
لكن الشركة تقول على موقعها الإلكتروني: "نحن نعارض الرقابة ونسعى جاهدين لمنح الأشخاص كل فرصة للتواصل بحرية".
ومع ذلك، دفعت داريا إيغوروفا، التي تعيش في بلدة شمالي غرب روسيا، غرامة قدرها 30 ألف روبل (484 دولاراً) لنشرها 4 منشورات على "فكونتاكتي" تتضمن صوراً ومقاطع فيديو تظهر حجم الدمار في أوكرانيا.