رجل بوتين المقرب.. أبراموفيتش الصامت يسابق الزمن لإنقاذ ثروته عبر التوسط لإنهاء الحرب في أوكرانيا

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2022/04/03 الساعة 08:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/03 الساعة 08:51 بتوقيت غرينتش
رومان أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي (رويترز)

على مدى 20 عاماً سعى رومان أبراموفيتش إلى إبقاء علاقته بفلاديمير بوتين في طي الكتمان، لكن تلك العلاقة الخاصة جدا أصبحت الآن أمله الوحيد في إنقاذ ثروته وربما حياته نفسها، والسبب الحرب في أوكرانيا.

صحيفة Financial Times البريطانية نشرت تقريراً عنوانه "السم والطائرات وبوتين: سباق أبراموفيتش لادِّخار ثروةٍ وإيقاف الحرب"، رصد الدور الذي يلعبه الأوليغارشي الروسي في المفاوضات بين موسكو وكييف، وألقى الضوء على قصة علاقته ببوتين وثروته وكيف كوّنها وكيف يسعى الآن لإنقاذها من العقوبات الغربية.

وفي الوقت الذي يتواصل فيه الهجوم الروسي على أوكرانيا، جنباً إلى جنب مع مسار المفاوضات الرامية إلى إنهاء الحرب وجهود الغرب بقيادة الولايات المتحدة لإبقاء الصراع مستمراً بهدف استنزاف موسكو لأطول فترة ممكنة، ظهر أبراموفيتش في الصورة كما لم يحدث من قبل.

اجتماع بوتين الذي تأخر عنه أبراموفيتش

في الوقت الذي كانت الدبابات الروسية تتدفق عبر الحدود الأوكرانية خلال الساعات الأولى من يوم 24 فبراير/شباط، استدعى فلاديمير بوتين كبار الأريغارشيين في البلاد إلى اجتماعٍ في الكرملين.

في ذلك الوقت، كان رومان أبراموفيتش يقيم في جنوب فرنسا، حيث يمتلك قصراً وفيلا كبيرة مساحتها 19 فداناً على الواجهة البحرية في مدينة أنتيب. هرع إلى موسكو على متن طائرته الخاصة، لكنه وصل متأخِّراً جداً، في زيارةٍ بُثَّت جزئياً عبر التلفزيون الروسي.

رتب أبراموفيتش لعقد لقاء خاص مع بوتين. وقد اعتذر للرئيس الروسي عن تأخُّره، لكنه قدَّمَ أيضاً حجةً قويةً لإنهاء الحرب، وفقاً لثلاثة أشخاص على دراية بالمناقشة تحدثوا إلى الصحيفة البريطانية. وقال الأشخاص الثلاثة إن بوتين سمعه، وفي النهاية مَنَحَ مباركته الشخصية لقيام أبراموفيتش بدور الوسيط في محادثات السلام.

كان التدخُّل غير العادي محفوفاً بالمخاطر، فقد وصف بوتين نخبة الروس الذين يتعاطفون مع الغرب بأنهم "حثالة وخونة". وانطلقت رحلة أبراموفيتش المحمومة، والتي استمرَّت خمسة أسابيع، حيث جاب المنطقة بشكلٍ متقطِّعٍ، محاولاً في الوقت نفسه حماية ثروته من العقوبات التي أثارتها الحرب مع تعزيز عملية السلام.

الهجوم الروسي على أوكرانيا قلب حياة أبراموفيتش المبنية بعناية في الغرب رأساً على عقب، والتي كان قد نجح في عزلها عن الجدل حول كيفية جني أمواله بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الملياردير ورجل الأعمال رومان أبراموفيتش
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع أبراموفيتش/gettyimages

أجبرته عقوبات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على طرح نادي تشيلسي للبيع، ودفع يختين فاخرين عبر البحار المفتوحة إلى اللجوء في تركيا، ونقل السيطرة على مركبتين استثماريَّتين، وبحسب ما ورد، حاول أبراموفيتش سحب مبالغ طائلة من مديري الأصول العالميين. عُلِّقَت الأسهم في شركة Evraz، صانعة الصلب المُدرَجة في لندن، التي هي الأصل الصناعي الرئيسي المتبقي لدى أبراموفيتش، بعد انخفاض هذه الأسهم بنسبة 85% هذا العام.

وكان أبراموفيتش، في الوقت نفسه، يدير دبلوماسيته المكوكية عبر القنوات الخلفية. فخلال فبراير/شباط الماضي، تنقل بين موسكو وإسرائيل وتركيا للمساعدة في التوسط في المحادثات -بل وذهب إلى كييف في مناسبتين على الأقل للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وفقاً لأشخاصٍ مُطَّلِعين على الأمر. ونجا من تسمُّمٍ مُشتَبَه أثناء المفاوضات تسبَّبَ في فقد بصره بصورةٍ تامة لعدة ساعات.

في الجولة الأخيرة من المحادثات بين روسيا وأوكرانيا، التي عُقِدَت في إسطنبول يوم الثلاثاء 29 مارس/آذار، جلس أبراموفيتش مع الوفد الروسي وتحدث مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأمر الذي يُعَدُّ اعترافاً علنياً بدوره الرسمي في المفاوضات.

أبراموفيتش من السرية المطلقة إلى صدارة المشهد

في هذه العملية، قلب أبراموفيتش رأساً على عقب الصورة التي كان قد كتبها بنفسه عن نفسه، فعلى مدار عقدين من الزمن، قلَّل من أهمية أيِّ إشارةٍ إلى أنه من المُقرَّبين إلى بوتين، مستخدماً في بعض الأحيان التهديد باتخاذ إجراء قانوني في محاكم لندن للدفاع عن نفسه ضد الادعاءات المتعلقة بالعلاقات المالية مع الرئيس. لكن عندما تعرضت ثروته وأسلوب حياته للتهديد، أصبحت علاقته الشخصية مع بوتين الورقة الرابحة ومصدر النفوذ كصانع سلامٍ غير مُتوقَّع.

قال أردوغان إن حضور أبراموفيتش في المحادثات يُظهِر أن بوتين "يؤمن به ويثق فيه". وقال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم بوتين، إن أبراموفيتش ليس عضواً رسمياً في الوفد الروسي لكنه يساعد في "اتصالاتٍ معينة بين الجانبين الروسي والأوكراني".

وقال أحد أفراد الأوليغارشية، الذي يعرف الرجلين منذ التسعينيات: "يبدو أن لديهما علاقات أوثق بكثير مما كنت أعتقد. كان دائماً أقرب إلى بوتين مني، لكنني لم أكن أعتقد أنه كان قريباً إلى هذا الحد. لم يكن أحد يعلم. لا يمكن لأي شخص آخر أن يلعب هذا الدور".

طلب زيلينسكي من الولايات المتحدة تأجيل فرض عقوبات على أبراموفيتش حتى يتمكن من مواصلة السفر، حتى لو قال الرئيس الأوكراني إنه لا يزال متشككاً في دوافع الأوليغارشية. وقال زيلينسكي الأسبوع الماضي: "كل هؤلاء الناس خائفون من العقوبات، أنا متأكِّدٌ من أنه لا توجد وطنية عظيمة في الأمر".

وفد أوكرانيا في المفاوضات/ الأناضول

يصرُّ منتقدو أبراموفيتش على أنه يستخدم المحادثات لإنقاذ أصوله في الخارج. يقول فلاديمير أشوركوف، المدير التنفيذي لمؤسسة مكافحة الفساد التي أسسها المنشق الروسي المسجون أليكسي نافالني: "لست متأكداً من مدى حقيقية وفاعلية مشاركته في هذه الوساطة. إنه رجلٌ مبدع ولديه أشخاصٌ مبدعون يعملون معه، لذلك يمكن أن يكون مجرد وسيلة للحصول على فرصة لتخفيف العقوبات".

رفض متحدث باسم أبراموفيتش التعليق. ولم يعلق بيسكوف على اللقاء مع بوتين، والذي أُبلِغَ عن تفاصيله لأول مرة هذا الأسبوع من قِبَلِ موقع Proekt الروسي المستقل.

ويصرُّ المُقرَّبون من أبراموفيتش على أن أولويته هي إنهاء الحرب. يقول أحدهم: "هل يمكن أن تكون أجندة مزدوجة؟ بالتأكيد، ولكن من غيره يمكنه فعل ذلك – لمساعدة أوكرانيا وإيقاف روسيا؟ رومان هو الوحيد الذي يحاول".

البقاء على مقربةٍ من الكرملين

لطالما كان أبراموفيتش ينجو من المصاعب. وُلِدَ عام 1966 لأبوين يهوديين في ساراتوف، على بعد حوالي 500 ميل جنوب شرق موسكو، وأصبح يتيماً في سن الثالثة. عندما كان شاباً، بدأ العمل وبحلول أوائل التسعينيات كان يعمل في تجارة النفط.

أدى لقاءٌ بالصدفة عام 1994 مع بوريس بيريزوفسكي، رجل الأعمال الثري الذي تربطه علاقات وثيقة بالرئيس آنذاك بوريس يلتسين، إلى تغيير حظوظه إلى الأبد.

مع اقتراب الدولة الروسية من الإفلاس، استغل الثنائي علاقاتهما لشراء شركة النفط Sibneft بسعر حوالي 200 مليون دولار في مزاد ادعى النقاد منذ فترة طويلة أنه جرى التلاعب به. واتضح أن صفقة Sibneft كانت واحدة من أكثر الصفقات ربحاً في عصرٍ باعت فيه الدولة كلَّ ما لديها.

كان كلٌّ من أبراموفيتش وبيريزوفسكي جزءاً من المجموعة المقربة من يلتسين، لكن في ظل حكم بوتين، الذي أصبح رئيساً في عام 2000، تباعدت حظوظهما بسرعة.

اشتبك بيريزوفسكي علناً مع بوتين، وباع حصته في القناة التلفزيونية الروسية الرئيسية لأبراموفيتش، وفرَّ من البلاد هرباً من تحقيق جنائي في تعاملاته التجارية. أظهر أبراموفيتش الولاء للكرملين، حيث خدم ثماني سنوات كحاكم في تشوكوتكا، وهي منطقة مقفرة في شمال شرق روسيا يبلغ عدد سكانها 50 ألف نسمة فقط.

سرعان ما تطوَّرَت علاقةٌ بين أبراموفيتش، الخجول من الظهور العلني، وضابط الاستخبارات السابق، رغم أن الأشخاص الذين يعرفون كلا الرجلين عبَّروا عن دهشتهم من مدى ثقة بوتين في هذا الأوليغارشي.

علاقته مع بوتين خاصة جداً

وقال أحد الأشخاص للصحيفة البريطانية: "كلاهما شخصية منغلقة للغاية". وفي عام 2005، حصل أبراموفيتش على مكافأةٍ نظير ولائه السياسي. واجه الأوليغارشيون الآخرون الذين كونوا ثروات في التسعينيات تحديات قانونية وضريبية -أو السجن، في حالة ميخائيل خودوركوفسكي، أكبر أباطرة النفط في روسيا عندما أُلقِيَ القبض عليه عام 2003 بعد تحديه بوتين علناً.

لكن شركة غازبروم، عملاق الغاز الروسي المملوك للدولة، وافقت على شراء شركة Sibneft مقابل 13 مليار دولار -مِمَّا يوفِّر مصدر معظم ثروة أبراموفيتش، التي تقدرها فوربس بـ 8.4 مليار دولار.

يقول رومان بوريسوفيتش، المصرفي الروسي السابق الذي تحوَّلَ إلى ناشطٍ مناهضٍ للفساد، عن العلاقة التي أقامها أبراموفيتش مع بوتين: "لم يكن الأمر كذلك بالنسبة له. لقد فهم أن أيامه معدودة. كل من كان مقرباً من عائلة يلتسين تعرض للنبذ على الأقل، وكان في أسوأ وضع على الإطلاق. لذلك كان ليفعل أي شيء".

حتى قبل صفقة غازبروم، أراد أبراموفيتش بناء حياة جديدة في الغرب. في عام 2003، اشترى نادي تشيلسي مقابل 150 مليون جنيه إسترليني، وهي صفقةٌ حوَّلَته إلى اسمٍ مألوفٍ في إنجلترا.

وفي وقت الشراء، قال لصحيفة Financial Times البريطانية: "إنه لمن دواعي سروري أن أكون هنا، حيث أشعر بالراحة ولا أحسُّ بأن الناس تراقبني. أنا متأكِّدٌ من أن الناس سوف يركِّزون عليّ لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، لكن ذلك سوف يمر. سوف ينسون من أنا، وأنا أحب ذلك".

اشترى أبراموفيتش عقاراتٍ بقيمةٍ لا تقل عن 200 مليون جنيه إسترليني في المملكة المتحدة، بما في ذلك قصر من 15 غرفة نوم في حدائق قصر كينسينغتون، التي كانت في السابق السفارة السوفييتية.

قال بوريسوفيتش: "لقد كان رجل أعمال غامض من سيبيريا.. ثم فجأة أصبح رجل أعمال بريطاني شرعي وله شيك كبير بضمان الحكومة الروسية". وأضاف: "أعتقد الجميع أن هذا هو أنظف أموالٍ يمكنك الحصول عليها من روسيا".

أوكرانيا روسيا رومان أبراموفيتش
مالك تشيلسي رفقة ابنته صوفيا/ getty images

أبرز أبراموفيتش نفسه باعتباره راعياً للفنون، وقدَّمَ نصف مليار دولار للقضايا اليهودية. وقال رئيس الجماعة اليهودية الرئيسية في روسيا عام 2018 إن أبراموفيتش يستحق الثناء على "80% من الحياة اليهودية" في البلاد.

ولكن رغم محاولة إعادة اكتشاف نفسه في الغرب، لم يستطع أبراموفيتش الهروب تماماً من المزاعم حول الطريق الذي سلكه للوصول إلى هناك. ففي عام 2001، وفقاً لسيرجي كولسنيكوف، الشريك التجاري السابق لأصدقاء بوتين، تبرع أبراموفيتش بمبلغ 203 ملايين دولار لشراء معداتٍ طبية لمستشفى عسكري في سان بطرسبرغ.

ومع ذلك، اشتُرِيَت المعدات بخصمٍ، وحُوِّلَت 35% من الأموال إلى الشركات الخارجية التي قال كوليسنيكوف إنها مملوكة في الغالب لبوتين، وأُنفِقَت دون علم المانحين على مشاريع، بما فيها قصر فخم يُزعم أنه شُيِّدَ لاستخدام الرئيس على ساحل البحر الأسود.

وقال أبراموفيتش في ذلك الوقت إنه تبرع بمبلغ 180 مليون دولار فقط وإن الدفع استند إلى فواتير من الشركة التي زودت المعدات. وقال أوليغارشي آخر عن العلاقات التي أقامها أبراموفيتش في عهد بوتين، للصحيفة البريطانية: "لقد كان منخرطاً في أشياءٍ لم يُسمَح لأشخاص آخرين بالمشاركة فيها. هذا مهمٌّ لأنه يُظهِر لك أنه كان أقرب إلى بوتين".

لكن يبدو أن النقد الذي يواجهه أبراموفيتش قد انقلب لصالحه، ففي عام 2012، فاز بواحدة من أغلى القضايا القانونية في المملكة المتحدة على الإطلاق عندما حكم قاضي المحكمة العليا ضد بيريزوفسكي، الذي رفع دعوى قضائية ضد أبراموفيتش مقابل 6.5 مليار دولار كتعويض عن حصة متنازع عليها في شركة النفط Sibneft. وجد القاضي أنه كان "حريصاً وصادقاً" بينما كان بيريزوفسكي "غير أمين عن عمد".

ويبدو أن المزاعم كان لها تأثيرٌ ضئيلٌ على مكانته في الكرملين، حيث كان يحضر بانتظام موائد بوتين المستديرة، لكنه نادراً ما ينطق بكلمةٍ واحدة، وفقاً لما قاله أحد الحضور.

وفي عام 2014، ضمَّ بوتين شبه جزيرة القرم من أوكرانيا وأشعل حرباً انفصالية بالوكالة في منطقة دونباس الحدودية الشرقية. رداً على ذلك، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على عشرات الأشخاص المقربين منه -لكنها تركت أبراموفيتش دون مساس.

تحميل المزيد