من حادث الطفل ريان إلى التفوق الكروي في كأس العالم.. أمة واحدة حزناً وفرحاً

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/12 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/12 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
رويترز/ تأهل منتخب المغرب إلى نصف النهاية والفرحة العربية

اسمح لي، عزيزي القارئ، أن أشاركك الاحتفال بالحدث غير المسبوق، بتأهل أسود الأطلس إلى نصف نهائي كأس العالم قطر 2022، لأول مرة في التاريخ، بعد إقصائهم لعمالقة اللعبة، بلجيكا وإسبانيا والبرتغال.

فطبيعة الاحتفال، العابرة لجغرافيا القوميات الضيقة والعابرة للأنظمة السياسية الحاكمة، والعابرة حتى للمجالات؛ إذ هي ليست مقصورة على نمط واحد، تشي كما يبدو، بأننا أمام حالة ممتدة، أكبر من مجرد انتصار مجموعة من لاعبي أحد الفرق على فريق منافس، وإن تكثفت في ذلك الحدث.

إذ إن هناك حالة انتشاء و"إيفوريا" شعبية، من المشرق إلى مشارف جبل طارق، لا تخطئها عين، تشبه اللحظات النادرة التي جسدتها الدراما والسينما على مضض، حيث يترقب الناس، أو الجماعة الشعبية بلغة الأنثربولوجيا، خلف الراديو وشاشات التلفزيون، في جوٍّ عام مفعم "بالأدرينالين" تفاعلاً لحظياً مع الأداء الميداني لنخبة مختارة منهم، في معركة فارقة، عسكرياً أو دبلوماسياً أو سياسياً.. أو حتى رياضياً. 

هذه الحالة عابرة للجغرافيا والأنظمة وحتّى طبيعة الحدث حقيقةً دون أي مجازات أدبية؛ لأنها سائلة تقريباً، ليس بينها رابط واحد ملموس، إلا الطابع الشعبي المنفعل وجدانياً مع كلِّ ما يستشعر صدقه وأهميته، وهو ما يتضح في انتقالها، من جغرافيا لجغرافيا، ومن مجال نفسي متمايز إلى مجال آخر مختلف بمنتهى السلاسة، إلى أن وصلت إلى الدوحة مؤخراً.

ويمكن للمتابع اليقظ أن يشعر بصدى تلك الحالة الفريدة خلال الشهور الأخيرة في أحداث متقاطعة، على رأسها: 

لعل أولها الدعم الشعبي العفوي والحضاري لحملة مقاطعة المنتجات الفرنسية اقتصادياً وثقافياً، احتجاجاً على "وقاحة" باريس بحق الرموز الإسلامية واستيلائهم على المشرق، ما أدى إلى إرباك حسابات الأنظمة السياسية الحاكمة في أقطار العالم الإسلامي، وتراجع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جزئياً عن تصريحاته.

ثانياً التلاحم الشعبي النبيل، من كلِّ الأقطار المشرقية تقريباً، مع أسرة الطفل، المرحوم بإذن الله، ريَّان، الذي سقط في بئر عميقة في المغرب، والمتابعة اللحظية الصادقة لمحاولات إنقاذه، وحتى تأبينه وتشييعه إلى مثواه الأخير، وهو ما قالت الأسرة إنه كان فارقاً في هدهدة قلوبهم على ملاكهم الصغير. 

فرحة المغاربة والعرب بتأهل المنتخب المغربي / رويترز
فرحة المغاربة والعرب بتأهل المنتخب المغربي / رويترز

ثالثاً التآزر الشعبيُّ النوعيُّ العادل، الذي هبَّ من المشرق وغمر العالم كله تقريباً تأييداً للنضال الفلسطيني، المنطلق من قطاع غزة، ضد الاحتلال الإسرائيلي، في معركة "سيف القدس" مايو/أيار 2021، والتي نذكر منها جميعاً مشاهد قصف تل أبيب واحتراق مواقف الحافلات التي هجرها روادها إلى الملاجئ المحصنة تحت الأرض، تناغماً مع حركة المجتمع الفلسطيني الفريدة في الضفة والـ48 ضد الاحتلال، وهلع إعلام الأخير من ضياع أثر سردية المظلومية التاريخية أمام التعاطف الواسع مع النضال الفلسطيني.

وصولاً إلى حالة الانتشاء الشعبي الملحوظة مع الأداء القطري المشرف في المونديال، سواء على مستوى التنظيم والضيافة والعناية بأدقِّ التفاصيل، أو على مستوى المواقف الثقافية المدعومة بخطاب هوياتي متزن وفعال وإيجابي خال من المضامين الاعتذارية في وجه تبجح تيار معتبر من الثقافة الغربية.

هذه الحالة التي توجت، لحسن الحظ، بالإنجاز المغربي المشرف في ميدان كرة القدم، والذي أشعل حماس الجماهير، من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، على أرضية الكفاح العادل والجدارة وإمكان كسر ما يروج على أنه معجزات ومستحيلات. 

هذه الأحداث المترابطة، والتي تجمعها الشعبوية الفعالة، هي بمثابة "ربيع عربي" ممتد، تمظهر في أشكال مختلفة، صحيح ليس من بينها السياسي المباشر، ولكنه يداعب، أيضاً بلا شك، وجدان وخيال المبادئ التي قام عليها الربيع العربي الأول.

حيث صوت الناس، القادر على الإسماع والتأثير، والذي ستحاول جهات وأنظمة خبيثة غير ظاهرة القفز عليه وتفريغه من مضمونه الشعبي الفعال، وهو ما ينبغي الانتباه إليه. كل التبريكات للشعوب التي تنحت في الصخر، وبالتوفيق لأسود الأطلس فيما هو قادم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد سلطان
كاتب مصري مقيم بأستراليا
كاتب مصري مقيم بأستراليا
تحميل المزيد