"كليوباترا كانت سوداء"!، هذا ما يعتقد به أتباع "حركة الأفروسنتريك"، وهي فكرة عادت للواجهة بعد
أن أطلقت "نتفليكس" المقطع الدعائي لفيلمها الوثائقي "الملكة كليوباترا"، من إخراج جادا بينكيت سميث، زوجة النجم الأمريكي الشهير ويل سميث.
وكانت ظهرت للإعلام مرة أخرى عند إلغاء حفل الكوميدي الأمريكي كيفن هارت في القاهرة في فبراير/شباط عام 2023، بسبب اتهام الجمهور لهارت، بتشويه تاريخ مصر وترويجه لأفكار تلك الحركة على حساباته على مواقع التواصل.
الوثائقي الجديد المثير للجدل من نتفليكس، يصور الملكة كليوباترا، امرأة سوداء، والذي وصفه وزير الآثار المصري السابق زاهي حواس بأنه "تزوير للحقائق".
لكن بالنسبة لحركة "الأفروسنتريك"، ليست كليوباترا وحدها من كانت "إفريقية سوداء"، وإنما الحضارة المصرية القديمة برمتها، سواء كانت الأسر الفرعونية القديمة التي حكمت مصر وحتى بناة الأهرامات والمهندسين من ورائها.
بل يذهب بعضهم بعيداً بأن جميع دول شمال إفريقيا، هي في الأصل أراضٍ للأفارقة السود ولكنهم تعرضوا لإبادات وتم استبدالهم بشعوب شمال إفريقيا الحاليين والذين نزحوا من أوروبا وآسيا.
تلك الحركة لم تبدأ اليوم ولهم محاولات أكبر بكثير لإثبات "حقهم في مصر" والحضارة المصرية القديمة.
حركة الأفروسنتريك أسسها السود للرد على العنصرية البيضاء
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت الصراعات العرقية تعصف بالمجتمع الأمريكي بسبب العنصرية التي عانى منها السود على يد البيض لقرون، ولفترة طويلة، كان قادة السود يبحثون عن "الطريق الصحيح"، وعن نظرية توحد السود وتبعث فيهم روحاً قومية وروح الفخر، فظهرت شخصيات كثيرة حاولت إحياء "الهوية الإفريقية" في نفوس السود حول العالم.
كان أحد هؤلاء هو الكاتب ورجل الأعمال ماركوس غارفي، والذي سعى إلى جمع "السود" في دولة مستقلة في إفريقيا.
وظهرت بعده حركات مثل الديانة الراستافارية، أو بعض أفكار جماعة "أمة الإسلام" في أمريكا وغيرها من أفكار أكدت الفخر بالهوية الإفريقية "السوداء"، وأنها مركز الحضارات القديمة وأنها أصل البشرية؛ حتى تطرف بعضها بالعنصرية ضد الأعراق الأخرى والإيمان بتفوق العرق الأسود على الجميع.
ومع ظهور حركة الحقوق المدنية الأمريكية التي ساهمت في نيل الأفارقة في أمريكا مزيداً من الحقوق، وفتح المزيد من المجال للسود لنيل الشهادات العليا والدراسة الجامعية في الخمسينيات من القرن الماضي، أصبح العلماء الأفارقة مساهمين رئيسيين في دراسات التاريخ الإفريقي.
فبرز عدد من الأسماء كان أهمها البروفيسور كينيث دايك، الذي أصبح رئيساً للجنة الدراسات الإفريقية بجامعة هارفارد في السبعينيات. والذي كان يعتقد "أن المؤرخين الأفارقة عليهم تفسير تاريخهم دون أن يتأثروا بالنهج الأوروبي المركزي".
وفي السبعينات بدأت تظهر حركة "الأفروسنتريك" أو "المركزية الإفريقية"، بشكل أوضح وأكثر تطرفاً على يد "الشيخ أنتا ديوب"، والذي كان مؤرخاً سنغالياً وعالماً في علم الإنسان، ودرس في جامعات باريس التاريخ وعلم المصريات. وعمل عضواً في لجنة اليونسكو العلمية الدولية لصياغة التاريخ العام لإفريقيا.
كتب "أنتا ديوب" كتاباً حول أصول المصريين القدماء في تاريخ إفريقيا وقدم فرضيته القائلة بأن المصريين القدماء كانوا من المجموعة العرقية الإفريقية "السوداء" وقوبلت استنتاجات ديوب بمجموعة من الاعتراضات القوية، وفي نفس الوقت لاقت الدعم الحماسي التي طورها العديد من الأكاديميين والأمريكان من أصول إفريقية والأفارقة "السود" في دول أخرى.
الحضارة المصرية القديمة "سوداء".. أهم أفكار الأفروسنتريك
يجادل أتباع حركة الأفروسنتريك أنه ولقرون عديدة، هيمن الأوروبيون وغيرهم من غير البيض، مثل العرب على الأفارقة، من خلال العبودية والاستعمار، ووفقاً للمنظرين من تلك الحركة، يحتاج المنحدرون من أصل إفريقي إلى تنمية تقديرهم لإنجازات الحضارات الإفريقية التقليدية، وهم بحاجة إلى التعبير عن تاريخهم ونظام القيم الخاص بهم.
كما يعتقد أتباع الأفروسنتريك، أن التاريخ والثقافة الإفريقية بدأت في مصر القديمة، والتي كانت مهد الحضارة العالمية. وترأست مصر في ذلك الوقت "إفريقيا السوداء الموحدة"، لكن كل ذلك ضاع عندما سُرقت أفكارها وتقنياتها وحجب الأوروبيون سجلها الحافل بالإنجازات. وزوروا حقيقة كون مصر القديمة، كانت دولة إفريقية للسود فقط.
واجهت الأفروسنتريك معارضة كبيرة حول العالم من العلماء المختصين في التاريخ وعلم الإنسان أو "الأنثروبولوجيا" الذين اتهموها بعدم الدقة التاريخية، وعدم الكفاءة العلمية، والعنصرية. وتم تأليف العديد من الكتب التي دحضت معظم النظريات والآراء التي وضعها مؤسسو تلك الحركة.
نشاطات ومحاولات لإقامة فعالياتهم على أرض مصر
لا تقتصر نشاطات حركة الأفروسنتريك، على مواقع التواصل أو في صفحات الكتب والمقالات أو حتى الأفلام وإنما لهم نشاطات على الأرض ومحاولات لإحياء تلك الحركة من داخل أرض مصر، والتركيز على سكان مصر "النوبيين"، باعتبارهم جزءاً من الشعب الأصلي لـ"مصر السوداء".
في عام 2022 حذر مجموعة من النشطاء المصريين من أن "شيئاً خطيراً" كان سيحدث في أسوان، ومحاولة ما يسمى "جامعة أفروسنترست" كانت ستعقد مؤتمراً في صعيد مصر، وكان اختيار أسوان متعمداً، لأن هذه الحركة تستغل الاختلاف العرقي والثقافي، وتهدف إلى "استقطاب" وفصل الشباب النوبي عن المجتمع المصري.
وحذر النشطاء حينها أن حركة الأفروسنتريك ستستخدم التاريخ "المزيف" لزعزعة استقرار البلاد وتمزيق نسيجها الوطني وخلق الفتنة.
كما ظهرت عدة مقاطع لسياح أفارقة يقومون بجولات في الأهرامات ويتحدثون عن كون مصر "أرضاً سوداء"، ويعتبرون سكان مصر الحاليين هم "مصريين مزيفين".
كما تحدث زاهي حواس، وزير الآثار المصري السابق عن احتجاجات تعرض لها أثناء محاضرته في متحف بفيلادلفيا، لأنه رفض إجراء اختبارات الحمض النووي على المومياوات، لمجموعة ادعت أنه بواسطة تلك الاختبارات يمكن إثبات أن الفراعنة كانوا من السود. وشكك حواس في حق الأمريكيين "السود" وادعاءاتهم للمطالبة بالحضارات في شمال شرق إفريقيا أو وادي النيل.
بالنسبة للكثير من العلماء والمختصين من حول العالم، تم دحض وبشكل شامل هذه الادعاءات وأن الحقيقة التاريخية في الأوساط العلمية أن سكان شمال إفريقيا كانوا دائماً "متعددي الألوان والأعراق"، ولا يوجد دليل على "شمال إفريقيا السوداء" التي طمسها الغزاة.
كتب الجغرافي البارز جيمس ل. نيومان: "لم يكن الأمر أن العرب قد شردوا المصريين جسدياً. وبدلاً من ذلك، تحول المصريون من خلال أعداد صغيرة نسبياً من المهاجرين جلبوا أفكاراً جديدة، والتي، عند نشرها، خلقت هوية عرقية أوسع".
بل حتى إن "الشيخ أنتا ديوب"، وصف الاعتقاد بأن "الغزوات العربية" تسببت في نزوح عرقي جماعي إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بأنه "نسج من الخيال".
بينما يؤكد أتباع حركة الأفروسنتريك أن أفكارهم تظل وجهة نظر قيمة للعالم ومحفزاً للنشاط الثقافي والسياسي للأمريكيين الأفارقة.