يدخنون الحشيش للتأمل ويقدسون ملكاً إفريقياً لدرجة الألوهية! قصة الديانة الراستافارية

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/06 الساعة 18:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/01 الساعة 06:12 بتوقيت غرينتش
المغني بوب مارلي أحد أشهر معتنقي الراستافارية/Wikimedia Commons

خلال عشرينيات القرن الماضي أنشأ ماركوس غارفي، أحد أبطال جامايكا القوميين، حركة "العودة إلى إفريقيا" ويعتبر أول شخص ملون أنشأ حركة جماهيرية لتعزيز مصير شعوب إفريقيا. في كتاباته ذكر غارفي مراراً وتكراراً نبوءة "تتويج مستقبلي لملك في إفريقيا" ولكن لم يخطر بباله أن كتاباته ستتحول لاحقاً إلى دين، وأن هذه المقولة ستصبح أساس الدين الجديد.

ماركوس غارفي/Wikimedia Commons


أعقب تلك النبوءة بسنوات تتويج الإمبراطور "رأس تافاري" في إثيوبيا، وحمل اسم "هيلا سيلاسي". ليرى الكثير من أتباع "غارفي" أنه "الشخص الموعود"، الذي سيحرِّر السود من الاضطهاد ويعيدهم إلى أرض "صهيون الموعودة"، وتنشأ ديانة سُمِّيت الراستافارية، مشتق اسمها من اسم هيلا سيلاسي الأصلي.

بمرور الوقت تطور اللاهوت الراستافاري من أفكار ماركوس غارفي، وخلطها مع تعاليم الكتاب المقدس والاعتماد على قصص العهد القديم، خاصة قصص الخروج، التي تذكر كيف نجّى الله "بني إسرائيل" من أسرهم في بابل، وعادوا مرة أخرى إلى "أرض الميعاد" في فلسطين، معتبرين الأشخاص المنحدرين من أصل إفريقي في الأمريكتين وحول العالم، أنهم "منفيين في بابل".

وأن "جاه"، وهو اختصار اسم "يهوه" الذي يطلق على "الله" في التوراة، يختبرهم من خلال العبودية ووجود الظلم الاقتصادي و"الاضطهاد" العنصري. ينتظر "الراستا" تحريرهم من الأسر وعودتهم إلى "صهيون" وهو الاسم الرمزي لإفريقيا المستمد من التقليد التوراتي. واعتبار إثيوبيا الوطن النهائي لجميع الأفارقة، ومقر "جاه" أو "الله". 

تطورت اعتقادات الراستافارية، واعتبرت هيلا سيلاسي "قوة الثالوث" والإله متجسداً (بديل المسيح) 

هيلا سيلاسي/Wikimedia Commons

وهو أمر لم يكن هيلا سيلاسي نفسه يؤمن به، ولكنه لم يمانع ذلك حين زار جامايكا عام 1966، بل وقف يُحَيّي الآلاف الذين كانوا يتحرَّقون شوقاً لتلقّي نظرة من "إلههم"، وكان من بينهم ريتا مارلي زوجة المغني الشهير بوب مارلي الذي كان له الدور الأكبر في نشر أفكار هذه الديانة بين السود في العالم، لأن أغلب كلمات أغانيه كانت عن تعاليم هذه الديانة الجديدة، وفجأة أصبح الكثيرون يريدون معرفة المزيد  حولها.

وقرأ الراستافاريون الكتاب المقدس بشكل انتقائي واختاروا بعض المقاطع  التي استنبطوا منها أحكام حركتهم الدينية. 


المعتقدات الراستافارية

لا توجد عقيدة راستافارية رسمية واحدة، وهناك اختلافات بين المجموعات المختلفة داخل الحركة وشهدت تطوراً كبيراً.

لكنهم جميعاً يعتقدون أن هيلا سيلاسي هو الإله الحي المتجسد. اعتقاد واجه معضلة حين توفي هيلا سيلاسي عام ،1975 فكان التفسير أن جسده المادي فقط هو الذي مات، وأنه لا يزال حياً. 

وفقاً لكتاب العهد القديم، يعتقد أتباع الراستافارية أنه لا ينبغي لأحد أن يقصَّ شعره، لأنه المكان الذي تكمن فيه قوتهم، فيشتهرون بطريقة تمشيط الشعر الخاصة بهم، حيث يطلقونه ثم يضفّرونه".

رجل من اتباع الراستافارية /Wikimedia Commons

كما أن تدخين الماريغوانا المفرط يعتبر نوعاً من التأمل الروحاني، ولكنهم لا يتناولون الكحول والشاي والقهوة والألبان، ولا يأكلون لحم الخنزير مطلقاً بشكل عام، الراستافاريون يعتبرون أجسادهم هيكلاً ، وبناءً على تعاليم "العهد القديم". لا يشربون شراباً أو يأكلون طعامًا لا يغذِّي أجسامهم، لذا يتبع الكثيرون منهم نظاماً غذائياً صارماً، يجب أن تكون جميع الأطعمة فيه طبيعية وغير مصنعة تماماً. 

ويأكلون الأسماك على ألا يزيد طول السمكة على 12 بوصة، وذلك لأن السمكة ذات الحجم الأكبر ترمز إلى البابليين الذين يتغذون على الآخرين.

ألوان الراستافارية المقدسة /shutterstock

وهناك أيضا الألوان المقدسة الأخضر والذهبي والأحمر والأسود، التي لها رمزيتها الخاصة. يرمز الأحمر إلى قوة الحياة الدم، ويرمز الاخضر الى الأعشاب، ويرمز الذهبي الى الملوك، أما اللون الأسود فيرمز الى إفريقيا.
بالإضافة إلى عقائد تتعلق بالقضايا العرقية، منها أن السود هم "شعب الله المختار" ويعتبرون أنفسهم "الإسرائيليين الحقيقيين"، وسيحكمون العالم وحينها سيخدم البيض السود، أمّا أرض الميعاد في الكتاب المقدس فهي إفريقيا. 

بينما أعاد المعاصرون منهم تفسير عقيدة العودة إلى الوطن إلى أنها هجرة طوعية إلى إفريقيا، أو العودة إلى إفريقيا ثقافياً ورمزياً، أو رفض القيم الغربية والحفاظ على الجذور والثقافة الإفريقية و"الفخر الأسود" وتضاءل الاعتقاد السابق بأن البيض هم أشرار، ولم يعد محورياً في أنظمة المعتقدات الراستافارية.

وليس لدى الراستافارية أوقات محددة للعبادة، ولكنهم يلتقون عادة أسبوعياً في بيت أحدهم أو في مركز اجتماعي في جلسات يطلقون عليها "جلسات التفكير"، حيث يتبادلون الأحاديث ويصلُّون ويغنون ويناقشون قضاياهم، وربما يدخنون الماريغوانا، لإضفاء أجواء روحانية وتأملية على تلك الجلسات ويستخدمون في جلساتهم موسيقى يطلق عليها نيبينغي. 

أما الأعياد والمناسبات المقدسة فهي تدور في أغلبها حول إثيوبيا والإمبراطور هيلا سيلاسي، مثل: 

  • عيد الميلاد ورأس السنة المسيحية الإثيوبية (7 يناير).
  • يوم التأريض (21 أبريل) – الذي يصادف تاريخ زيارة هيلا سيلاسي الأول لجامايكا في عام 1966. 
  • يوم الدستور الإثيوبي (16 يوليو) – إحياء لذكرى تنفيذ أول دستور لإثيوبيا من قبل هيلا سيلاسي في عام 1931.
  • عيد ميلاد الإمبراطور هيلا سيلاسي (23 يوليو)- يحتفل باليوم الذي وُلد فيه الإمبراطور هيلا سيلاسي الأول عام 1892.
  • عيد ميلاد ماركوس غارفي (17 أغسطس).

يحيي ذكرى ميلاد ماركوس غارفي، صاحب النبوءة الشهيرة على الرغم من أن غارفي نفسه لم يكن راستافارياً بل إنه انتقد سيلاسي علانية، ولم يعتقد بألوهية "سيلاسي" أو كونه "المخلص الموعود".

  • يوم رأس السنة الإثيوبية (11 سبتمبر)

يتم الاعتراف ببداية العام الجديد في إثيوبيا لأن الراستافارية يعتقدون أن إثيوبيا هي وطنهم الروحي، والمكان الذي يريدون العودة إليه.

  • تتويج الإمبراطور هيلا سيلاسي الأول (2 نوفمبر)

يحيي ذكرى تتويج رأس تفاري إمبراطوراً هيلا سيلاسي الأول ملك إثيوبيا عام 1930.

يقرأ رئيس الكهنة المقاطع الكتابية، ويبدأ غناء الأغاني لإعادة تأكيد أهمية هيلا سيلاسي مسيحاً منتظراً. كما يُعقد اجتماع "نيابينجي" لإحياء ذكرى هيلا سيلاسي.

تحميل المزيد