اختراعات طبية واعدة.. هكذا ستغير خريطة الدماغ الجديدة علم الأعصاب بأكمله

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/04 الساعة 17:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/04 الساعة 17:51 بتوقيت غرينتش
تساعد خريطة الدماغ المتخصصين في تشخيص الحالات المزمنة مثل مرض باركنسون والتخطيط للعمليات الجراحية مثل أورام المخ/ Istock

من سطح العضو المتجعّد، كبِّر الصورة مليون مرة لترى مشهداً مذهلاً من الخلايا ذات الأشكال والأحجام المختلفة، فإما تتفرّع من خلية وإما تتصل بأخرى. ثم كبِّر الصورة 100 ألف مرة أخرى وسترى الأعمال الداخلية للخلايا والهياكل الدقيقة في كل واحدة منها، إلى نقاط الاتصال بينها والوصلات الأبعد بين مناطق الدماغ. هذا ما يحاول العلماء رسمه؛ خريطة الدماغ الكاملة. 

حتى الآن، نجح العلماء بالفعل في رسم خرائط دماغ للدود والذباب، ولأجزاء صغيرة من أدمغة الفأر والأدمغة البشرية. لكن هذه الرسوم البيانية هي مجرد البداية، حسب موقع مؤسسة World Brain Mapping.

لفهم كيفية عمل الدماغ حقاً، يحتاج علماء الأعصاب إلى معرفة كيف يتحدث كل نوع من أنواع خلايا الدماغ البالغ عددها 1000 نوع تقريباً، مع بعضها البعض بلهجاتها الكهربائية المختلفة. 

مع هذا النوع من الخرائط الكاملة والمحددة بدقة، يمكن البدء حقاً في شرح عمل الشبكات المسؤولة عن كيفية تفكيرنا وتصرفاتنا.

مهمة صعبة جداً

تُظهر مثل هذه الخرائط، وضمنها سلسلة من الأوراق البحثية التي نُشرت أواخر عام 2021، أنواع الخلايا في الدماغ، وتصنفها.

تتدفق النتائج من جهود الحكومة الأمريكية لفهم ووقف العبء المتزايد لاضطرابات الدماغ لدى السكان المتقدمين في السن. 

تهدف هذه المشاريع، التي تم إطلاقها خلال العقد الماضي، إلى رسم تخطيطي لاتصالات الدماغ وفهرسة أنواع خلاياه وخصائصه الفسيولوجية.

"إنها مهمة شاقة" حسب ما وصفها مدير المعهد الوطني الأمريكي للصحة العقلية (NIMH) في ماريلاند، جوش جوردون.

بدأت أكبر المشاريع في العام 2013، عندما أطلقت الحكومة الأمريكية والمفوضية الأوروبية مشروع "طلقة القمر" أو Moonshot لتقديم الخدمات للباحثين بهدف فك شيفرة دماغ الثدييات.

وضخت كل دولةٍ موارد هائلة في برامج واسعة النطاق ذات أهداف مختلفة. 

وبينما ركزت جهود الولايات المتحدة- التي تقدر تكلفتها بنحو 6.6 مليار دولار أمريكي حتى عام 2027- على تطوير وتطبيق تقنيات جديدة لرسم الخرائط في مبادرة BRAIN (أبحاث الدماغ من خلال تطوير التقنيات العصبية المبتكرة)، أنفقت المفوضية الأوروبية والمنظمات الشريكة لها 703 ملايين دولار على مشروع الدماغ البشري (HBP)، الذي يهدف بشكل أساسي إلى إنشاء محاكاة لدوائر الدماغ واستخدام هذه النماذج كمنصة للتجارب.

حتى اليابان أطلقت مشروعها الخاص في العام 2014 تحت عنوان (رسم خرائط الدماغ من خلال التقنيات العصبية المتكاملة لدراسات الأمراض)، والذي يتضمن رسم خرائط للشبكات العصبية في دماغ القردة. 

منذ ذلك الحين أطلقت دول أخرى، من ضمنها كندا وأستراليا وكوريا الجنوبية والصين، أو تعهدت بإطلاق برامج سخية لعلوم الدماغ ذات أهداف أكثر تنوعاً.

على مدى عقود، استخدم علماء الأعصاب كل تقنية جديدة مناسبة لضبط تعريف ما يشكل نوعاً مميزاً من الخلايا، وأدرك الباحثون أن الخلايا التي تبدو متشابهة ظاهرياً، قد تختلف كلياً من حيث وظيفتها اعتماداً على صلاتها بخلايا أو مناطق دماغية أخرى، أو خواصها الكهربائية.

ومع ذلك، فإن معرفة أجزاء الدماغ شيء، ومعرفة كيفية عملها معاً شيء آخر تماماً. 

لذلك تعمل بعض مشاريع الدماغ الكبيرة، جنباً إلى جنب مع العديد من مجموعات البحث المستقلة حول العالم، على التنظيم المكاني لأنواع الخلايا ووصلاتها- المعروفة باسم الشبكات العصبية- للعديد من الأدمغة، وضمن ذلك الفئران والبشر.

خريطة الدماغ والعمليات الجراحية

إضافة إلى كل ما ذُكر أعلاه، تساعد خريطة الدماغ المتخصصين في تشخيص الحالات المزمنة مثل مرض باركنسون والتخطيط للعمليات الجراحية مثل أورام المخ.

باستخدام تقنية رسم خرائط الدماغ المتقدمة، بإمكان الأطباء معرفة الموقع الدقيق لوظائف الدماغ الفردية- الكلام والذاكرة والحركة- من أجل تحديد العلاج الأنسب والتمييز بين مادة الدماغ السليمة والأنسجة المريضة. 

عملياً يمتلك الدماغ السليم القدرة على تعلم ما يحتاج الشخص إلى معرفته، من أجل الازدهار في بيئة متغيرة أو مليئة بالتحديات. إنها حالة يتم فيها تحسين المؤشرات الرئيسية التالية، حسب ما عددها موقع Medical Tourism:

• الإدراك: كالذاكرة والانتباه وسرعة المعالجة وحل المشكلات والوظيفة التنفيذية.

• العاطفة: كالمزاج والقلق والتوتر والتسامح والتأقلم.

• الحركية: كالتوازن والتنسيق وخفة الحركة والدقة والدقة والسرعة والقوة.

عندما تعمل الخلايا العصبية في الدماغ دون المستويات المثلى، يمكن أن تفشل الشبكة بأكملها في العمل. ونظراً إلى أن الدماغ يرسل إشارات إلى الجسم وينظمه بعدة طرق، فإن التشوهات التي تنشأ داخل الدماغ قد تساهم في الإصابة بالأمراض أو تزيدها سوءاً في أي مكان بالجسم.

تحديات مستقبلية

يعتقد معظم علماء الأعصاب أن مشاريع رسم الخرائط الكبيرة هي مفتاح مستقبل مجال علم الأعصاب وعلاج أمراضه، لكن بحذر.

إذ يتشكك عالم الفسيولوجيا العصبية في جامعة نيويورك، توني موفشون، في أن المعرفة التفصيلية لأنواع الخلايا والشبكات العصبية ستكون ذات فائدة فورية. 

يقول موفشون لمجلة Nature: "عرفنا بالفعل بعض أنواع الخلايا من علم التشكل والتصنيفات الأخرى قبل أن يقوم أي شخص بتحليل نسبي، ومازلنا كلياً عائمين في البحر". 

وأضاف: "إن تحديد أنواعٍ أكثر تميزاً وراثياً لن يفيد جداًعلى المدى القريب لفهم كيفية عمل الدائرة بأكملها". لكنه يقول إن الأدوات التي تمكن العلماء من وضع العلامات أو التلاعب بأنواع معينة من الخلايا ستكون "رائعة".

ويركز العلماء في هذا المجال حالياً على بناء مرصد يمكنه دمج البيانات من كل هذه المشاريع في صورة واحدة كبيرة وموحدة. 

في عام 2017، اجتمع الباحثون في مشاريع "الدماغ الكبير" معاً، لإنشاء مبادرة الدماغ الدولية أو International Brain Initiative، وهي منظمة فضفاضة، مهمتها الرئيسية مساعدة علماء الأعصاب على إيجاد طرق لتجميع وتحليل بياناتهم.

مركز قيادة الإنسان

يقول عالم الأعصاب كريستوف كوخ: "في الأفق البعيد، تكمن احتمالية اختراق دوائر الدماغ في معالجة اضطرابات الدماغ. فالدماغ هو أكثر أجزاء المادة النشطة للغاية في الكون تعقيداً، ولا يوجد حل سحري لاكتشاف كيفية عمله، ولكن امتلاك الأجهزة الأساسية سيؤدي إلى الفهم الميكانيكي لدوائره".

فالعقل أو الدماغ هو مركز قيادة الإنسان الذي يؤثر على الجسم والروح. عندما لا يكون أداؤه في أفضل حالاته، يتسبب العقل في حدوث خلل في العلاقات والعمل والحياة بشكل عام. 

الحقيقة البسيطة هي أنه كلما عمِل العقل بطريقة سليمة عمِل الإنسان بطريقة سلمية، بل استمر في العمل فترةً أطول إذا اتبع نهجاً استباقياً للصحة والشيخوخة.

ملحوظة مهمة حول المعلومات الطبية الواردة في المقالة

يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.

إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.

تحميل المزيد