حكم الألمان على البطاطا من شكلها وقرروا أنها لا تصلح حتى أن تكون طعاماً للكلاب، أما الفرنسيون فكانوا يستخدمونها حصرياً كعلف للخنازير، وكذلك في بلجيكا لم توفِ البطاطا حقها.. لكن ذلك كله تغيَّر بعد اكتشاف البطاطا المقلية، تغيَّر لدرجة أن هذه الدول باتت تتصارع وتتنازع في سبيل نسب هذا الطبق الشهي إلى مطبخها. فما هي قصة البطاطا المقلية؟ ومن اكتشفها؟ سنقدم لكم ثلاث روايات مختلفة ونترك الحكم لكم:
قصة البطاطا المقلية
من الطبيعي أن تتنازع الدول على نسب هذا الطبق الشهي إلى مطبخها، فالفرنسيون يدَّعون أنهم هم أصحاب هذا الاكتشاف العظيم، مع العلم أن البطاطا في البداية كانت محظورة في فرنسا، وكان يُعتقد أنها تسبب عديداً من ألامراض مثل الجذام!
أما البلجيكيون فينكرون رواية الفرنسيين، ويدَّعون أنهم أول من قدَّم البطاطا المقلية على موائدهم، وللألمان كذلك قصة تاريخية مشهورة تدل على أنهم عرفوا البطاطا المقلية في وقت مبكر.
فلنتعرف معاً على كل من هذه الروايات الثلاث، ونحكم أيها أكثر إقناعاً:
الفقراء البلجيكيون اكتشفوا البطاطا المقلية
تقول الحكاية البلجيكية إن أصابع السمك المقلية كانت الوجبة الرئيسية للفقراء في القرن السابع عشر، فمن حسن حظهم أن الأنهار التي تكثر فيها الأسماك كانت وفيرة في بلجيكا.
لكن في العام 1680، عصفت موجة صقيع بالبلاد واشتد البرد حتى تجمدت جميع الأنهار وأصبح من المستحيل الصيد منها، وقد كاد الفقراء آنذاك يموتون جوعاً.
عندها قام البلجيكيون بالاستعاضة عن أصابع السمك، بأصابع البطاطا، إذ قاموا بتقطيعها وقليها على شكل أصابع تشبه أصابع السمك، دون أن يدركوا أنهم اخترعوا للتو ما ستصبح واحدة من أشهر المأكولات في العالم.
بكل الأحوال يتفق المؤرخون على صحة هذه القصة، لكن يختلفون على التاريخ فقط، إذ يُعتقد أن بلجيكا لم تعرف البطاطا المقلية حتى بدايات القرن الثامن عشر.
كتب الطبخ الفرنسية أول من ذكر البطاطا المقلية
أما الفرنسيون فينكرون الرواية البلجيكية، مدَّعين أن تاريخ البطاطا المقلية في بلادهم أقدم من تاريخ اكتشافها في بلجيكا بكثير.
ويستدل الفرنسيون على صدق روايتهم، بكُتب الطهي التي تعود للمطبخ الفرنسي العريق والتي ذُكرت فيها البطاطا المقلية.
وكان من أشهر الطهاة الذين كتبوا عن البطاطا المقلية في الكتب الفرنسية، الشيف Hanore Julien الذي يعود تاريخ كتابه إلى ما قبل 1680، مما يدل على أن الفرنسيين قد اكتشفوا البطاطا المقلية قبل البلجيكيين، وفقاً لروايتهم.
حتى إنه يشار إلى البطاطا المقلية باللغة الإنجليزية بكلمة French fries أو البطاطا المقلية الفرنسية.
مِن علف للخنازير إلى أشهر الأطباق الفرنسية
مع ذلك هناك روايات أخرى حول اكتشاف البطاطا المقلية في فرنسا تعود للعام 1795، حيث كانت البطاطا بشكل عامٍ محظورة في البلاد تماماً قبل ذلك التاريخ، إذ كان يُعتقد أنها تسبب عديداً من الأمراض!
ففي عام 1748، حظر البرلمان الفرنسي زراعة البطاطس؛ لاقتناعهم بأنها تسبب الجذام، ولم يكن الفرنسيون يأكلونها مطلقاً، إذ كانت تستخدم كغذاء للخنازير فقط.
لكن يعود الفضل إلى اكتشاف الطعم الشهي للبطاطا إلى أنطوان أوغسطين بارمينتييه، الذي كان يعمل صيدلانياً في الجيش الفرنسي، وقد أبدى اهتماماً كبيراً بمجال التغذية.
خلال حرب السنوات السبع، تم أَسر بارمينتييه، وإعطاؤه البطاطا كغذاء له في السجن، ومع تناوله للبطاطا يومياً أيقن بارمينتيير أن المفاهيم الفرنسية حول هذا النبات مغلوطة تماماً.
وعندما عاد بارمينتييه إلى فرنسا حارب النظرة السلبية الشائعة عن البطاطا، وساهم في الترويج لها بشتى الطرق، حتى إنه نظَّم عشاء استضاف فيه عديداً من الشخصيات المهمة آنذاك مثل بنجامين فرانكلين وأنطوان لافوازييه والملك لويس السادس عشر والملكة ماري أنطوانيت، وطبعاً كان الطبق الرئيسي في ذلك العشاء هو البطاطا.
وأخيراً أعلنت كلية الطب في باريس أن البطاطس صالحة للأكل في عام 1772، لكن مع ذلك لم تصبح البطاطا شائعة في فرنسا إلا بعد مجاعة عام 1785، ويُحكى أن البطاطا المقلية لم تُعرف إلا في عام 1795، وهو ما يجعلنا نشكُّ في الرواية الفرنسية التي تقول إن تاريخ البطاطا المقلية في البلاد يعود إلى ما قبل 1680.
الملك يجبر الألمان على تناول البطاطا
وفقاً للرواية الألمانية فقد كان ملك بروسيا، فريدريك الأكبر، حريصاً على إقناع الألمان بتناول البطاطس في القرن الثامن عشر، وقد حاول إقناعهم بأن النشويات توجد أساساً في القمح وفي البطاطا، وأنها سبيلهم كي ينقذوا أنفسهم من المجاعة.
إلا أن البطاطا لم تكن ضمن ثقافتهم الغذائية، فقد كان البروسيون لا يأكلون إلا قليلاً من الخضار، وكانوا يعتقدون أن منظر البطاطا مقرف لدرجة أنه حتى كلاب الشوارع لا تستطيع تناولها.
وهنا تم اختراع البطاطا المقلية، ذات الرائحة الشهية واللون الذهبي الجذاب والطعم اللذيذ؛ لإقناع الناس بأنَّ تناول البطاطا ليس بالسوء الذي يبدو عليه الأمر.
مع ذلك لا يدَّعي الألمان أنهم من اكتشف البطاطا المقلية أولاً، لكن هذه الحادثة الشهيرة تشير إلى أنهم لم يستوردوا هذا الاختراع من بلدان أخرى.