أسسها 20 بحاراً أندلسياً في فرنسا.. إمارة “فرخشنيط” المسلمة

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/28 الساعة 13:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/28 الساعة 13:26 بتوقيت غرينتش
امارة فرخشنيط التي أقامها 20 بحاراً في فرنسا وحكمت جبال الألب

بعد عقودٍ من هزيمة المسلمين في معركة بلاط الشهداء سنة 732م، والتي أوقفت سلسلة الفتوحات الإسلامية عند حدود فرنسا، لم يتوقف المسلمون عن محاولاتهم في إلحاق الأراضي الفرنسية إلى الحكم الإسلامي وإقامة إمارات مسلمة عليها.

ففي عام 887م، ركب بعض البحارة العرب البحر من الأندلس، قاصدين الإغارة على سواحل إقليم بروفانس، فقذفت بهم الرياح إلى خليج غريمو، المعروف أيضاً باسم خليج سانت تروبيه، والذي يتبع إقليم ألب كوت دازور في الأراضي الفرنجية.

سيطر البحارة العرب على قرية تسمى جارد فرينيه، واستقروا في الحصن المطل عليها والمغطى بأشجار كثيفة، والذي كان يُعرف بـ"Fraxinus" قبل أن يسميه المسلمون باسم "فرخشنيط"، وهو الحصن الرابض على جبل القلال، وقد ذكره إبراهيم بن محمد الإصطخري في كتابه "المسالك والممالك"، وقال عنه: "وأمّا جبل القلال فإنّه كان جبلاً فيه مياه خرّارة فوقع إليه قوم من المسلمين فعمروه، وصاروا فى وجوه الإفرنجة لا يقدر عليهم لامتناع مواضعهم".

بعد تلك السيطرة، نجحت تلك الفئة الصغيرة من المجاهدين العرب في تأسيس إمارة مسلمة، حملت اسم فرخشنيط، والتي استمرت زهاء قرن من الزمن.

فرخشنيط.. 20 رجلاً يؤسسون إمارة مسلمة في فرنسا 

بدأت قصة إمارة فرخشنيط برحلة قام بها 20 بحاراً عربياً من الأندلس، قذفتهم الرياح إلى السواحل الفرنسية، حيث نزلوا بمنطقة تسمى فرخشنيط، التجأوا إلى الغابات الكثيفة المنتشرة بها، وشرعوا في اكتشاف المنطقة تدريحياً.

في هذا السياق يذكر كتاب "تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس"، أنّه في عهد الأمير عبد الله، قام جماعة من الأندلس يقدرون بعشرين شخص بالنزول إلى السواحل الفرنسية، ولجأو إلى غابة كثيفة، ثم سيطروا على المناطق المحيطة واستقروا بها، ودعوا إخوانهم من الثغور البحرية للقدوم، وأرسلوا في طلب يد العون والتأييد من حكومات المغرب الإسلامي.

فرخشنيط
الغابات الكثيفة الميزة التي جعلت المسلميين يختارون حصن فرخشنيط لتحويله إلى إمارة / ويكيبيديا

ومع عام 906م، نجح المسلمون في بسط سيطرتهم على كامل إقليم بروفانس تقريباً، مستغلين انقسام الدوقيات والإمارات في الإقليم، وذلك بعد أن سعت هذه الدوقيات الفرنجية إلى استمالة إمارة فرخشنيط المؤسسة حديثاً، لمساعدتهم في حروبهم الداخلية، وهو الأمر الذي استغلته إمارة فرخشنيط لتسيطر على كل تلك القوى المتصارعة، ولم تستطع أي قوة في المنطقة الوقوف أمامهم، بحسب ما ورد في كتاب "تاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وإيطاليا وجزر البحر المتوسط" لشكيب أرسلان.

إمارة فرخشنيط التي حكمت جبال الألب زهاء القرن 

وبحسب محمود شاكر السوري، صاحب كتاب "التاريخ الإسلامي"، امتدت إمارة فرخشنيط التي أسسها المسلمون، شمالي مارسيليا حالياً، "من ساحل البحر الأبيض المتوسط جنوباً حتى سويسرا شمالاً، وقد ضمَّت شمال إيطاليا وجنوب شرق فرنسا وأجزاءً من سويسرا، ودامت أيامُها من عام 890م وحتى 975م".

ومع وصول المدد العسكري والبشري من الأندلس وبلاد المغرب الإسلامي، بدأت جيوش إمارة فرخشنيط بالتوسع في قلب القارة الأوروبية، فوصلت فتوحاتهم حتى حدود جنوة، وبدأت في النظر تجاه جبال الألب. ومع عام 939 نجحت جيوش فرخشنيط في عبور جبال الألب، وغزو شمال إيطاليا وكذلك جنوب سويسرا.

ومع تقدمه في شمال إيطاليا، اقتحم جيش إمارة فرخشنيط الكنائس والأديرة، مثل كنيسة نوفاليسا، التي هرب منها الرهبان بمجرد معرفتهم بوصول القوة المسلمة، لكن هناك كنائس وأديرة لم يستطع الرهبان الهرب منها، مثل دير القديس جول.

فرخشنيط
موقع امارة فرخشنيط

ومع الهجمات المتكررة على الأديرة والكنائس، قرر هيو ملك إيطاليا التدخل وإيقاف المسلمين. وبالاتفاق مع الإمبراطور البيزنطي رومانوس ليكابينوس، وفي عام 941، هاجم هيو جيوش فرخشنيط براً وبحراً، لكن الاضطرابات الداخلية التي شهدتها مملكة إيطاليا أجبرت هيو على توقيف هجومه على فرخشنيط، ليعلن عن هدنة مع إمارة فرخشنيط شريطة أن تحمي الإمارة حدود إيطاليا من المعتدين.

ترك هيو الطريق مفتوحاً أمام جيوش فرخشنيط من أجل السيطرة التامة على ممرات جبال الألب، والتي أقام فيها المسلمون نظاماً مثل نظام رسوم المرور، بحيث أجبرت قوافل الحج المسيحية القادمة من الغرب والشمال على دفع ضريبة باهظة للمسلمين من أجل الوصول إلى روما.

سقوط إمارة فرخشنيط 

لم يتوقف طموح مسلمي إمارة فرخشنيط عند التحكم والسيطرة على جبال الألب، فوضعوا صوب أعينهم السيطرة على نهر الراين، والذي كان يخضع لسيطرة الإمبراطور الروماني أوتو، الذي كان يتمتع بعلاقة جيدة مع حاكم الأندلس عبد الرحمن الناصر لدين الله.

حيث ورد في كتاب "تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس" أنه قد: "جرت مراسلات وسفارات طويلة بين حكومة الناصر بالأندلس وبين أوتو الأكبر، إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة، حول أمر هذه القاعدة… وبيّن الخليفة الناصر للسفير الأوروبي أن حكومته ليست لها أية علاقة ولا أية سلطة على جبل القلال (فرخشنيط)، وأنها لا تتحمل تبعة أعمالها. وبذلك أعطت خلافة قرطبة للسلطات الألمانية مطلق الحرية في اختيار السبل المناسبة لعلاج هذه المشكلة"، ليبدأ العداء المباشر بين إمارة فرخشنيط وأوتو الأكبر.

فرخشنيط
فرخشنيط /ويكيبيديا

ولعلّ أكبر خطأ ارتكبته إمارة فرخشنيط هو اختطاف رجل دين يدعى مايولوس سنة 972، وكان ذلك الشخص قديساً يتبع الكنيسة الكاثوليكية، وهو الأمر الذي وحّد المسيحيين ضد إمارة فرخشنيط وضد تواجدهم في إقليم بروفانس.

وبحسب ورقة بحثية بعنوان "دولة القلال الإسلامية في فرنسا"، حشد وليام الأوّل حفيد هوجو جيوش أوروبا، وتوجه بها إلى فرخشنيط سنة 973، ونجح في إلحاق هزيمة كبيرة بالمسلمين في معركة تور تور، لينتهي الوجود الإسلامي في حصن فرخشنيط وفي كامل جبال الألب بعدها. 

تحميل المزيد