عندما نتحدث عن السجون؛ فإننا عادة ما نتوقع أماكن منيعة ذات أسوار عالية، وأبراج حراسة مشددة، ولكن الحديث عن سجن "قارا" المغربي في مدينة "مكناس" يأتي مقترناً بالأعماق تحت الأرض، والرعب والخوف والأساطير التي نسجت حوله.
وصفه البعض بأنه السجن الذي لا يمكن الخروج منه، والبعض الآخر وصفه بأنه السجن الوحيد الذي لا باب له، وتناثرت الأقاويل الشعبية عنه في المغرب لدرجة وصفه بأن من يدخله مفقود، ومن يخرج منه مولود إذا استطاع أن يفر من هذا الجحيم تحت الأرض.
تأسيس سجن قارا.. للأعداء الأجانب
أسس سجن قارا المغربي في حوالي القرن الـ18 الميلادي، بحسب ما ذكرت وزارة الثقافة المغربية، وأنشأه السلطان المولى إسماعيل، الذي حكم بين عامي 1672 و1727 في منطقة القصبة الإسماعيلية في مكناس، وأشارت العديد من المصادر إلى أن السبب الرئيسي وراء بناء هذا السجين الغريب هو "التخلص من أعداء السلطان والأجانب الذين يدخلون البلاد معتدين".
وعلى عمق غير محدد حتى يومنا هذا امتد سجن قارا تحت الأرض، ولمسافة عدة كير مترات في تصميم شبه مستطيل، يحتوي السجن (أو الدهليز كما سمي من بين ألقاب عديدة) على ثلاث قاعات واسعة، تدعم كل منها الأقواس الهندسية ودعامات العمدان الضخمة.
الأساطير حول سجن قارا
أكثر ما يميز هذا السجن الأساطير الي انتشرت حوله على مر السنوات، وكان من أبرزها أن مساحته الحقيقية غير معروفة، وبه أقسام سرية تمتد على مساحة مكناس بأكملها.
كما أشيع عنه في ثقافة المغرب الشعبية أنه بلا أبواب على الإطلاق، وأن المساجين كانوا يلقون إليه من فتحات أرضية سرية، بجانب سيرته الغريبة بأنه مسكون بأرواح الموتى الذين لقوا حتفهم فيه.
ومن بين الأمور التي أشيعت حول سجن قارا أن المساجين فيه لم يتمكن أحدهم على الإطلاق من الهروب منه؛ نظراً لكونه "متاهة" تشبه المتاهات الأسطورية في الملاحم الإغريقية، وأن ممراته متشابكة ومعقدة إلى درجة تجعل السجين يموت قبل أن يصل إلى نقطة خروج.
أصل تسمية سجن قارا بهذا الاسم
تُرجع أغلب المصادر أصل تسمية سجن قارا بهذا الاسم إلى روايتين؛ إحداهما تقول إن الاسم يرجع إلى لقب معماري برتغالي هو الذي قام بتصميم السجن بناءً على طلب قدمه بنفسه إلى السلطان المغربي، بعد أن رأى التخبط والفوضى في طوابير مرور الأسرى المقيدين بالسلاسل إلى محابسهم.
ونسخة أخرى من هذه الرواية تصف المعماري البرتغالي بأنه كان سجيناً لدى حكومة السلطان المولى إسماعيل، وأنه اقترح تصميم السجن السري الحصين تحت الأرض مقابل حريته.
أما الرواية المتداولة بشكل أكبر؛ فإنه أثناء فرض الحماية الفرنسية، أوائل القرن التاسع عشر، كان هناك حارس أسطوري لم يعرف اسمه، قائم على حراسة السجن، وكان أقرع الرأس، وبينما لم يستطع الأجانب السجناء في قارا نطق كلمة أقرع مثل الناطقين بالعربية؛ فقد تطور الاسم من "الأقرع" إلى "قارا".
برغم أن مساحة السجن الأسطوري الشهير في المغرب ليست معروفة تحديداً؛ نظراً لأن أغلب أقسامه غير مفتوحة للعامة الآن؛ إلا أن العديد من الروايات قدرت سعته ما بين 40 إلى 60 ألف أسير، كان الرعيل الأول منهم هم أسرى الحروب بين البرتغال وإسبانيا باتفاق خاص بين البرتغاليين والسلطان المغربي.
لعنة سجن قارا
من بين ما انتشر حول سجن قارا المغربي أن هناك لعنة تحوطه، بداية من أنه كان مهجوراً في فترات طويلة، بعد أن كان مخزناً للمؤن في فترة الحماية، وهو ما جعل جن الصحراء يسكنه، بجوار أرواح وأشباح الموتى الذين كان معتقلين بباطنه، وتوفوا في محاولات الهروب.
وفي شهادات لبعض سكان مكناس عن السجن أنه مكان مسكوناً بالأشباح التي تتحلى بأصواتها أو بأطيافها ليلاً، وأن لعناتٍ تحيط به وتجعل من المستحيل الصمود فيه، حتى بالنسبة للمغامرين الذين يدعون أن كل الأمور عن سجن قارا محض خرافات.
سجن قارا اليوم
بسبب كل ما ورد حول سجن قارا من أساطير، شرعت الحكومة المغربية في إعادة فتح السجن مرة أخرى كمزار سياحي، وهو الأمر الذي أثار ريبة وخوف سكان مكناس والمغرب بشكل عام.
وكانت أبرز وآخر الأساطير عن سجن قارا في الثمانينيات قبيل قرار إعادة الفتح؛ حول بعثة استكشاف أثري فرنسية قامت بالإعداد لرحلة طويلة داخل سراديب السجن، وابتاعوا المؤن والأدوات اللازمة لهم من أنحاء مكناس، ونزلوا إلى الممرات لاكتشافها، وظل الأدلاء المغاربة بانتظار خروجهم لعدة أيام، ولكنهم لم يعودوا، ولا يزال مصيرهم مجهولاً إلى يومنا هذا.
ورغم أن الكثيرين في مكناس لا يميلون لتصديق الرواية، إلا أنها كانت قد انتشرت بقوة وأصبحت إحدى أساطير سجن قارا. وبسبب انتشار أخبار هذه الواقعة قامت الحكومة المغربية بالاستمرار في خططها لفتح السجن بسدّ سراديبه وممراته بحائط أسمنتي، وتركت قاعة الدخول الرئيسية فقط متاحة للزيارة كأحد المقاصد السياحية، وهو ما زال قائماً بالفعل حتى اليوم؛ إذ ينجذب العديد من السياح في المغرب إلى مدينة مكناس خصيصاً لزيارة سجن قارا الأسطوري.