“غصن الزيتون” و “عملية بارباروسا”.. لماذا تطلق الجيوش تسميات على العمليات العسكرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/03 الساعة 13:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/04 الساعة 11:07 بتوقيت غرينتش
istock العمليات العسكرية

"فجر عروس البحر"، و"نيبتون"، و"غصن الزيتون"، و"بربروسا".. أسماء بعضها يوحي بالجدية وبعضها الآخر يبدو هزلياً، لكن ما يجمع بينها أنها أُطلِقت على عمليات عسكرية مهمة، لكن السؤال المثير للفضول هنا: من أين تأتي تلك التسميات؟ ولِمَ نطلق أسماء معينة على العمليات العسكرية أصلاً؟

تسميات العمليات العسكرية.. أمر حديث نسبياً

يعتبر إطلاق الأسماء على العمليات العسكرية ممارسة حديثة نسبية، وكان الألمان سباقين ورائدين فيها خلال الحرب العالمية الأولى.

وما بين الحربين العالميتين، أصبحت تسمية العمليات العسكرية أمراً شائعاً للغاية لدى معظم الأطراف المتصارعة في العالم، خاصة أن الراديو آنذاك أصبح وسيلة تواصل سائدة، وكان من المثير للاهتمام إطلاق الأسماء الرنانة على العمليات العسكرية عند الإعلان عنها للملأ.

وبالعودة إلى الألمان، فقد اهتموا بشكل خاص بالأسماء الرنانة ذات الدلالات الرمزية المميزة.

فعلى سبيل المثال، عندما قرر الألمان غزو الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية، في عملية تعتبر من أضخم العمليات العسكرية في التاريخ، أطلق أحد القادة المخططين اسم "فريتز" على العملية؛ لأن فريتز ببساطة هو اسم ابنه، لكن ذلك لم يرُق لهتلر بكل تأكيد، فأراد اسماً أكثر فخامة، وهكذا وقع الاختيار على اسم "بربروسا" تيمناً بالإمبراطور الروماني فريدريك الأول بربروسا الذي بسط السلطة الألمانية على السلاف في الشرق، والذي -كما تقول الأسطورة- سوف يقوم مرة أخرى بتأسيس إمبراطورية ألمانية جديدة.

وبناء عليه، عرفت العملية التي استهدفت غزو الاتحاد السوفييتي باسم "عملية بربروسا"، وفقاً لما ورد في موقع Mental Floss.

 العمليات العسكرية
العمليات العسكرية

قواعد تشرشل في تسمية العمليات العسكرية

وعلى الرغم من أن الألمان كانوا رواداً في تسمية العمليات العسكرية، كما سبق وذكرنا، فإن هذا الابتكار انتشر سريعاً في جميع أنحاء العالم، حتى إن البعض خصصوا له قوانين وبروتوكولات معينة.

نأخذ على سبيل المثال رئيس وزراء المملكة المتحدة ونستون تشرشل، الذي كان دقيقاً للغاية في اختيار أسماء العمليات العسكرية التي تقوم بها المملكة، وأصر على أخذ موافقته الشخصية على اسم كل عملية عسكرية قبل البدء بتنفيذها.

حتى إنه أدرج مجموعة من القواعد والإرشادات في تسمية العمليات العسكرية، والتي نشرها في مذكرة صدرت عام 1943، وأبرز ما جاء فيها:

1. العمليات العسكرية التي من المرجح أن يفقد فيها العديد من الجنود أرواحهم، لا يجب أن تسمى بأسماء توحي بالتباهي أو الثقة المفرطة ولا يجب أن تحمل اسماً تافهاً لا يحمل معنى عميقاً.

2. يجب تجنب إطلاق أسماء الأحياء من الوزراء والقادة وغيرهم على العمليات العسكرية.

3. الخيارات لا محدودة، وبقليل من الذكاء ستتمكن من اختيار اسم جيد بسهولة لا يوحي بطابع العملية ويكشف أسرارها من جهة ولا يستخف بالعملية من جهة أخرى، فلا يمكن لأرملة أن تقول إن زوجها قُتل في عملية تحمل اسماً تافهاً.

4. أسماء العلم جيدة في هذه الحالات، يمكن استخدام أبطال العصور القديمة وشخصيات من الأساطير اليونانية والرومانية والأبراج والنجوم وخيول السباق الشهيرة، وأسماء أبطال الحرب البريطانيين والأمريكيين. (وفي الواقع كان تشرشل هو من أطلق على غزو النورماندي اسم "عملية نيبتون" تيمناً بإله البحر في الأساطير الرومانية).

كذلك حرص تشرشل على الاحتفاظ بالسرية التامة فيما يتعلق بالعمليات العسكرية وأسمائها.

istock\ العمليات العسكرية
istock\ العمليات العسكرية

اسم لكل شيء

لم تنتهِ الحرب العالمية الثانية إلا وقد أصبحت تسمية العمليات العسكرية عرفاً شائعاً لدى جميع الأطراف، ولم يقتصر الأمر على العمليات العسكرية فحسب، بل أطلقت التسميات على كل شيء من حركات التمرد إلى المهام السرية.

وفي معظم الحالات، يتم اختيار الأسماء من قِبَل الضباط المسؤولين عن التخطيط، ولكن قد يتدخل مسؤولون ذوو مستوى أعلى في الحملات المهمة.

بعد الحرب العالمية الثانية، انتشر استخدام الأسماء الرمزية في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أيضاً وازدهرت هذه الممارسة أكثر خلال حربي كوريا وفيتنام.

ومع نهاية حرب فيتنام، أدرك مسؤولو وزارة الدفاع الحاجة إلى وضع تعليمات لاختيار أسماء رمزية مناسبة، ففي إرشاداتها التي نشرت عام 1972، حذرت وزارة الدفاع الضباط من اختيار الأسماء التي "تعبِّر عن درجة من العدوانية لا تتفق مع المثل الأمريكية التقليدية أو السياسة الخارجية الأمريكية"، أو "تنقل دلالات مسيئة أو مهينة لمجموعة أو طائفة أو عقيدة معينة"، أو "تنقل دلالات مسيئة للحلفاء أو دول العالم الأخرى"، أو تستخدم "كلمات غريبة أو عبارات مبتذلة أو علامات تجارية معروفة".

كما طلب البنتاغون أن تحتوي أسماء جميع العمليات والمهام على كلمتين، وذلك لتسهيل اختصار اسم العملية باستخدام الحرف الأول من كل كلمة.

istock\ العمليات العسكرية
istock\ العمليات العسكرية

أسماء عشوائية من أفغانستان إلى العراق

بالرغم من ظهور إرشادات لتسمية العمليات من قِبَل بعض الجهات حول العالم، فإن الأسماء العشوائية كانت حاضرة مع ذلك.

ففي عام 2001، عندما شنَّ الرئيس الأمريكي بوش حرباً على ما سُمي "الإرهاب"، أطلق على غزو أفغانستان في البداية اسم "عملية العدالة اللانهائية".

من وجهة نظر النقاد، فإن هذه التسمية غير موفقة (ولا تتناسب مع قواعد تشرشل)، وقد رأى الكثيرون أنها قد تسيء إلى كثير من المسلمين الذين ادعت أمريكا الرغبة في دعمهم، وذلك بسبب دلالاتها التي تشير إلى أن أمريكا ستحقق العدالة الإلهية؛ لذا تم تغيير الاسم بسرعة إلى "عملية الحرية الدائمة".

أما عملية غزو العراق في 2003 فقد أطلق عليها اسم Operation Iraqi Liberation ، أو "عملية تحرير العراق"، والتي أصبح يشار إليها اختصاراً بـ OIL الأمر الذي أشعل سخرية وانتقادات للإدارة الأمريكية، فكلمة OIL تعني "نفط" وتشير إلى أحد الأسباب الحقيقية التي دفعت الولايات المتحدة لغزو العراق.

وحتى على صعيد العالم العربي، لم تخلُ الساحة من أسماء وجدها البعض غريبة بعض الشيء، مثل اسم "فجر عروس البحر"، وهو الاسم الذي أطلقه الليبيون على العملية الهادفة لتحرير طرابلس أثناء الثورة الليبية ضد القذافي عام 2011.

تحميل المزيد