كتبه صحفي نفاه الرُّوس لمدة 7 سنوات.. قصّة النشيد الوطني الأوكراني “لم تمت بعدُ أوكرانيا”

عربي بوست
تم النشر: 2022/02/24 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/04 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش

لم تمت بعد أوكرانيا، ولا المجد ولا الحرية، سيبتسم لنا القدر، نحن الإخوة الأوكران، يفنى أعداؤنا، كالندى .في الشمس، ونحافظ نحن.. على أرضنا

ربّما لم يعلم صاحب المواهب المتعددة الصحفي والمحامي وعالم الإثنوغرافي الأوكراني بافلو تشوبينسكي (1839- 1884) أنّ هذه القصيدة التي كتبها عام 1862 ستتحوّل فيما بعد إلى أشهر قصيدة في تاريخ أوكرانيا الحديث، بل ورمز سيادتها الوطنية.

عُرف تشوبينسكي بانتقاده للهيمنة الروسية وفخره الشديد بانتمائه الوطني إلى أوكرانيا، خاصة أنّه ينحدر من سلالة القوزاق، وهي مجموعة عرقية تواجدت في شرق أوروبا وروسيا وكازاخستان. تحدّث تشوبينسكي لغته الأمّ الأوكرانية، رغم منع السلطات الروسية لها في ذلك الوقت. 

خاض تشوبينسكي عدّة تجارب نضالية طيلة مسيرته، أبرزها الانتماء إلى رابطة المثقفين الأوكرانيين الداعين إلى "محبّة البساطة القروية الفلاحية الأوكرانية" عام 1862، اعتزت هذه المجموعة بثقافة أوكرانيا الوطنية في ظلّ الاستعمار الروسي، وهو ما دفع تشوبينسكي إلى كتابته قصيدته الأشهر في تاريخ أوكرانيا بعد أشهر قليلة من الانتماء لها.

أمريكا تُحذر من خطة روسية
صورة للجيش الأوكراني

في شتاء 1862 تمّت ملاحقة رابطة المثقفين الأوكرانيين وتمّ حلها، ومعاقبة أعضائها. نفي تشوبينسكي إلى مقاطعة أرخانغلسك الروسية، وعاش سبع سنوات في المنفى تحت مراقبة الشرطة بسبب تهمة "التأثير الضالّ على الناس".

تمّ غناء القصيدة لأوّل مرة عام 1864 في عرض موسيقي وغنّى الكورال الحاضر أوبرا "أوكرانيا لم تمت بعد" فنالت إعجاب الجمهور الحاضر، وانتشرت فيما بعد في عدّة مراحل من تاريخ أوكرانيا.   

في عام 1869 حصل تشوبينسكي على إذن بالعودة إلى أوكرانيا، وبعدها بعامين فقط كان إنجازه  الأنثربولوجي عام 1871، خريطة حددت لهجات جنوب روسيا والتي حددت أماكن هيمنة اللغة الأوكرانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. 

كيف أصبحت قصيدة تشوبينسكي نشيد أوكرانيا الرسمي

في نهاية القرن التاسع عشر تشكَّل وعي الأوكرانيين بضرورة الاستقلال عن روسيا، وأصبح الحديث عن الأمّة الأوكرانية أمراً واقعاً.

وفي القرن العشرين خاض الشعب الأوكراني حروبه الأولى من أجل الاستقلال عن روسيا، وخلال الثورة الأوكرانية 1917-1921 تمّ اعتماد قصيدة تشوبينسكي النشيد الرسمي لأوكرانيا المستقلة وتشكيل أوّل حكومة وطنية والتي حاولت إحياء تقاليد القوزاق القديمة.

لم يستمر النشيد طويلاً ولا الاستقلال، فقد سيطر الجيش الأحمر السوفييتي على عدّة أراض أوكرانية وبمساعدة الأوكران البلشفيين (الموالين للاتحاد السوفييتي).

دحرت الحكومة الأوكرانيّة في مدينة كييف، وأسس الأوكران الموالون للسوفييت جمهورية أوكرانيا السوفييتية عام 1922. وطيلة عقود تحت الحكم السوفييتي عاشت أوكرانيا قمعاً متزايداً ضدّ الشعب والمثقفين. وفي عام 1991 وقبل أشهر قليلة من سقوطه أعلنت أوكرانيا استقلالها عن الاتحاد السوفييتي.

في عام 1991 أعلن الاستقلال الثاني للبلاد، واعتمدت قصيدة تشوبينسكي نشيد أوكرانيا الرسمي. يمثِّل النشيد الوطني الأوكراني مزيجاً بين اليأس والأمل، فقد حمل في أبياته معاناة الشعب الأوكراني وتوقه إلى الحرية منذ قرون.

ورغم اعتماده رسمياً عام 1992، تمت إعادة صياغته عام 2003 بعد اتفاق الأحزاب السياسية الأوكرانية على تغيير السطر الأوّل الذي يقول "أوكرانيا لم تمت" ليصبح النشيد:

لم تمت بعد أوكرانيا

ولا المجد ولا الحرية

وفي عام 2013 اعتبر مركز التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، النشيد الأوكراني أحسن نشيد في العالم بعد فوزه بالمركز الأوّل، وفقاً لما ذكره موقع أوكرانيا برس بعد أن حاز  صدارة قائمة ضمت 193 دولة، وحصل على العلامات الأعلى في أربع تصنيفات: اتساق النغم، ومستوى الانسجام بين الموسيقى وأبيات الشعر، وأصالة الموسيقى، وكمال النصّ.  

تحميل المزيد