داود بن عائشة.. صاحب المباغتة التي هزت جيش قشتالة وأول من وصل من جيش المرابطين إلى الأندلس

كتبت هذه المعركة تاريخاً جديداً للمسلمين في الأندلس، وكان أبرز أبطالها داوود بن عائشة

عربي بوست
تم النشر: 2021/02/13 الساعة 11:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/06 الساعة 13:28 بتوقيت غرينتش
معركة الزلاقة / Wikiwand

كان سقوط مملكة طليطلة الأندلسية في يد ألفونسو السادس ملك مملكتي قشتالة وليون إنذاراً لبقيّة ملوك الطوائف في الأندلس، وعلى رأسهم المعتمد بن عباد، ملك إشبيلية، من أنّهم سيواجهون المصير نفسه.

قُسِّمت الأندلس في ذلك الوقت إلى 22 مملكة صغيرة، فيما سمِّي تاريخياً: عهد ملوك الطوائف، وهم ملوكٌ دبَّ بينهم الصراع والتنافس، جعل القشتاليين يخضعونهم ويفرضون عليهم الجزية تمهيداً للاستيلاء على ممالكهم.

ومع سقوط طليطلة في يد ألفونسو، أرسل بعض ملوك الأندلس رسالة استغاثة لدولة المرابطين في المغرب وأميرها ذي الثمانين عاماً يوسف بن تاشفين، لنجدتهم وإنقاذهم.

كانت رسائل الاستغاثة تلك تمهيداً لعصر جديد للمسلمين في الأندلس، بدأ بمعركة كبرى تعرف باسم معركة الزلاقة، التي كان تكتيكها يعتمد على المفاجآت، والتي جسدها القائد داود بن عائشة، أبرز قادة  يوسف بن تاشفين وجيشه.

معركة الزلاقة
تمثال ألفونسو السادس في إسبانيا /Wikimedia.Commons

داود بن عائشة.. أوّل قادة المرابطين في الأندلس 

كوّن يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد الجيش الموحّد، الذي سيواجهان به جيش ألفونسو الكبير. اعتمدت الخطّة على اتخاذ الجزيرة الخضراء، وهي جزيرة في جنوب الأندلس، خطاً للرجعة ومركزاً لتجمُّع جيوش ابن تاشفين في الأندلس قبل خوض معركة الزلاقة. 

كان أول من عبر من قوّات المرابطين إلى الأندلس قوةٌ بقيادة القائد المرابطيّ داوود بن عائشة، متوجهين كما الخطة الموضوعة من قبل يوسف بن تاشفين إلى الجزيرة الخضراء.

تمركزت قوات داود بن عائشة في الجزيرة الخضراء لتأمينها وتحصينها لتكون مركزاً وقاعدةً للجيوش القادمة من المغرب عبر البحر. ومع عبور جميع جيوش المرابطين للجزيرة، أصبح الجيش المرابطيّ جاهزاً للخطوة التالية: المعركة.

خديعة مكشوفة وحنكة مبتكرة

اعتمدت خطة ألفونسو في البداية على خديعة جيش المسلمين، فكتب إلى المعتمد بن عباد وابن تاشفين في يوم الخميس، 22 أكتوبر/تشرين الأول عام 1086م يقول: "إن غداً يوم الجمعة، وهو عيدكم، وبعده السبت يوم اليهود، وهم كثير في محلتنا، وبعده الأحد وهو عيدنا، فيكون اللقاء يوم الإثنين".

أدرك ابن تاشفين وابن عباد أن ألفونسو يريد خديعتهما، إذ إنّ الطلائع جاءت بأخبار في الليل تنبئ بتحركات الاستعداد في معسكر جيش ألفونسو، ووجود ضوضاء وجلبة وأصوات قعقعة السلاح، فما كان من ابن تاشفين إلا أن استعدّ للخديعة.

وما كاد صباح يوم الجمعة، 23 أكتوبر/تشرين الأول عام 1086م يتنفس حتى حدث ما توقعه ابن تاشفين بالضبط واستعدّ له. 

اعتمدت خطة ابن تاشفين على الاحتفاظ بقوة احتياطية تحتوي أشجع الجنود وأبرعهم لتنقضّ في الوقت المناسب على الأعداء، بعد أن يكون الإعياء قد بلغ من العدو مبلغه، وهذه القوة الاحتياطية ستَضمَن للمسلمين التغلب على العدو بعنصر "المفاجأة". 

المعركة.. مقدمة المرابطين بقيادة داود بن عائشة

يصف الدكتور شوقي أبوخليل في كتابه الزلاقة الأجواء الملحمية للمعركة الكبرى، حيث تهيّأ الطرفان للمعركة بعد أن تنبه المرابطون لغدر ألفونسو، وسيَّر ألفونسو القسم الأول من جنده لينقضّ سريعاً على معسكر الأندلسيين الذي يقوده المعتمد بن عباد.

كان أمل ألفونسو أن يبعث هذا الهجوم المفاجئ الاضطراب والفزع في صفوف المسلمين، ولكن قبل أن تصل طليعة جيش ألفونسو لمعسكر الأندلسيين وجدوا جيشاً من المرابطين قوامه 10 آلاف فارس بقيادة داود بن عائشة، أشجع وأقدر وأبرز قادة ابن تاشفين.

اعتمد داود بن عائشة على قوة كبيرة من رماة السهام والنبال في هذا الصدام، وهو ما شتّت قوة الجيش القشتالي.

المرابطين
لوحة ألفونسو السادس وهو يتسلّم مفاتيح مدينة طليطلة/ Wikiwand

كان الهجوم القشتاليّ قوياً وعنيفاً، فلم يستطع جيش ابن عائشة أن يصمد كثيراً أمام هذا السيل الزاحف، لكنّه لم يتراجع أيضاً بعد أن حطم صموده جزءاً من عنفوان الهجمة القشتالية الشرسة على المعسكر الأندلسي، بل لقد أرغم الجيش على التراجع والارتداد إلى خط دفاعهم الثاني دون أن ينسحبوا. بعد أن خسروا أعداداً كبيرة من خط دفاعهم الأول.

هال ابن عباد وجيشه الأندلسيّ -وهو الجيش الأضعف في جيش المسلمين- هجوم فرسان ألفونسو الشرس، وفرَّ بعض الملوك والأمراء الأندلسيين. غير أن فرسان إشبيلية وعلى رأسهم المعتمد بن عباد صمدوا أمام هجوم جيش ألفونسو، ولولا جيش داود بن عائشة وفرسانه المرابطون لربما كانت خسائر الجيش الأندلسي أكبر من أن تحصى، فقد هرب من جنودهم الكثير.

كانت المعركة صعبة رغم كفاءة الجيش المرابطي، فجيوش ألفونسو جيدة التدريب وحديثة المعدّات، تدرّبت على الحرب والحصار سابقاً، فآخر معاركها كان إسقاط مملكة طليطلة. لكنّ جُعبة يوسف بن تاشفين كانت مليئة بالخطط والمفاجآت.

موجة المباغتة الثانية وحسم المعركة

أيقن ألفونسو بالنصر عندما رأى مقاومة جيش ابن عباد وداود بن عائشة بدأت بالانهيار أمام هجمات جيشه المتلاحقة.

رأى ألفونسو حركة الفرار تتسع بين مسلمي الأندلس شيئاً فشيئاً، ولكن بقيّة جيش المرابطين بقيادة يوسف بن تاشفين كانت ترابض وراء أكمة عالية، تحجبها عن أنظار ألفونسو، ولم يكن قد اشترك في المعركة بعد، حيث لم يشترك فيها مع الجيش الأندلسي سوى طليعة فرسان المرابطين بقيادة داود بن عائشة، لكنّ ألفونسو ظن خطأً أنه قد خاض المعركة مع قوى الأعداء جميعها كاملة، وأنّه على مشارف الانتصار.

وفي اللحظة الحاسمة، أعطى يوسف بن تاشفين إشارته لبقية الجيش المرابطي، فنزل إلى الميدان، وأرسل ابن تاشفين عدة فرق لنجدة جيش داود وابن عباد، وبادر في الوقت نفسه بالزحف في حرسه الخاص الضخم من المرابطين (4 آلاف فارس) للهجوم على معسكر القشتاليين بالالتفاف حول أرض المعركة.

استطاع ابن تاشفين بهذه الخطة أن يباغت معسكر ألفونسو.  وبينما ألفونسو منشغلٌ بالمعركة الأولى، إذ به يجد فجأة جموعاً فارة، ولكن من جيشه هو هذه المرة، فقد كان ابن تاشفين قد انقض على معسكر الجيش وحرق الخيام بحرسه الخاص.

يقال إنّه لم ينجُ من جيش ألفونسو إلا 500 فارس فقط، ويبدو أنّ هذه مبالغة، ولكن بعض المصادر التاريخية تذكر أنّ عدد القتلى في جيش ألفونسو قد تجاوز 20 ألف قتيل، بينما وصلت خسائر المسلمين 3 آلاف.

استطاع أحد مقاتلي المرابطين أن يصل إلى ألفونسو في أرض المعركة، وطعنة طعنةً قوية في فخذه، لكنّه نجا واستطاع الهرب.

كان غروب الشمس قد اقترب أثناء هروب ألفونسو وما تبقّى من جيشه إلى تلٍّ قريب، ولما حل الليل انسحب هو ومن تبقى معه. كانت خسائر المسلمين أيضاً كبيرة، وهكذا أمر ابن تاشفين بوقف المطاردة. وكتب انتصار ابن تاشفين للمسلمين وجوداً آخر في الأندلس، فقد استمرّ وجودهم بعد هذه المعركة أربعة قرون أخرى، بعد أن كان القشتاليون قد بدأوا في الاستيلاء على ممالكهم.

تحميل المزيد