تقنية التعرف على الوجوه تزداد قوةً حول العالم.. والفضل يعود لوجهك!

من أهداف علمية إلى أخرى أمنية وعسكرية، تحولت تقنية التعرف على الوجوه إلى ساحة معركة بين جامعات عريقة وشركات خاصة، وحتى مؤسسات عسكرية تنتهك خصوصية الناس

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/07/25 الساعة 09:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/07/25 الساعة 10:30 بتوقيت غرينتش
تقنية التعرف على الوجوه تضع أمريكي في ورطة/ıstock

من أهداف علمية إلى أخرى أمنية وعسكرية، تحولت تقنية التعرف على الوجوه إلى ساحة معركة بين جامعات عريقة وشركات خاصة، وحتى مؤسسات عسكرية تنتهك خصوصية الناس في أماكن عملهم والمقاهي وحتى صفحاتهم الاجتماعية.

إذ تجمع شركات وباحثون وجامعات العشرات من قواعد البيانات التي تحتوي على وجوه الناس دون علمهم، في ظل مشاركة ونشر العديد من الصور في جميع أنحاء العالم، فيما أصبح نظاماً بيئياً واسعاً يغذي انتشار تقنية التعرف على الوجوه.

صحيفة The New York Times نشرت تقريراً مطولاً كشف تورُّط جامعات عريقة مثل ستانفورد بانتهاك خصوصية آلاف الناس دون علمهم، ثم مشاركة هذه المعلومات لتصل إلى أجهزة دول أخرى.

تجمع قواعد البيانات الضخمة هذه باستخدام صور من الشبكات الاجتماعية، ومواقع الصور، والمواقع التي تقدم خدمات المواعدة مثل موقع OkCupid، والكاميرات الموضوعة في المطاعم، وفي الجامعات. 

على الرغم من عدم وجود عدد دقيق لمجموعات البيانات، حدد نشطاء الخصوصية مستودعات جرى إنشاؤها بواسطة شركة مايكروسوفت، وجامعة ستانفورد الأمريكية، وغيرها، إحداها تحتوي على أكثر من 10 ملايين صورة بينما تحتوي الآخرى على أكثر من مليوني صورة.

وتدفع عملية تجميع وجوه الناس الرغبة في إنشاء أنظمة التعرف على الوجه الرائدة. 

تتعلم هذه التقنية كيفية تحديد الأشخاص من خلال تحليل أكبر عدد ممكن من الصور الرقمية باستخدام "الشبكات العصبية"، وهي عبارة عن أنظمة رياضية معقدة تتطلب كميات هائلة من البيانات لبناء التعرف على الأنماط.

تقنية التعرف على الوجه لتدريب الذكاء الاصطناعي

على الأرجح، فقد تمكن عمالقة التكنولوجيا مثل فيسبوك وجوجل من جمع أكبر مجموعات بيانات للوجوه، والتي لا يوزعونها، وفقاً للأوراق البحثية. 

إلا أن شركات وجامعات أخرى تشاركت الصور التي لديها على نطاق واسع مع الباحثين، والحكومات، والمؤسسات الخاصة في أستراليا، والصين، والهند، وسنغافورة، وسويسرا لتدريب الذكاء الاصطناعي، وذلك بحسب الأكاديميين، والناشطين، والأوراق العامة.

جمعت الشركات والمعامل صوراً لوجوه الناس لأكثر من عقد، وقواعد البيانات هي مجرد طبقة واحدة من بناء تقنية التعرف على الوجه. 

لكن الناس في كثير من الأحيان ليس لديهم فكرة عن أن وجوههم من ضمنها. 

وبينما لا يجري ربط الأسماء بالصور عادةً، إلا أنه يمكن التعرف على الأفراد لأن كل وجه فريد.

تزداد الأسئلة حول مجموعات البيانات؛ لأن التقنيات التي مكنتها تُستخدم الآن بطرق من الممكن أن تنتهك الخصوصية. 

مؤسسات أمنية وحكومية تجمع الصور

وكشفت الوثائق التي صدرت يوم الأحد الماضي، 14 يوليو/تموز، أن مسؤولي الهجرة والجمارك استخدموا تقنية التعرف على الوجه لمسح صور سائقي السيارات للتعرف على المهاجرين غير الشرعيين. 

كما قضى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) أكثر من عقد من الزمان في استخدام مثل هذه الأنظمة لمقارنة رخصة القيادة وصور التأشيرة مع وجوه المجرمين المشتبه بهم، وفقاً لتقرير صادر عن مكتب المساءلة الحكومية الشهر الماضي. 

لا توجد رقابة على مجموعات البيانات. 

وقال نشطاء وغيرهم إنهم غاضبون من احتمال استخدام أوجه تشابه الناس لبناء تكنولوجيا مشكوك فيها أخلاقياً وإمكانية إساءة استخدام الصور. 

وجرت مشاركة قاعدة بيانات واحدة على الأقل أُنشئت في الولايات المتحدة مع شركة في الصين رُبطت بالتنميط العرقي لأقلية المسلمين الإيغور في البلاد.

جامعات أمريكية متورطة في انتهاك الخصوصية

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، أزالت بعض الشركات والجامعات، بما في ذلك مايكروسوفت، وجامعة ستانفورد، مجموعات البيانات التي تحتوي على صور الوجوه الخاصة بها من الإنترنت بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية. 

لكن بالنظر إلى أن الصور قد وُزِّعت بالفعل جيداً، فمن المرجح أنها لا تزال تستخدم في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وفقاً لما قاله الباحثون والنشطاء.

وقالت ليز أوسوليفان، التي أشرفت على إحدى قواعد البيانات هذه في شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي تُسمى Clarifai: "توصلت إلى أن هذه الممارسات تطفلية، ويأتي وقت تدرك فيه أن هذه الشركات لا تحترم الخصوصية" . 

وقالت إنها غادرت الشركة التي كان مقرها في ولاية نيويورك الأمريكية في يناير/كانون الثاني احتجاجاً على مثل هذه الممارسات.

وأضافت ليز: "كلما أصبح التعرف على الوجه أكثر انتشاراً، زاد تعرضنا جميعاً لنكون جزءاً من العملية" .

لكن شركات جوجل، وفيسبوك، ومايكروسوفت رفضت التعليق على الأمر.

قاعدة بيانات Brainwash تصل إلى الصين

وأنشأ باحثون في جامعة ستانفورد قاعدة بيانات في عام 2014، كان يطلق عليها "Brainwash"، على اسم مقهى في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية يحمل نفس الاسم، وتمكن الباحثون من استغلال كاميرا. 

على مدى ثلاثة أيام، التقطت الكاميرا أكثر من 10000 صورة، والتي أدرجت في قاعدة البيانات، وفقاً لما كتبه الباحثون في ورقة بحثية في عام 2015. 

لم تحدد الورقة البحثية ما إذا كان أصحاب المقهى على علم بأن صورهم تُؤخذ وتستخدم للبحث أم لا (لقد أغلق المقهى).

ثم شارك الباحثون في جامعة ستانفورد قاعدة بيانات Brainwash. 

ووفقاً للأوراق البحثية، اُستخدمت قاعدة البيانات هذه في الصين من قِبل أكاديميين مرتبطين بالجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع وشركة Megvii، وهي شركة ذكاء اصطناعي والتي قدمت تقنية مراقبة لرصد الإيغور.

ناشطونأجبرواالشركةعلىإزالةالمعلومات

أُزيلت بيانات Brainwash من موقعها الأصلي الشهر الماضي بعد أن لفت الانتباه إليها آدم هارفي، وهو ناشط في ألمانيا يتتبع استخدام هذه المستودعات من خلال موقع إلكتروني يُسمى MegaPixels

ووفقاً لوثائق هارفي، حذفت كذلك الروابط بين Brainwash والأوراق البحثية التي تصف العمل لبناء أنظمة ذكاء اصطناعي في الجامعة الوطنية لتكنولوجيا الدفاع في الصين.

لم يستجِب باحثو ستانفورد الذين أشرفوا على Brainwash للطلب بإدلاء تعليق. 

وقال مسؤول جامعي: "كجزء من عملية البحث، تجعل جامعة ستانفورد وثائق البحث والمواد الداعمة متاحة للجمهور بشكل روتيني. بمجرد نشر المواد البحثية، لا تتبع الجامعة استخدامها ولا مسؤولو الجامعة" .

حفظ الوجوه دون استئذان

بدأ باحثو جامعة ديوك الأمريكية كذلك قاعدة بيانات في عام 2014 باستخدام ثماني كاميرات في الحرم الجامعي لجمع الصور، وفقاً لورقة بحثية نُشرت في عام 2016 كجزء من المؤتمر الأوروبي حول رؤية الكمبيوتر. 

وقال كارلو توماسي، أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة ديوك الذي ساعد في إنشاء قاعدة البيانات، إن الكاميرات كانت تحمل لافتات. 

وتوفر هذه اللافتات رقماً أو بريداً إلكترونياً للأشخاص الذين لا يريدون أن يتم تضمينهم.

في النهاية، جمع الباحثون في جامعة ديوك أكثر من مليوني إطار فيديو به صور لأكثر من 2700 شخص، وفقاً للورقة البحثية. 

كما نشروا مجموعة البيانات، التي أطلقوا عليها "Duke MTMC"، على الإنترنت. 

لاحقاً، استشهد بها في عدد لا يُحصى من الوثائق التي تصف العمل لتدريب الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، والصين، واليابان، وبريطانيا وغيرها.

مايكروسوفت تجمع وجوه المشاهير.. وغيرهم

في مايكروسوفت، ادعى الباحثون على موقع الشركة الإلكتروني أنهم أنشأوا واحدة من أكبر مجموعات بيانات الوجه. 

تضم المجموعة، التي يطلق عليها اسم "MS Celeb"، أكثر من 10 ملايين صورة لأكثر من 100000 شخص.

كانت MS Celeb ظاهرياً قاعدة بيانات للمشاهير الذين تعتبر صورهم مبررة لأنهم شخصيات عامة. 

ولكن MS Celeb أدرجت أيضاً صوراً لنشطاء الخصوصية والأمن، وأكاديميين، وغيرهم، مثل شوشانا زوبوف، مؤلفة كتاب "The Age of Surveillance Capitalism"، وفقاً لوثائق من موقع MegaPixels الخاص بهارفي. 

نشرت قاعدة بيانات MS Celeb دولياً، قبل حذفها هذا الربيع بعد أن لفت هارفي وآخرون الانتباه إليها.

كانت كيم زيتر، وهي صحفية الأمن السيبراني في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية والتي كتبت في مواقع مثل The Intercept، وWired، ضمن الأشخاص الذين أصبحوا جزءاً من قاعدة بيانات مايكروسوفت دون علمهم.

وقالت كيم: "كلنا مجرد علف لتطوير أنظمة المراقبة هذه. مجرد فكرة أن هذه البيانات تشارك مع الحكومات الأجنبية والعسكرية هي فكرة شائنة" .

وشركة تستعين بصور مواقع المواعدة!

بدوره قال مات زايلر، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Clarifai، شركة ناشئة للذكاء الاصطناعي، إن شركته قد أنشأت قاعدة بيانات للوجوه باستخدام صور من موقع OkCupid، وهو موقع مواعدة. 

وقال إن شركة Clarifai كانت لديها حق الوصول إلى صور OkCupid لأن بعض مؤسسي موقع المواعدة استثمروا في شركته.

وأضاف أنه وقَّع صفقة مع شركة تواصل اجتماعي كبيرة – والتي رفض الإفصاح عنها – لاستخدام صورها في تدريب نماذج تقنية التعرف على الوجه. 

وقال إن شروط خدمة الشبكة الاجتماعية تسمح بهذا النوع من المشاركة.

وأضاف: "يجب أن يكون هناك قدر من الثقة مع شركات التكنولوجيا مثل Clarifai للاستفادة من التكنولوجيا القوية" .

وقالت متحدثة باسم OkCupid إن Clarifai تواصلت بالشركة في عام 2014 "حول التعاون لتحديد ما إذا كان بإمكانهم بناء شركة ذكاء اصطناعي غير متحيزة وتقنية التعرف على الوجه" . 

وأضافت أن موقع المواعدة "لم يبرم أي اتفاق تجاري آنذاك وليس له علاقة بهم الآن" . 

ولم تتحدث عما إذا كانت شركة Clarifai قد تمكنت من الوصول إلى صور OkCupid دون موافقتها.

وتنوي بيع التكنولوجيا لحكومات أجنبية وهيئات عسكرية

وقال زايلر إن شركة Clarifai استخدمت الصور من OkCupid لبناء خدمة يمكنها تحديد عمر، وجنس، وعرق الوجوه المكتشفة. 

كما بدأت الشركة الناشئة العمل على أداة لجمع الصور من موقع إلكتروني يُسمى Insecam – اختصاراً لـ "insecure camera" أو "الكاميرا غير الآمنة" – التي تدخل إلى كاميرات المراقبة في مراكز المدن، والمساحات الخاصة دون إذن. 

وقال إن مشروع Clarifai أغلق العام الماضي بعد احتجاج بعض الموظفين وقبل جمع أي صور.

وأضاف زايلر أن شركة Clarifai ستبيع تكنولوجيا التعرف على الوجه للحكومات الأجنبية، والعمليات العسكرية، وإدارات الشرطة شريطة أن تكون الظروف مناسبة. 

وذكر أنه من غير المنطقي وضع قيود شاملة على بيع التكنولوجيا لدول بأكملها.

وانضمت السيدة أوسوليفان، تقنيّة سابقة في Clarifai، إلى مجموعة للحقوق المدنية والخصوصية تسمى "Surveillance Technology Oversight Project" أو مشروع مراقبة تكنولوجيا المراقبة. 

وهي الآن جزء من فريق باحثين يصممون أداة تتيح للناس التحقق مما إذا كانت صورتهم جزءاً من قواعد بيانات الوجوه المشتركة بشكل مفتوح.

وقالت: "أنت جزء مما جعل النظام ما هو عليه" .

تحميل المزيد