بعد تضييق المغرب على تحركات المهاجرين غير النظاميين الراغبين في عبور البحر المتوسط إلى أوروبا، تحول المسار إلى المحيط الأطلسي، فما هي الأسباب؟
نظراً للقرب الجغرافي من أوروبا، ولا سيما من إسبانيا، يعتبر المغرب إحدى نقاط عبور المهاجرين غير النظاميين عبر البحر المتوسط (شمال)، لكن لأسباب داخلية وخارجية، تحولت مؤخراً محاولات الهجرة من سواحل المغرب الشمالية إلى سواحله الغربية على المحيط الأطلسي، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
انطلاقاً من المغرب.. الهجرة نحو الشمال
يوم 23 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت وزارة الداخلية المغربية أنها أحبطت 75 ألفاً و184 محاولة هجرة غير نظامية خلال عام 2023، بارتفاع 6% مقارنة بـ2022.
يأتي هذا في وقت تتزايد محاولات مواطنين أفارقة من دول جنوب الصحراء الكبرى الهجرة بطريقة غير نظامية إلى قارة أوروبا؛ بحثاً عن حياة أفضل، في ظل حروب واضطرابات أمنية وأوضاع اقتصادية متدهورة في دولهم، فاقمتها خلال السنوات الأخيرة ظاهرة التغير المناخي.
لكن مؤخراً وبوتيرة أسبوعية، باتت السلطات المغربية تعلن عن توقيف مهاجرين غير نظاميين على سواحل المحيط الأطلسي غربي المملكة، خلال محاولتهم العبور إلى أوروبا.
يجسد هذا المستجد تغييراً في استراتيجية شبكات تهريب البشر، بنقل نشاطها من البحر الأبيض المتوسط شمالي المغرب إلى سواحله الغربية.
المهاجرون يستقرون مؤقتاً في مدن جنوبية، منها طانطان والداخلة والعيون، وإذا توفرت "ثغرة أمنية" يحاولون التوجه شمالاً وعبور البحر المتوسط، لكن الجديد أن كثيرين باتوا يحاولون عبور المحيط الأطلسي (غرب) إلى جزر الكناري.
من البحر إلى المحيط.. لماذا؟
هذا التغيير في مسار الهجرة غير النظامية، حسب باحث مغربي، فرضته أسباب بينها تكثيف مراقبة على حدود المغرب الشمالية؛ وتحسن العلاقة بين الرباط ومدريد، والحصول على تمويلات أوروبية.
إذ قال الباحث المغربي المتخصص في الهجرة حسن بنطالب للأناضول إن "هذا التغير يرجع لأسباب أمنية واجتماعية، وأخرى لها ارتباط بعلاقة المغرب مع إسبانيا، والوضع في الدول الأفريقية جنوب الصحراء، خاصة دول الساحل (غرب)".
"من الأسباب تحسن علاقة الجوار مع إسبانيا بعد أزمة دبلوماسية سابقة، بالإضافة إلى استفادة المغرب من إعانات وتمويلات من الاتحاد الأوروبي لإدارة ملف الهجرة".
إذ يعتبر الاتحاد الأوروبي قضية الهجرة غير الشرعية قضية أمنية بالأساس، لذلك بدأ منذ أكثر من عقد من الزمان في انتهاج سياسات أكثر تشدداً في مسألة استقبال المهاجرين. من هذه السياسات تبني دول الاتحاد الأوروبي سياسة التعاون المشترك مع دول الشمال الأفريقي، عبر إبرام اتفاقيات ثنائية وأخرى جماعية.
فعقدت إيطاليا اتفاقية مع ليبيا، منذ عام 2007، وبموجبها تقوم ليبيا وإيطاليا بتنظيم دوريات بحرية بعدد ست قطع بحرية إيطالية، ويوجد على متنها طواقم مشتركة من البلدين لغرض أعمال التدريب والتكوين والمساعدة الفنية على استخدام وصيانة هذه الوحدات البحرية على عمليات المراقبة والإنقاذ سواء في المياه الإقليمية الليبية أو الدولية.
كما عقدت إيطاليا أيضاً اتفاقية مع تونس كانت تقضي بتزويد إيطاليا لتونس بالمعدات والأجهزة والزوارق السريعة، وعقد دورات تدريبية سنوية لأفراد الشرطة المتخصصين في مكافحة الهجرة غير الشرعية، مع وضع نظام تبادل للمعلومات بين البلدين. ولم يكن المغرب بعيداً عن ذلك الشأن، إذ عقدت مدريد والرباط اتفاقية للحد من الهجرة غير الشرعية.
أزمة دبلوماسية بين المغرب وإسبانيا
في عام 2020، أغلقت إسبانيا حدود مدينتي سبتة ومليلية (تتبعان الإدارة الإسبانية) مع المغرب، إثر تفشي فيروس كورونا، واستمر الإغلاق بفعل أزمة دبلوماسية اندلعت بين البلدين.
تسبب في هذه الأزمة استقبال مدريد في أبريل/نيسان 2021 زعيم جبهة "البوليساريو" إبراهيم غالي بـ"هوية مزيفة" ومن دون إخطار الرباط، وهو ما اعتبره المغرب "طعنة في الظهر".
ومنذ عقود يتنازع المغرب و"البوليساريو" السيادة على إقليم الصحراء، وبينما تقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، تطالب الجبهة بتقرير المصير.
"هناك تضييق على تحركات المهاجرين للذهاب إلى شمال البلاد، خاصة (إلى مدن) الناظور وتطوان وطنجة، بالإضافة إلى تفكيك مخيمات المهاجرين (العشوائية) في غابات الناظور"، بحسب ما قاله بنطالب.
و"الدخول أو الخروج منها (هذه المدن) يتم وفق مراقبة تمنع دخول المهاجرين غير النظاميين، و(لا سيما) على مستوى القاصرين غير المرافقين".
ورأى الباحث المغربي أن هذه العوامل أدت إلى تركيز (شبكات تهريب البشر) على طرق الغرب التي تؤدي إلى سواحل الغرب المؤدية إلى جزر الكناري (تابعة للإدارة الإسبانية). وزاد بأن "هذا التوجه الجديد يهم (يلجأ إليه) المغاربة والقادمين من دول أفريقية أخرى مثل السنغال وموريتانيا".
كما أرجع تزايد الهجرة إلى "الاضطرابات السياسية والجيوسياسية في دول الساحل والتقلبات المناخية؛ مما ساهم في تدفق الهجرة من الدول الأفريقية إلى جزر الكناري".
تغيير في سياسات المغرب بشأن الهجرة
حسب بنطالب، فإن سياسة الهجرة في المغرب تنقسم إلى مرحلتين، الأولى من 2013 إلى 2016، والثانية من 2017 إلى 2024. وبيَّن أن "المرحلة الأولى عرفت استراتيجية جديدة للهجرة ومجموعة من الإجراءات والبرامج لصالح المهاجرين".
وبين 2023 و2016، طبَّق المغرب استراتيجية لإدماج المهاجرين غير النظاميين، ما مكّن من تسوية وضعية أكثر من 50 ألف أجنبي، معظمهم من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وأضاف الباحث أن "المرحلة الثانية شهدت ارتفاع وتيرة مراقبة الهجرة ومعدل التوقيفات وإرجاع المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية ونقل المهاجرين من مدن شمال البلاد إلى جنوبه".
وساهم ارتفاع وتيرة مراقبة الحدود الشمالية للمغرب، وفق بنطالب، في "تراجع محاولات الاقتحامات الجماعية في المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية".
وتخضع سبتة ومليلية، فضلاً عن الجزر الجعفرية وجزر صخرية أخرى في البحر المتوسط، لإدارة مدريد، فيما تعتبر الرباط المدينتين والجزر "ثغور محتلة". واعتبر بنطالب أن "مقاربة المرحلة الثانية اتسمت بنوع من التشدد والمراقبة، مقابل فتور البرامج الاجتماعية المقدمة للمهاجرين".
وكذلك "تراجعت أدوار المجتمع المدني بسبب تراجع الإمكانيات المتاحة له، فضلاً عن التوتر بين الساكنة (السكان) وبعض المهاجرين"، كما أردف. ورأى أن هناك رجوعاً إلى ما وصفه بـ"المقاربة الأمنية القائمة على المراقبة وتكثيف الجهود لفك شبكات تهريب البشر، على حساب المقاربة الإنسانية والاجتماعية".
بنطالب شدد على أنه "لا يمكن القول إنه تم القضاء على الهجرة على مستوى الشمال؛ فلا تزال بالأساس تهم المغاربة، سواء عبر سبتة ومليلية أو البحر المتوسط، مقابل تراجع ملحوظ للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء".
ماذا تقول الحكومة المغربية؟
ووفق متحدث الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، في مارس/آذار 2023، فإن المغرب "يمتلك تجربة رائدة وكبيرة جداً فيما يتعلق بإدماج المهاجرين". إذ أضاف بايتاس، في مؤتمر صحفي بالرباط حينها، أن المغرب "قطع مع كافة أشكال الكراهية والتمييز العنصري بنص الدستور والاتفاقيات الدولية التي وقَّع عليها".
وبحسب معلومات رسمية، استفاد أكثر من 8 آلاف و100 أفريقي من عملية العودة الطوعية من المغرب إلى بلدانهم الأصلية بين 2018 و2023، بتنظيم من المنظمة الدولية للهجرة.
وخلال يناير/كانون الثاني 2023، دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب (رسمي) إلى الإسراع في إخراج قانوني الهجرة واللجوء إلى حيز التنفيذ، باعتبارهما الإطار القانوني المنظم لحقوق اللاجئين والمهاجرين إلى المملكة.
جاءت هذه الدعوة ضمن توصيات دراسة بعنوان "الولوج للعدالة من طرف الأجانب بمَن فيهم اللاجئون وطالبو اللجوء"، قدمتها رئيسة المجلس أمينة بوعياش خلال مؤتمر صحفي بالرباط آنذاك.
أكدت هذه الدراسة ضرورة تضمين الإطار القانوني المنظم لوضعية اللاجئين والمهاجرين في المغرب بشكل واضح ومفصل، بما يتيح المطالبة بحقوقهم والوصول إلى العدالة في حالات انتهاكها، وفق بوعياش.
ولإصدار قانونين للهجرة واللجوء يجب أن تقرهما الحكومة أولاً ثم البرلمان بغرفتيه، ليتم نشرهما في الجريدة الرسمية، فيدخلا حيز التنفيذ. ولا يوجد، وفق مراسل الأناضول، سبب رسمي معلن لعدم إقرار هذين القانونين حتى الآن.
أوروبا لا ترحب بالمهاجرين!
كانت دول الاتحاد الأوروبي قد اتفقت في يونيو/حزيران 2023 على قواعد جديدة تنظم ملف الهجرة واللجوء، بعد انقسام استمر منذ عام 2015، وهو الاتفاق الذي "يغلق الباب" تقريباً في وجه المهاجرين، بحسب مراقبين.
فمنذ صعود أحزاب اليمين المتطرف إلى قمة هرم السلطة في كثير من الدول الأوروبية، أصبح ملف الهجرة يحتل صدارة القضايا في القارة العجوز وتنامت بشكل لافت المشاعر المعادية للمهاجرين وطالبي اللجوء.
إذ إن السمة الرئيسية الغالبة على الجماعات والأحزاب المنضوية في إطار اليمين بشكل عام، سواء أكانت أحزاباً متطرفة تعمل في إطار عملية ديمقراطية أم أخرى معارضة لها، هي الخطاب الذي يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد مجموعة "أصلية" من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع، وعن ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية، ومن ثم تأتي معارضة اليمين المتطرف للهجرة.
وبعد مفاوضات شاقة، كان وزراء الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي قد أعلنوا الاتفاق على كيفية تقاسم المسؤولية عن الاعتناء بالمهاجرين واللاجئين، على أمل إنهاء سنوات من الانقسام الذي يعود إلى العام 2015 عندما وصل أكثر من مليون شخص، معظمهم فروا من الحرب في سوريا، إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
وخلال تلك السنوات، تمثلت المشكلة في مطالبة البلدان الواقعة على الحافة الجنوبية للاتحاد الأوروبي، ومنها إيطاليا واليونان، بمزيد من المساعدة حتى تستطيع التعامل مع من يصلون إلى شواطئها، بينما رفضت دول بشرق الاتحاد الأوروبي، مثل بولندا والمجر، استضافة أي شخص من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة.
وتفاقمت الأزمة مع شحن الأحزاب اليمينية والشعبوية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، البالغ عدد أعضائه 27 دولة، الجدل بخطابها المناهض للهجرة.
وفي النهاية وافقت ألمانيا وإيطاليا على مشروع الإصلاحات، بينما رفضته بولندا والمجر، أي أن القرار لم يحظ بالإجماع، إلا أنه حصل على أغلبية مؤهلة من الدول الأعضاء، التي تمثل 65% على الأقل من سكان الاتحاد الأوروبي. وترفض بولندا والمجر الامتثال لقواعد الهجرة المشتركة في الاتحاد الأوروبي، والتي تم إقرارها عام 2015.