من رحم النكبة وُلدت ولهذه الأسباب تريد إسرائيل التخلص منها.. قصة الأونروا حتى الحرب على غزة

عربي بوست
تم النشر: 2024/04/26 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/04/26 الساعة 12:03 بتوقيت غرينتش
قصة الأونروا من النكبة حتى الحرب على غزة / عربي بوست

وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أسستها الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل 74 عاماً، فلماذا تسعى إسرائيل للتخلص منها كأحد أهداف الحرب على غزة؟

في هذا التقرير نرصد القصة الكاملة للأونروا منذ تأسيسها والهدف منها وتمويلها ومصادره والخدمات التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين، وأسباب كراهية إسرائيل لتلك الوكالة ورغبتها الجامحة في تفكيكها والتخلص منها. القصة الكاملة للأونروا من خلال هذا الرابط.

تقسيم فلسطين وتأسيس الأونروا

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الثامن من ديسمبر/كانون الأول عام 1949، القرار رقم 302 الخاص بتأسيس وكالة غوث وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى، أو "الأونروا" والتي يشار إليها اختصاراً باسم "الوكالة"، وذلك "لتنفيذ […] برامج إغاثة وتشغيل مباشرة" للاجئي فلسطين.

تمتلك الأونروا، بموجب ذلك القرار الأممي والقرارات الصادرة في السنوات التالية، تفويضاً إنسانياً وتنموياً هدفه تقديم المساعدة والحماية للاجئي فلسطين، وذلك حتى يتم "التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم".

وتستمد الأونروا تفويضها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، الجهاز الأم للوكالة، والجمعية العامة وحدها هي التي يمكنها تحديد تفويض الأونروا. ولم يتم تحديد ولاية الوكالة في مصدر أو وثيقة واحدة، لكن ولاية الوكالة مستمدة في المقام الأول من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ماذا تقدم الأونروا للفلسطينيين؟

يوجد للأونروا مقران رئيسيان، أحدهما في العاصمة النمساوية (فيينا)، والآخر في العاصمة الأردنية (عمّان)، كما توجد لها مكاتب تمثيل في كل من القاهرة ونيويورك وواشنطن وبروكسل.

وتتمثل مهام الأونروا في تنفيذ برامج إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين مباشرة بالتعاون مع الحكومات المحلية، وكذلك التشاور مع الحكومات المعنية بخصوص تنفيذ مشاريع الإغاثة والتشغيل والتخطيط.

وتقتصر مسؤولية الأونروا على توفير الخدمات لمجموعة واحدة من اللاجئين، وهم الفلسطينيون المقيمون داخل مناطق عمليات الأونروا، في حين تكون المفوضية السامية للاجئين مسؤولة عن اللاجئين في بقية أنحاء العالم.

وتقدم الأونروا المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم في أقاليم رئيسية هي: الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة وفي الأردن ولبنان وسوريا.

الاحتلال إسرائيل موظفي الأونروا في غزة الكونغرس حملة تبرعات
الاحتلال يتهم عدد من موظفي الأونروا في غزة بالعمل لصالح حماس/ الأناضول

وتتمثل الخدمات الأساسية في المقام الأول في مجالات التعليم الأساسي والرعاية الصحية الأولية ورعاية الصحة العقلية والإغاثة والتشغيل وتقديم القروض الصغيرة والمتوسطة. لكن مهام الأونروا أو "الوكالة" تطورت على مر السنين، لتمتد إلى توفير خدمات الطوارئ للأشخاص في منطقة عملياتها من النازحين.

كما تطور تفويض الوكالة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لاستيعاب الاحتياجات المتغيرة والوضع السياسي للاجئي فلسطين، بما في ذلك ما يتعلق بأنشطة الحماية.

وفي الوقت الحالي، تقدم الأونروا خدماتها لنحو 6 ملايين لاجئ فلسطيني، يعيش نحو الثلثين منهم في 58 مخيماً معترفاً به للاجئين في الأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة. وفي عام 2022، بلغ عدد الطلاب المسجلين في مدارس الأونروا 544 ألفاً و710 أشخاص.

كما يتبع الوكالة 140 مركزاً للرعاية الصحية الأولية، موزعة في غزة والضفة وسوريا والأردن ولبنان، وتستقبل أكثر من 7 ملايين حالة مرضية سنوياً، وقد دعمت احتياجات الغذاء والتغذية الطارئة لدى أكثر من مليون و100 ألف لاجئ في قطاع غزة وحده خلال 2022.

وتحت إشراف المفوض العام للوكالة والمندوب العام لها في مكتب عمان، تدير مفوضية الأونروا قطاعات خدمية تشمل مجالات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية والمخيمات، وتشرف على ذلك كله مراكز في عدد من المناطق من بينها غزة والضفة وسوريا ولبنان.

إسرائيل والأونروا.. علاقة معقدة

لا تمتلك الأونروا سلطة سياسية ولا دورَ لها في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. كما لا تقوم الوكالة بإدارة مخيمات اللاجئين سواء داخل فلسطين أم خارجها، وليست مسؤولة عن أمن المخيمات أو تطبيق القانون والنظام فيها.

ولا تملك الوكالة تفويضاً للمشاركة في مفاوضات سياسية أو حلول دائمة. وتنحصر مسؤولية الأونروا في إدارة برامج التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية، سواء الموجودة داخل المخيمات أم خارجها. أما المناهج التعليمية نفسها فتخضع لسلطة الإقليم أو الدولة، أي إن مدارس الأونروا تدرس لطلابها المناهج التي يتم تعليمها في مدارس البلد الموجود به المخيم.

من ناحية أخرى، تحمل الأونروا عبئاً مادياً ثقيلاً عن كاهل إسرائيل. فبصفتها دولة احتلال، إسرائيل ملزمة بتوفير خدمات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والإغاثة للفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال.

لكن على الرغم من ذلك، تكره إسرائيل الأونروا وتسعى بشتى السبل لتفكيكها والقضاء عليها تماماً؛ إذ يرى السياسيون الإسرائيليون في الأونروا جهة دولية تحافظ على "حق عودة اللاجئين الفلسطينيين" إلى وطنهم، وهو ما يمثل تهديداً لاستمرار اليهود كأغلبية داخل إسرائيل، بحسب تحليل نشره موقع ذا نيو هيومانيتريان.

إذ يبلغ تعداد إسرائيل اليوم 9.8 مليون نسمة، منهم 7.2 مليون يهودي وأكثر من مليونين من عرب الداخل (فلسطينيون يحملون الجنسية الإسرائيلية منذ 1948)، ويعيش في الضفة الغربية أكثر من 3.25 مليون فلسطيني ونحو 2.3 مليون آخرين في قطاع غزة، بحسب موقع الجهاز المركزي للإحصاء التابع للسلطة.

وليس سراً أن المسؤولين الإسرائيليين يرغبون في تفكيك الأونروا للتخلص من مسألة اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة. وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023)، أصبح التخلص من الأونروا هدفاً معلناً، وتم توجيه اتهامات للوكالة بالمشاركة في عملية طوفان الأقصى العسكرية التي قام بها مقاومون من حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس رداً على الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى وتهويد القدس وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم والتوسع في الاستيطان في ظل أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً برئاسة بنيامين نتنياهو.

نتنياهو يريد "تفكيك" الأونروا

يوم 27 يناير/كانون الثاني 2024، أعلن وزير خارجية إسرائيل، يسرائيل كاتس، أن "مكتبه يعمل على الترويج لسياسة تفكيك الأونروا في غزة، وألا يكون لها وجود في اليوم التالي للحرب". ووجه كاتس، عبر منصة إكس، التحية للولايات المتحدة وكندا ودول أخرى قررت تعليق تمويل الأونروا.

أما نتنياهو فقد كان سباقاً في توجيه تلك الادعاءات بأن الأونروا في غزة شاركت في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، معلناً أن "مهمة الأونروا لابد أن تنتهي".

وقبل الخوض في هذا الفصل من فصول كتاب "صيد الساحرات" الذي يطبقه نتنياهو وقيادات إسرائيل تجاه الأونروا، دعونا نتذكر فصلاً سابقاً من الكتاب ذاته. و"صيد الساحرات" مصطلح يشار به إلى ما شهدته أوروبا في العصور الوسطى من اضطهاد الكنيسة لأي شخص يحاول تعلم القراءة أو التفكير أو التمرد على تعاليم الكنيسة، فيوصم بأنه ساحر ويتم حرقه.

وعلى هذا المنوال، ظل نتنياهو يطارد الأونروا ويلفق لها الاتهامات دائماً. ففي يونيو/حزيران من عام 2017، طالب نتنياهو بتفكيك الأونروا ودمج أجزائها في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للمنظمات الدولية.

وفي لقاء مع السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في ذلك الوقت، نيكي هيلي، اتهم نتنياهو الأونروا بإطالة أمد قضية اللاجئين وباستغلال تمويل الوكالة الأممية في نشر "كراهية إسرائيل"، إضافة إلى تشغيل بعض المنتمين لحركة حماس.

نتنياهو
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو / رويترز

وفي الشهر التالي من العام نفسه، قامت إسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية بتعطيل مشروع في الأمم المتحدة، يهدف إلى زيادة موازنة الأونروا. ونقل موقع "واللا" العبري حينئذ عن سفير تل أبيب بالأمم المتحدة، قوله: إن "السنوات الأخيرة كشفت مراراً وتكراراً كيف تستعمل وكالات الأونروا الأموال التي تصلها من المنظمات الدولية والإنسانية لأعمال وفعاليات معادية لإسرائيل، وإنتاج مواد تحريضية وتشغيل عناصر من حركة حماس في صفوفها".

كما تقوم إسرائيل بالتضييق على الأونروا وخنقها حتى لا تواصل عملياتها بشكل طبيعي، فيتم احتجاز حاويات شحن تحمل دقيقاً يكفي احتياجات أكثر من مليون شخص في ميناء أسدود الإسرائيلي لمدة أكثر من 5 أشهر، ويتم إلغاء الإعفاءات الضريبية التي تتلقاها الأونروا شأنها شأن الوكالات التابعة للأمم المتحدة، أو محاولات إغلاق مكاتب الأونروا ومؤسساتها في القدس الشرقية. إضافة إلى خطوات أخرى منها تقصير مدة تأشيرة الإقامة للموظفين الدوليين في الأونروا، كما قام بنك إسرائيل مؤخراً بتجميد حساب الأونروا.

التحريض وتلفيق الاتهامات للأونروا

لكن الفصل الحالي من "صيد الساحرات" والذي يستهدف الأونروا شهد تصعيداً في نوعية الادعاءات، فقد زعمت إسرائيل، خلال يناير/كانون الثاني 2024 أن 12 موظفاً يعملون في الأونروا شاركوا في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وانطلقت آلة البروباجاندا الإسرائيلية تعمل بأقصى طاقتها ضد الأونروا، التي يعمل فيها 13 ألف موظف، بهدف اتخاذ خطوات لإضعاف الأونروا وصولاً إلى مرحلة حل الوكالة، من خلال الترويج لحملة داخل إسرائيل وخارجها، بمساعدة المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين، تستهدف الإضرار بسمعة الوكالة جنباً إلى جنب مع الكشف عن تورط العاملين في الوكالة مع حركة حماس ومع الذراع العسكرية للحركة.

فتحت إدارة الأونروا على الفور تحقيقاً في المزاعم الإسرائيلية وكذلك فعلت الأمم المتحدة، وذلك على الرغم من عدم تقديم إسرائيل أي دليل على مزاعمها، بل وقامت الوكالة بفصل نحو 12 موظفاً لديها (من بين 13 ألف موظف) بعدما اتهمتهم إسرائيل بالتورط في هجوم حماس.

وبعد أكثر من شهر من المزاعم الإسرائيلية، خلُص تقرير استخباراتي أمريكي إلى أنه لا توجد أي أدلة على وجود علاقات تنسيق من أي نوع بين الأونروا وبين حماس أو فصائل مقاومة فلسطينية أخرى في غزة.

وأعدت الأونروا، في فبراير/شباط، تقريراً خلُص إلى أن بعضاً من موظفيها الذين أُطلق سراحهم من السجون الإسرائيلية في غزة بعد الاحتجاز قالوا إنهم تعرضوا لضغوط من السلطات الإسرائيلية ليدلوا بأقوال كاذبة بأن الوكالة على صلة بحركة حماس وأن موظفين بها شاركوا في هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وذكر التقرير، الذي اطلعت رويترز على نسخة منه، أن عدداً من الموظفين الفلسطينيين في الأونروا احتجزهم الجيش الإسرائيلي، وتعرضوا لمعاملة سيئة وانتهاكات، علاوة على الضرب المبرح، والإغراق إلى حد الاختناق، والتهديد بإيذاء ذويهم.

مدارس الأونروا

تدير الأونروا أكثر من 700 مدرسة للتعليم الأساسي، منها نحو 300 مدرسة في قطاع غزة ونحو 100 مدرسة في الضفة الغربية، منها مدرستان في القدس الشرقية. أما في الأردن فتمتلك الأونروا وتدير نحو 170 مدرسة للتعليم الأساسي يتعلم فيها أكثر من 120 ألف تلميذ فلسطيني سنوياً. وفي لبنان، توفر مدارس الأونروا التعليم الأساسي لأكثر من 39 ألف تلميذ فلسطيني سنوياً من خلال مدارسها البالغ عددها 69 مدرسة. وفي سوريا، تدير الأونروا نحو 102 مدرسة توفر التعليم الأساسي لأكثر من 50 ألف تلميذ فلسطيني سنوياً.

وبشكل إجمالي تقريبي توفر مدارس الأونروا التعليم الأساسي لأكثر من نصف مليون فلسطيني سنوياً، ويعمل في النظام التعليمي التابع للوكالة أكثر من 17 ألف موظف، وهو ما يمثل واحداً من أضخم نظم التعليم غير الحكومي في الشرق الأوسط.

وخلافاً لما قد يتوقعه البعض من إدارة تعاني من قصور في الموارد تخدم تلاميذ من اللاجئين الذين يواجهون بشكل مستمر عدداً لا يُحصى من المعوقات، فإن تلاميذ الأونروا يتفوقون على تلاميذ المدارس العامة في المناطق الثلاث؛ الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن، بما يعادل حصيلة عام من التعليم، وبشكل عام، يحقق اللاجئون الفلسطينيون نواتج تعليمية أعلى من المتوسط على الرغم من الظروف المعاكسة التي يعيشون في ظلها.

وتفتح الأونروا الباب أمام الطلاب الخريجين من مدارسها الثانوية للعمل كمدرسين في مدارس الأونروا، كجزء من برامج التشغيل أيضاً. كما تجتذب كليات معلمي الأونروا أفضل خريجي المدارس الثانوية كي يلتحقوا مجاناً مع ضمان التوظيف عند الانتهاء من الدراسة. وقبل توظيفهم، يتم إجراء مقابلات مع مدرسي الأونروا ولابد لهم من اجتياز امتحان كتابي، ونتيجة لذلك، يبدو أن نظام الأونروا التعليمي نجح في خلق رقابة جودة ذاتية سليمة يفتقر إليها النظام التعليمي العام، بحسب تقرير للبنك الدولي.

تحميل المزيد