رغم التحذيرات من وقوع مجزرة كبرى.. لماذا تصر إسرائيل على اجتياح رفح التي يفترشها 1.5 مليون نازح؟

تم النشر: 2024/03/19 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/03/19 الساعة 11:49 بتوقيت غرينتش
لماذا تصر إسرائيل على اجتياح رفح؟ -

لا تزال حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو تتهدد وتتوعد مدينة رفح التي أصبحت أكبر مخيم للاجئين في العالم٬ بعملية عسكرية واسعة بدعوى "القضاء على بؤر المقاومة". وأعلن مكتب نتنياهو، في بيان رسمي، يوم الجمعة 15 مارس/آذار 2024، تصديقه على "خطط العملية العسكرية" المحتملة في رفح جنوب قطاع غزة، وقال البيان: "صدَّق رئيس الوزراء نتنياهو على خطط للقيام بعملية عسكرية في رفح، والجيش الإسرائيلي يستعد لها عملياتياً ولإجلاء السكان"، وذلك رغم التحذيرات الدولية المستمرة. فلماذا تصر إسرائيل على اجتياح رفح رغم تحذير الأمريكيين من انعكاس ذلك بشكل سلبي على العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية؟

لماذا تصر إسرائيل على اجتياح رفح؟

منذ نحو شهر لا تزال العديد من الدول تحذر إسرائيل من الإقدام على شن عملية عسكرية في رفح، حيث يوجد أكثر من 1.5 مليون فلسطيني، وفق التقارير الدولية. حيث هددت حكومة الاحتلال في فبراير/شباط من أنها ستشن عملية برية في رفح ما لم يتم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقين بحلول شهر رمضان المبارك، الذي بدأ في 10 مارس/آذار٬ حيث يعمل الوسطاء على وقف القتال وتبادل الأسرى بين الطرفين.

ويوم الإثنين 18 مارس/آذار 2024 قال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، لهيئة البث العبرية٬ إن قوات الاحتلال تعتزم القيام بما سمته "نشاطاً ضخماً" في مدينة رفح أقصى جنوبي قطاع غزة، بعد أن تُجلي الفلسطينيين إلى المنطقة الغربية من المدينة، وفق تعبيره. وأضاف كاتس: "بالطبع سنتحرك في رفح (على الحدود مع مصر)، وقبل النشاط الضخم، سنجلي المواطنين من هناك، ليس إلى الشمال، بل إلى المنطقة الغربية".

فيما قال نتنياهو إنه سيكون من المستحيل "تحقيق هدف تدمير حركة حماس" إذا لم تشن إسرائيل عملية عسكرية على ما يقول إنها آخر كتائب للحركة في رفح٬ حيث يقدر مسؤولون عسكريون إسرائيليون بأن ما بين 5000 إلى 8000 من مقاتلي حماس متحصنون هناك.

وتقول وكالة bloomberg إن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول استرضاء ائتلافه اليميني المتطرف في الداخل والتعاون مع الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي الذي يعمل مع مصر وآخرين لتأمين وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى بعقد صفقة ما. ويعتقد أن نحو 130 إسرئيلياً ما زالوا أسرى في غزة، على الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية تقول إن حوالي 100 شخص فقط ما زالوا على قيد الحياة.

وحذر الرئيس الأمريكي جو بايدن إسرائيل من المضي قدماً في توغل أوسع في رفح دون خطة لحماية المدنيين، ووصف ردها على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول بأنه "مبالغ فيه". في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل ضغوطاً متزايدة لوقف حربها على غزة٬ حيث قتلت أكثر من 30 ألف فلسطيني منذ بدء الحرب على القطاع٬ ودمرت نحو 80% من بنيته التحتية.

اجتياح رفح
صورة جوية لمدينة رفح التي أصبحت مكتظة بمليون ونصف مليون نازح فلسطيني من قطاع غزة/ رويترز

لماذا نتنياهو معنيّ باجتياح رفح أكثر من غيره؟

يقول موقع أسباب المتخصص بالتحليل الاستراتيجي٬ إن نتنياهو المعنيّ بإطالة أمد الحرب٬ يعمل على استثمار كافة أوراق الضغط لتحسين شروط التفاوض لصالحه ولدفع المقاومة الفلسطينية للتراجع عن مواقفها، حيث اتبع استراتيجية تقوم على زيادة الضغط العسكري على المقاومة، من خلال التلويح بالعملية العسكرية تجاه مدينة رفح.

وبالإضافة للضغط العسكري على المفاوض الفلسطيني، يعمل الاحتلال على الضغط على الوسيطين المصري والقطري لحثهما على توجيه ضغوطهما باتجاه حماس. تجلى ذلك من خلال تحميل وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش القاهرة المسؤولية "إلى حد كبير" على تهريب الأسلحة إلى غزة عبر محور فيلادلفيا ووضع مصر تحت تهديد تهجير النازحين في رفح إلى سيناء، بالإضافة إلى توجيه انتقادات لاذعة ضد دولة قطر والتحريض ضدها بزعم علاقتها الإيجابية بالمقاومة الفلسطينية. 

ويقول موقع أسباب: سيظل التهديد الأكثر حساسية هو التلويح بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في مدينة رفح، ويريد الاحتلال بذلك أن يُخير الأطراف جميعها بين استعادة الأسرى الإسرائيليين وفق شروط الاحتلال أو اقتحام مدينة رفح. 

غير أن هذه التهديدات لا تزال تصطدم بالكارثة الإنسانية الناتجة عن هذه العملية ما لم يجر إخلاء النازحين إلى مناطق أخرى في القطاع، وهو شرط تطالب به الولايات المتحدة ومصر قبل البدء في العملية التي لا تعارضانها من حيث المبدأ. 

بالإضافة إلى ذلك، فإن العملية العسكرية في مدينة رفح قد تستلزم إعادة الزج بقوات داخل القطاع، وهو أمر تزداد صعوبته بالنظر للمخاوف إزاء احتمالات تصاعد وتيرة الاشتباكات مع "حزب الله" في الجبهة الشمالية، والتهديدات الأمنية في الضفة الغربية التي قد تتطور أكثر خلال شهر رمضان. 

إلى أين ستصل الخلافات بين إدارة بايدن ونتنياهو؟ - رويترز
إلى أين ستصل الخلافات بين إدارة بايدن ونتنياهو؟ – رويترز

هذه المحددات لن تمنع على الأرجح تنفيذ العملية العسكرية في رفح كما يقول موقع "أسباب"، لكنها قد تؤثر على توقيتها وعلى طبيعتها إن كانت واسعة أو موضعية. وحتى في حال استجاب الاحتلال للمطالب المصرية والأمريكية بالسماح بعودة أعداد من النازحين إلى مناطق محددة خارج رفح، فإن المدينة الصغيرة ستظل مكتظة بالمدنيين، ومن ثمَّ فإن العملية العسكرية ستكون تكلفتها الإنسانية باهظة، كما ستؤدي إلى عبور نازحين للشريط الحدودي باتجاه رفح المصرية، وهو الأمر الذي يبدو أن مصر تتجهز له في ظل الاستعدادات الجارية لإقامة منطقة عازلة في الجانب المصري من الحدود قد تستوعب 100 ألف نازح فلسطيني.

وفي حال قرر نتنياهو الذهاب مباشرة للهجوم على رفح، فإن ذلك لا شك سيجمّد أي مفاوضات جارية حول اتفاق هدنة طويلة وتبادل الأسرى، وسيبقي المنطقة بصورة عامة على حافة تصعيد متعدد الجبهات. وعلى الرغم من تبني بايدن لنفس أجندة الأهداف الإسرائيلية، إلا أن التوتر المتصاعد بينه وبين نتنياهو ورفض الأخير لنصائح الإدارة الأمريكية، قد يؤدي لتعامل واشنطن بصورة مغايرة مع حكومة نتنياهو.

لماذا سيمثل اجتياح رفح كارثة مرعبة؟

قبل بدء الحرب٬ كانت رفح موطناً لنحو 280 ألف فلسطيني٬ لكنها تستضيف الآن أكثر من نصف سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة، وفقاً للأمم المتحدة. وتظهر الصور الجوية مدينة رفح مليئة بالخيام التي تضم مئات آلاف النازحين الذين طردتهم إسرائيل من منازلهم بسبب القصف المكثف على كامل القطاع٬ بالتالي فإن أي عملية عسكرية في المدينة الآن ستقود إلى أكبر مجزرة في التاريخ الحديث. 

في الوقت نفسه٬ يواجه النازحون وجميع سكان قطاع غزة نقصاً في الغذاء والدواء وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه بعد رفح٬ وإذا وقعت عملية عسكرية هناك ستتحول الكارثة إلى طامة كبرى. 

وعندما بدأت إسرائيل غزوها لغزة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أجبرت سكان شمال ووسط القطاع على الهجرة من مساكنهم تحت الأزمة النارية وأعدمت العديد منهم على الطرقات التي كانت قد حددتها للناس بأنها "ممرات آمنة". لكن الجيش اندفع بعد ذلك جنوباً نحو مدينة خان يونس ودمرها، وحاصر الآن ما يزيد على مليون ونصف مليون شخص في رفح.

من جانبها٬ وصفت الأمم المتحدة مدينة رفح بأنها "قدر ضغط يائس يوشك على الانفجار"، وقد دقت بالفعل ناقوس الخطر بشأن الظروف المعيشية هناك. وقالت إن "ندرة الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الصحية ومرافق الصرف الصحي أدت إلى أمراض ووفيات كان يمكن الوقاية منها".

ما موقف الإدارة الأمريكية من خطة نتنياهو بشأن رفح؟

المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، قال إن بلاده لن تدعم أي عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة في رفح "دون وجود خطة قابلة للتنفيذ تضمن أمن وسلامة 1.5 مليون نازح"٬ حسب تعبيره.

فيما قال مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن، في اتصال هاتفي، الإثنين 18 مارس/آذار 2024، أنه سيرسل إلى واشنطن فريقاً مشتركاً من الوكالات؛ لبحث العملية العسكرية في رفح بجنوب غزة.

الاتصال الهاتفي بين بايدن ونتنياهو جاء بعد أكثر من شهر على آخر اتصال بينهما، وجاء بعدما عبّر الجمهوريون في واشنطن والمسؤولون الإسرائيليون عن غضبهم، إذ انتقد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر بشدة، طريقة تعامل نتنياهو مع الحرب في غزة، واتهموه "بانتهاك القاعدة غير المكتوبة ضد التدخل في السياسة الانتخابية لحليف وثيق".

حيث دعا زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي تشاك شومر، الخميس 15 مارس/آذار 2024، إسرائيل إلى إجراء انتخابات جديدة، واعتبر أن نتنياهو "ضل الطريق"، وبات يشكل "عقبة أمام السلام" في المنطقة، وسط أزمة إنسانية متزايدة في غزة.

نتنياهو يعتزم إرسال وفد إسرائيلي إلى واشنطن
مدينة رفح جنوب قطاع غزة/رويترز

ما موقف مصر من اجتياح إسرائيل لرفح؟

جريدة الأخبار اللبنانية كشفت يوم الجمعة 15 مارس/آذار 2024، أن إسرائيل أبلغت مسؤولين مصريين للمرة الأولى أنها تعتزم دخول رفح وتنفيذ عمليات "مستهدفة" ومحدودة، قبل الدخول البري "الكبير" المزمع، فيما حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من خطورة الاجتياح البري لمدينة رفح جنوب القطاع. 

وبحسب تقرير الصحيفة اللبنانية، أبلغت إسرائيل مصر أن قوات معززة ستتمركز على طول الحدود، لكنها لن تدخل محور فيلادلفيا. فيما اتصل المسؤولون المصريون بنظرائهم الأمريكيين، الذين أكدوا التزامهم بمنع الدخول على نطاق واسع إلى رفح دون إيجاد آلية لحماية السكان المدنيين.

فيما تواصل مسؤولون مصريون مع الأمريكيين عقب البلاغات الإسرائيلية، و"تبين لهم أن هناك موافقة أمريكية على خطة إسرائيل الرامية لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين يشتبه في أنهم وسط السكان المدنيين في رفح".

وبالتزامن٬ حذر السيسي من خطورة الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح٬ وقال السيسي إن مصر تسعى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وزيادة دخول المساعدات والسماح للنازحين في جنوب القطاع بالانتقال إلى شماله.

وأضاف السيسي في رسالة مسجلة خلال زيارة لأكاديمية الشرطة: "إحنا بنتكلم على إن إحنا نصل لوقف لإطلاق النار، هدنة يعني، ونصل إلى أن إحنا ندخل أكبر حجم من المساعدات"، وأضاف أن ذلك سيشمل الإغاثة… "والمجاعة دي يتوقف حد لتأثيرها على الناس، وأيضاً للسماح للناس الموجودين في الوسط وفي الجنوب، يعني يتحركوا باتجاه الشمال لأماكنهم، مع التحذير الشديد جداً من خطورة اجتياح رفح". وقال السيسي: "إحنا حذرنا من الأمر اللي بيتم ده، وعدم دخول المساعدات يؤدي إلى مجاعة".

تحميل المزيد