كانت المقاتلة سوخوي 35 خلال السنوات الماضية هي المقاتلة التي سعت بها روسيا إلى مواكبة منافسيها الأمريكيين والصينيين، وكانت موسكو تقول إنها تضاهي إن لم تكن تتفوق على مقاتلات إف 35 الشبحية الأمريكية.
وعلى الرغم من أن مواصفات المقاتلة سوخوي سو 35 أعلى من مواصفات الجيل الرابع من الطائرات الحربية، ولكنها لا تنتمي أيضاً إلى الجيل الخامس، وقالت صناعة الدفاع الروسية إنها تنتمي إلى فئة فريدة من نوعها، وهي "الجيل الرابع ++". وبذلك فهي مشابهة للمقاتلة الأمريكية الحديثة "إف 15 إي إكس إيغل 2″، التي تعد أيضاً من طائرات "الجيل الرابع ++".
المقاتلة سوخوي سو 35 نسخة محسَّنة من المقاتلة الروسية سوخوي 27، وقد أطلق عليها حلف شمال الأطلسي (الناتو) اسم "فلانكر إي". وزعم خبراء الدفاع الروسي أن "سو 35" أفضل من المقاتلة "إف 16" التابعة للقوات الجوية الأمريكية، وادَّعى بعضهم أنها تُضاهي في قدراتها مقاتلة الجيل الخامس الحربية الأمريكية "إف 35 لايتنينغ 2"، وذلك لأنها تشتمل على كثيرٍ من ميزات الطائرات الحربية من الجيل الخامس.
وعلى الرغم من ذلك، يقول الخبراء الأمريكيون إن "سو 35" لا يمكن مقارنتها بالمقاتلة الأمريكية "إف 35″، ويُرجحون أن المقاتلة الروسية لا تضاهي الأمريكية في القتال الجوي البعيد المدى ولا القريب المدى، حسبما ورد في تقرير لموقع The National Interest الأمريكي.
المقاتلة سوخوي 35 مزودة بقدرات تخفي
لا شك أن المقاتلة سوخوي 35 طائرة شرسة، ويظهر ذلك عند فحص قدراتها من الناحية النظرية، فقد زاد الروس فيها من قدرات التخفي، وزوَّدوها بأنظمة الرادار من الجيل التالي، والمحركات المحسنة، ومعظم هذه القدرات تنتمي إلى منصات الجيل الخامس من المقاتلات، وليس الجيل الرابع، ولعل ذلك هو السبب الذي جعل الروس يضعونها في مكانة أعلى من مرتبة الطائرات الحربية من الجيل الرابع.
وتعدُّ المقاتلة سوخوي 35 طائرة حربية متعددة الأغراض أيضاً، إذ يمكنها النهوض بمهام الدفاع الجوي، والهجوم البري، والضربات البحرية، والاشتباك مع الأهداف على مسافات طويلة.
وتحتوي المقاتلة سوخوي 35 على مجموعة من الأسلحة التي تجعلها شديدة الفتك في أي نطاق، منها مدفع من عيار "30 مليمتراً" للاشتباك الجوي القريب، وصواريخ (جو-جو)، وصواريخ (جو-أرض)، وصواريخ مضادة للسفن. وفي العموم، تستطيع هذه المقاتلة حمل ثمانية أطنان من الأسلحة والذخائر.
وتستطيع هذه المقاتلة الروسية أن تُحلق بحمولة من الصواريخ "الفرط صوتية"، أي التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. وتبلغ السرعة القصوى للطائرة 2.5 ماخ، ونطاقها التشغيلي يصل إلى 3600 كيلومتر في الساعة.
ومن أبرز مميزات المقاتلة سوخوي 35 أنها مزودة برادار "إربيس إي" المدعوم بماسح إلكتروني، والذي يتيح لها رصد الأهداف على مسافات بعيدة، (ولكن لم يدمج بها رادار "إيسا" مثل نظيراتها الصينية والأمريكية).
ولدى المقاتلة سوخوي 35، كذلك منظومة بحث وتتبع متقدمة تعمل بالأشعة تحت الحمراء، ويمكنها رصد الانبعاثات الحرارية للطائرات على مسافة تصل إلى 50 كيلومتراً. والمقاتلة الروسية تشابه الأمريكية "إف 35" في كونها مجهزة بعُقد استشعار متعددة يقوم على جمع المعلومات الواردة منها منظومة متقدمة للتحكم داخل قمرة القيادة، وهو ما يمنح الطيار اطلاعاً مباشراً غير مسبوق على الظروف المحيطة.
كيف كان أداء المقاتلة سوخوي 35 في الحرب الروسية الأوكرانية؟
يرى كثير من الخبراء أن أداء المقاتلة الروسية سوخوي 35 لم يبلغ المتوقع منها. فقد استطاع الأوكرانيون، حتى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن يُسقطوا خمس مقاتلات "سو 35"، وورد كذلك في بداية عام 2024 أن بطارية صواريخ باتريوت (أمريكية) لدى أوكرانيا أسقطت طائرتين من طراز "سو 35". وقد اضطر ذلك شركة "غاغارين كومسومولسك أون أمور" المصنِّعة للطائرة إلى الإقرار بأن أداء الطائرة "سو 35" لم يبلغ المستوى المتوقع أثناء القتال في الأجواء المعادية بأوكرانيا.
وشرع سلاح الجو الروسي في تغيير التكتيكات القتالية بعض الشيء عند نشر مقاتلات "سو 35″، وزاد من اعتماده على القدرات البعيدة المدى للطائرة في شن الضربات على أهداف أوكرانية. وقال الباحث أشيش دنغوال، الذي يعمل في موقع EurAsian Times الإلكتروني المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية لمنطقة أوراسيا، إن التكتيكات التي اتبعتها روسيا "أجبرت المقاتلات الأوكرانية على العمل عند ارتفاعات منخفضة". وأوردت تقارير في سبتمبر/أيلول 2022، أن "سو 35" تغلَّبت على المقاتلات الأوكرانية في "سبع مواجهات جوية على الأقل".
ويقول مدونون عسكريون روس إن مقاتلات سوخوي 35 الروسية تمكنت أخيراً من تحقيق "التفوق الجوي" في حرب أوكرانيا؛ وإنها السبب الرئيسي وراء نجاح الروس في مدينة Avdiivka (أفدييفكا)، حسبما ورد في موقع Eurasian Times الهندي.
وقام معهد دراسة الحرب (ISW) ومقره الولايات المتحدة بدراسة الحملة الروسية في أفدييفكا، ووجد أن القوات الروسية زادت تدريجياً من استخدام القنابل الانزلاقية في جميع أنحاء ميدان القتال منذ عام 2023.
ويشير تقرير معهد دراسات الحرب إلى أن "القدرة الروسية على تنفيذ هذه الضربات الجماعية لعدة أيام في الجزء الأكثر نشاطاً من خط المواجهة تشير إلى أن القوات الأوكرانية لم تكن قادرة على منعها من الوصول إلى المجال الجوي حول أفدييفكا".
وتعاني الدفاعات الجوية الأوكرانية في محاولتها لإسقاط الطائرات الهجومية الروسية من طراز Su-34 وSu-35 التي تطلق قنابل انزلاقية من عمق الأراضي الروسية لوقف هذه الضربات.
وكان عدم قدرة روسيا على تحقيق التفوق الجوي الكامل طوال فترة الحرب هو مفتاح النجاحات الأوكرانية في ساحة المعركة.
وعانت معظم الطائرات الروسية من خسائر كبيرة منذ بداية الحرب، وعلى رأسها طائرات الدعم الجوي سوخوي 25، والمقاتلات القاذفة سوخوي 34، وكانت خسائر سوخوي 35 أقل بشكل كبير، ومن الواضح أن اعتماد روسيا عليها قد تزايد بشكل كبير.
وهو ما يؤكد على الأقل أنها أكثر الطائرات الروسية نجاحاً في الحرب.
مشكلات في خط إنتاجها ودعاية غربية تصفها بأنها خردة معطوبة
من جهة أخرى، واجهت خطوط إنتاج المقاتلة سوخوي 35 عقبات مؤثرة، فكثير من المكونات الرئيسية للمقاتلة الروسية هي أجهزة ومعدات غربية في الأصل. ومن ثم كان للعقوبات الغربية ضرر كبير على الصناعات الدفاعية الروسية، وقد عطَّلت تلك العقوبات خط إنتاج طائرات "سو 35" بسبب اعتماد المقاتلة على مكونات تكنولوجية مستجلبة من الدول الغربية.
ومع ذلك، فإن الزعم المتداول بين بعض الغربيين بأن المقاتلة سوخوي 35 ليست إلا خردة معطوبة إنما هو زعم مبالغ فيه.
فهذه المقاتلة هي حقيبة ممتلئة بمكونات مختلفة؛ لأنها تجمع مزيجاً من قدرات الطائرات الحربية من الجيل الرابع والجيل الخامس.
وبالنظر إلى كثرة المعلومات الخاطئة والمضللة بين المعلومات التي ينشرها كلا الجانبين في حرب أوكرانيا، فليس هناك طريقة يسيرة للحكم على مدى فاعلية أو قلة فاعلية الطائرة "سو 35″، لكن يمكن القول إن سُمعتها السابقة تلقت ضربة جسيمة، فكثير من الدول الأجنبية التي كانت مهتمة بشراء المقاتلة من روسيا بدأت في العدول عن نيتها بعد التقارير المتداولة عن ضعف بلاء الطائرة في حرب أوكرانيا.
علاوة على ذلك، بدأت صناعة الدفاع الروسية في الانصراف باهتمامها عن المقاتلة سوخوي 35، والالتفات إلى إنتاج المقاتلات من طراز "سوخوي 57″، وهي الطائرة الحربية الروسية التي تعد حقاً من طائرات الجيل الخامس. وقد استدل محللون غربيون بهذا التحول على أن سوخوي 35 لم تبلغ النجاح الذي كانت تأمله موسكو منها.