في وسيلة للضغط على الفلسطينيين وحركة حماس التي تدير قطاع غزة، وفي ظل مجاعة غير مسبوقة تضرب القطاع بسبب الحرب المدمرة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي، فصلت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، الجمعة 26 يناير/كانون الثاني 2023، نحو 12 موظفاً لديها (من بين 13 ألف موظف) بعدما اتهمتهم إسرائيل بـ"التورط بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول".
ودفع هذا الأمر وزارة الخارجية الأمريكية إلى الإعلان عن أنها "أوقفت التمويل الإضافي مؤقتاً" للوكالة في غزة، وتبعتها 7 دول غربية أخرى، هي: ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، فنلندا، هولندا، أستراليا، كندا، ولحق بها اليابان، فيما قالت سويسرا إنها لم تتخذ قراراً بعد بشأن الموافقة على تقديم التمويل لعام 2024 حتى يتم البت في المزاعم.
وقال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا": "إنه لأمر صادم أن نرى تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على الادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين"، لا سيما في ضوء التدابير التي اتخذتها الوكالة الأممية التي "يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة".
ويبدو أن هذه الدول الممولة للأونروا تناست أن إسرائيل خلال هذه الحرب قتلت نحو 150 موظفاً من وكالة الأونروا، ولم يدفعها ذلك لتوبيخ إسرائيل حتى، بل قررت قطع تمويلها عن الوكالة التي تخدم نحو 1.8 مليون لاجئ في قطاع غزة.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي يتم استخدام وكالة الأونروا كوسيلة لابتزاز الفلسطينيين والضغط عليهم من أجل التخلي الكلي عن حق العودة لملايين اللاجئين لأرضهم التي طردوا منها عام 1948.
إيقاف تمويل الأونروا عام 2018
في العام 2018، أوقفت الولايات المتحدة (أكبر مساهم في الأونروا) برئاسة دونالد ترامب، مساعدتها المالية السنوية البالغة 300 مليون دولار. ورحّبت إسرائيل بالقرار الأمريكي الذي جاء ضمن ما يعرف بـ"صفقة القرن"، متّهمة الوكالة الأممية بـ"إطالة أمد النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني".
وذلك من خلال تكريسها المبدأ – الذي تعارضه إسرائيل – بأن الكثير من الفلسطينيين هم لاجئون لهم الحق في العودة إلى ديارهم، أي الأراضي التي طردوا منها عند قيام "دولة إسرائيل".
وفي مايو/أيار 2019، دعا مستشار الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) للشرق الأوسط، إلى إنهاء عمل وكالة الأونروا، متهماً إياها بأنّها "فشلت في مهمّتها". وردّت الوكالة، مؤكدة أنّه لا يمكن تحميلها المسؤولية عن الطريق المسدود الذي آلت إليه عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ابتداءً من عام 2021، استأنفت واشنطن تقديم التمويل بعد انتخاب جو بايدن رئيساً وخسارة ترامب.
لماذا تصر إسرائيل على إيقاف تمويل الأونروا؟
لطالما جادلت الجماعات اليمينية الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة والجمهوريون بإلغاء تمويل الوكالة، وقالوا إن تفردها بملف اللاجئين الفلسطينيين، ومنحها وضع اللاجئ ليس فقط للجيل الأول من اللاجئين (وقت النكبة 1948) ولكن لأحفادهم، يديم الصراع ويهدد وجودية "إسرائيل".
ولطالما اتهمت السلطات الإسرائيلية ومنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الوكالة بتأجيج التحريض ضد إسرائيل، وهو ما تنفيه الأونروا. وسعت إسرائيل منذ سنوات إلى إنهاء عمل الأونروا، "لما يشكله وجودها من ضرر معنوي على إسرائيل ومستقبل الصراع مع الفلسطينيين" بحسب مسؤولين إسرائيليين.
وكانت علاقة إسرائيل بالوكالة في عهد العديد من الحكومات المختلفة متوترة وفيها الكثير من الشد والجذب. فقد اعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن وجود الأونروا يديم الصراع، ولكنهم في الوقت ذاته أرادوا لها الاستمرار لأن ما تقدمه من إغاثة لقطاع غزة، وأجزاء من الضفة الغربية، كان وسيلة لمنع الانفجار هناك وخصيصاً في المخيمات.
ومع مرور الوقت كانت الرغبة الإسرائيلية في التخلص من الوكالة ودورها يزداد، فقد دعا بنيامين نتنياهو في العام 2018 إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين تحت مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة وإنهاء وجود الأونروا؛ إذ اعتبرها تعمل لصالح الفلسطينيين وتخلد قضية اللاجئين.
ثم وجدت إسرائيل في عدوانها على غزة والدعم اللامحدود الذي تلقته من الولايات المتحدة وأوروبا لها في عدوانها على قطاع غزة؛ فرصة للتخلص من الوكالة وما يمثله وجودها من الإبقاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين حية.
وأثارت الوكالة غضبَ إسرائيل خلال عدوانها المتكرر على غزة، وتدهورت العلاقة بين الجانبين، إذ قالت الوكالة في أكثر من مرة إن إسرائيل تستهدف أهدافاً مدنية، بما في ذلك مدارسها ومراكز الإسعاف، في حين قالت إسرائيل إن "الأونروا، عمداً أو تحت التهديد، توفر غطاء لإرهابيي حماس".
وكانت محكمة العدل الدولية، قد أخذت في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب جرائم حرب، تقارير وكالة الأونروا حول معاناة الفلسطينيين؛ حيث أشارت المحكمة لتقرير الأونروا الذي قالت فيه إن "القصف مستمر على غزة وتسبب بنزوح كبير للسكان وأجبروا على مغادرة منازلهم إلى أماكن ليست أكثر أمناً وتضرر أكثر من مليوني شخص وسيتضررون نفسياً وبدنياً والأطفال مرعوبون".
وكانت تقارير الوكالة تملك مصداقية كبرى عن الحديث عن المجازر التي يرتكبها الاحتلال ضد المدنيين في غزة، وهو ما أثار حفيظة إسرائيل وجعلها أكثر رغبة في التخلص من الوكالة ودورها بالكامل.
وعبّر عن ذلك وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس مؤخراً بقوله: "إن إسرائيل ستسعى إلى منع وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين من العمل في غزة بعد الحرب". وأضاف كاتس: "لقد كنا نحذر لسنوات من أن الأونروا تديم قضية اللاجئين، وتعرقل السلام، وتعمل كذراع مدنية لحماس في غزة".
إسرائيل تضع خطة على مراحل لتصفية الأونروا
في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 كشفت وثيقة للخارجية الإسرائيلية عن خطة لإخراج "الأونروا" من غزة، في أعقاب الحرب الجارية. وأوصى تقرير الخارجية الإسرائيلية، والذي تم تصنيفه بأنه "شديد السرية"، بتنفيذ خطة إخراج "الأونروا" من غزة على 3 مراحل:
- المرحلة الأولى هي الكشف في تقرير شامل عن تعاون مزعوم بين حركة "حماس" والوكالة الأممية، التي تقدم الرعاية والخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين من حربي 1948 و1967 وأحفادهم.
- المرحلة الثانية بحسب التقرير "قد تشمل تقليص عمليات الأونروا في القطاع الفلسطيني، والبحث عن منظمات مختلفة لتقديم خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية للفلسطينيين في غزة".
- المرحلة الثالثة، فستكون عبارة عن "عملية نقل كل مهام وكالة الأونروا إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد انتهاء الحرب وإنهاء وجود الوكالة".
ما أهمية الدور الذي تلعبه الأونروا في قطاع غزة؟
يعيش في قطاع غزة نحو 2.3 مليون إنسان، 70% منهم، من اللاجئين الفلسطينيين الذين تقع على الأونروا رعايتهم وفق أنظمتها الداخلية. ومنذ عام 2007 يعيش سكان قطاع غزة تحت العقاب الجماعي بحسب توصيف الأمم المتحدة، نتيجة للحصار البري والجوي والبحري المستمر منذ ذلك الحين وشن حروب عديدة على القطاع، وتعتبر وكالة الأونروا ملزمة بتقديم خدماتها لمعظم سكان القطاع.
وقبل الحرب المدمرة الأخيرة، كان 63% من سكان قطاع غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويعتمدون على المساعدات الدولية التي يتم تقديمها عن طريق وكالة "الأونروا".
ويعيش أكثر من 81% من سكان قطاع غزة في فقر شديد، فيما تشكل معدلات البطالة أكثر من 50% حتى عام 2022، خصوصاً 62.3% بين الشباب (15-29 سنة، واللاجئين وغير اللاجئين).
وتعرض الاقتصاد في قطاع غزة وقدرته على خلق فرص العمل للدمار، مما أدى بحسب وكالة الأونروا إلى إفقار وتراجع نمو مجتمع يتمتع بمهارات عالية ويتمتع بتعليم جيد. ولا يزال الوصول إلى المياه النظيفة والكهرباء عند مستوى الأزمة ويؤثر على كل جانب من جوانب الحياة تقريباً، فلا تتوافر المياه النظيفة لـ95% من سكان قطاع غزة الذين تقدم الوكالة لمعظمهم خدماتها. كما يصل متوسط توافر الكهرباء إلى 11 ساعة في اليوم اعتباراً من يوليو/تموز 2023.
ما المناطق التي تقدم وكالة الأونروا خدماتها فيها بغزة؟
يعيش اللاجئون الفلسطينيون بقطاع غزة في ثمانية مخيمات معترف بها من قبل وكالة الأونروا، والتي تعتبر الكثافة السكانية فيها من أعلى الكثافات السكانية في العالم، وهي مخيمات: الشاطئ، وجباليا، والبريج، والنصيرات، والمغازي، ودير البلح، وخان يونس ورفح. وتعمل الأونروا من خلال طاقم عمل يتكون من أكثر من 13.000 موظف في أكثر من 300 منشأة في مختلف أنحاء قطاع غزة، وتقدم الخدمات التعليمية والصحية والصحة النفسية وخدمات الإغاثة والخدمات الاجتماعية والقروض الصغيرة والمساعدة الطارئة للاجئين المسجلين.
وأطلقت الأونروا قبل 10 سنوات، عملية استجابة طارئة استثنائية، وهو ما أبرز دورها كأكبر منظمة تابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة والمنظمة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة التي تقوم بالتنفيذ المباشر.
وفي بيئة تتزايد فيها الاعتمادية والاحتياجات، يُنظر إلى الأونروا تقليدياً باعتبارها دعامةً للاستقرار من قبل لاجئي فلسطين في غزة. وفي السنوات الأخيرة أحرزت الأونروا تحسينات كبيرة على خدماتها في غزة كجزء من الإصلاح على مستوى أقاليم عملها، على سبيل المثال، في مجالات التعليم والرعاية الصحية.